«الشارقة للتوحد».. مركز آمن للدمج
تحقيق: مها عادل
قبل بضعة عقود فقط، كان عدد قليل جداً من الناس يعرفون، أو حتى سمعوا، كلمة «التوحد». وبالطبع كانت الكثير من العائلات تجد صعوبة في تشخيص بعض الأعراض التي قد تلاحظها على طفلها، وقد لا تجد من يمد لها يد العون بالنصح والمساعدة والعلاج، لكن في الوقت الحالي، زاد الوعي بطبيعة التوحد، وطرق التعامل معه.
من أبرز المؤسسات بالدولة التي تتصدى لهذه النوعية من الإعاقات، واتخذت على عاتقها مسؤولية رعاية وتحسين حياة الأشخاص ذوي اضطراب طيف التوحد، كانت مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية التي كانت رائدة في اتخاذ قرار افتتاح مركز الشارقة للتوحد عام 2002، لتقديم خدمات تربوية وعلاجية اختصاصية مناسبة للأطفال وللشباب من ذوي اضطراب طيف التوحد وأسرهم، بدءاً من عمر 5 سنوات وحتى 16 عاماً، إلى جانب مركز مسارات الذي يهتم بالفئة العمرية الأكبر.
يسعى مركز الشارقة للتوحد منذ تأسيسه إلى نشر ثقافة الوعي المجتمعي باضطراب طيف التوحد، والتركيز على الدمج والمطالبة بالحقوق، ومواجهة التحديات التي قد يجهلها الوسط الاجتماعي، كما يعمل من أجل تحسين جودة حياة الأشخاص ذوي اضطراب طيف التوحد، انسجاماً مع التوجه العالمي في إظهار الجوانب الكامنة لدى الأشخاص ذوي اضطراب طيف التوحد، والتركيز على قدراتهم وإمكاناتهم، والمساهمات التي يمكن أن يقدموها مستقبلاً في مختلف الجوانب الاجتماعية، وعدم الاكتفاء بالإضاءة فقط على الجانب العلاجي والتعليمي لهم، والتركيز أيضاً على دمجهم ودعمهم وضمان مشاركتهم، والدفاع عن حقوقهم. وهي أهداف تخدم الفرد والمجتمع وإنتاجيته ونتمنى نشرها.
يعد مركز الشارقة للتوحد رائداً في مجال تعليم وتأهيل الأطفال من ذوي اضطراب طيف التوحد؛ حيث أسهم في تغيير حياة الكثيرين منهم، وتعزيز مستقبلهم، وتمكن من توفير بيئة تعليمية ملائمة لهم، وتطوير برامج متكاملة؛ لتلبية احتياجاتهم الفردية، وتحسين قدراتهم الحياتية، كما قام بتوفير التدريب والدعم لأولياء الأمور والاختصاصيين في هذا المجال. وعلى الرغم من أن المستجدات في ميدان اضطراب طيف التوحد كثيرة، فإن المركز يحرص على مواكبتها بالتدريب المتواصل، وتفعيل دور الأسرة والمجتمع في هذا المجال.
وعن أهمية الدور الذي يقوم به المركز، أكدت د. سهام الحميمات، مدير مركز الشارقة للتوحد، أن افتتاح المركز قبل أكثر من 20 عاماً، يعد نقلة نوعية في تقديم خدمات متخصصة لذوي اضطراب طيف التوحد، وإضافة لمدينة الشارقة للخدمات الإنسانية التي تقدم خدماتها للأشخاص ذوي الإعاقة منذ عام 1979.
وأضافت: يعمل في مركز الشارقة للتوحد 47 موظفاً من المعلمين والاختصاصيين النفسيين والمشرفيين التربويين والإداريين الحاصلين على درجات علمية ومتخصصة في مجال التربية الخاصة وعلم النفس ومدربين وفقاً لأحدث الممارسات المتبعة في مجال اضطراب طيف التوحد.
وتبلغ الطاقة الاستيعابية للمركز 95 طالباً موزعين على ثلاثة أقسام؛ الفرع الرئيسي في منطقة الشرقان، وقسم بيت الشباب في اليرموك، وصفوف اضطراب طيف التوحد في مدرسة الرملة، وتتضمن 14 صفاً تدريبياً بمعدل 6 طلاب في الصف الدراسي إضافة إلى غرفة للعلاج الوظيفي، وعلاج النطق واللغة، وغرفة للرياضة، وغرفة للخدمة النفسية، وغرفة للتمريض، ويقدم مركز الشارقة للتوحد خدماته لكافة الأشخاص من ذوي اضطراب طيف التوحد من الفئة العمرية 5 سنوات إلى عمر 16 سنة.
وأكدت الحميمات أن نجاح المركز ما كان له أن يتم لولا القيادة الحكيمة والتوجيهات السديدة للشيخة جميلة بنت محمد القاسمي رئيس مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية، الحريصة أشد الحرص على المتابعة المباشرة للعمل، واستحداث الأقسام الجديدة، وإدراج الخدمات التي تواكب أفضل الممارسات، وتسهم في الارتقاء بالخدمات المقدمة للطلاب من مختلف الإعاقات. كما تم رفد المركز بالعديد من الدورات التدريبية والمحاضرات التي قدمت لفريق العمل وأسر الطلاب إلى جانب أهم طرق العلاج المستحدثة بالمركز لمساعدة ذوي اضطراب طيف التوحد وتطوير قدراتهم مثل: مقياس تيتش لتقييم المرحلة الانتقالية، مقياس ABLLS-R، تطبيق باب نور، تطبيق لغتي، وبرنامج العلاج بالموسيقى.
العلاج بالفن
يعتمد المركز على عدة برامج وآليات، لدعم وتنمية مهارات وعلاج الأطفال والشباب من ذوي طيف التوحد، مثل الفن والموسيقى، وعن أهمية الفن في علاج الأطفال من ذوي طيف التوحد يحدثنا السيد قاسم معلم أول بالمركز ويقول: يلعب الفن دوراً مهماً ومؤثراً، في تنمية وإثراء وعلاج عملية الاتصال، لدى الأطفال الذين يعانون اضطراب طيف التوحد.
ويعد الفن بحسب الخبراء والمتخصصين لغة في حد ذاته تتيح للأفراد سواء كانوا أطفالاً أو مراهقين عاديين أو ذوي إعاقة خاصة، فرصة للتعبير عمّا بداخلهم والاتصال بالآخرين، ومن هنا يصبح الرسم إلى جانب أنه وسيلة تطهيرية، وسيلة تساعد على علاج مشكلات التواصل والتحديات السلوكية لدى الأفراد.
ويعمل الفن على إيجاد علاقة اتصالية بين الفرد والقطعة الفنية، وبالتالي يبدأ نطاق الاتصال بالبيئة المحيطة به يتسع سواء هذه البيئة أشياء أو أفراد، والأنشطة الفنية تعد من أهم الأنشطة التي تقدم للأطفال من ذوي التوحد ذلك؛ لأنها تساعد هؤلاء الأطفال في تنمية إدراكهم الحسي؛ وذلك من خلال تنمية إدراكهم البصري، عن طريق الإحساس باللون والخط والمسافة والبعد والحجم والإدراك باللمس، عن طريق ملامسة الأسطح المختلفة. ويعد الرسم الوسيط الناجح في علاج الاضطرابات المختلفة، خاصة اضطراب طيف التوحد التي يعانيه الكثير من الأفراد، كما أنها جزء أساسي من برامج تنمية المهارات للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، وبالطبع منهم الأطفال من ذوي طيف التوحد.
الفروسية وركوب الخيل
تعد الرياضة من الطرق المستخدمة في علاج وتطوير مهارات الأطفال ذوي طيف التوحد، ويقول مصطفى إبراهيم الضويني، معلم التربية الرياضية بالمركز: ركوب الخيل ممارسة رائعة، وتثير الكثير من المرح، كما يعد علاجاً ممتازاً للتدخل في الأعراض الرئيسية المرتبطة باضطراب طيف التوحد؛ مثل التواصل والمهارات الاجتماعية والمهارات المعرفية والمهارات الحسية المنخفضة والاستجابات للإشارات اللفظية.
تجارب حية
عن تجربتها مع مركز التوحد، تقول أم «برديس» ولية أمر الطالبة برديس من فئة التوحد: في بداية الأمر أصابتني صدمة فور علمي بحالة ابنتي الصغيرة، وأنها من ذوي طيف التوحد، وكنت أعاني كثيراً في التعامل معها، وتحسين قدرتها على التواصل مع الآخرين، وقبولها اجتماعياً، لكن عقب انضمام ابنتي لمركز الشارقة للتوحد بعمر الخمس سنوات، تغيرت حياتي، ووجدت معهم ضالتي المنشودة، خاصة أن فكرة تطبيق الدمج بالمدارس لم تكن متوفرة حينها، وكان المركز هو الملاذ الآمن لابنتي؛ حيث تم احتواؤها وتعليمها وإشباع شغفها باللغات، خاصة الإنجليزية، ونشأت علاقة قوية بينها وبين المعلمات والمعلمين بالمركز، وتطورت مع السنوات لصداقة وأخوة.
وتعرب الطالبة الشابة برديس 25 عاماً عن امتنانها وسعادتها بحجم الاستفادة التي حصلت عليها بالتحاقها بالمركز، وتقول: على الرغم من أن التوحد منعني من الالتحاق بالمدارس، فإنني محظوظة بفرصة التحاقي بالمركز منذ طفولتي.