صندوق النقد: زخم النمو في العراق يتباطأ بسبب النفط والعملة
“لقد تباطأ زخَمُ نمو الاقتصاد العراقي في الأشهر الأخيرة، فبعد تعافي الانتاج النفطي في العام الماضي واستعادة مستواه الذي وصل إليه قبل تفشّي جائحة كورونا، من المتوقع أن ينكَمش إنتاج النفط بنسبة 5 بالمئة في العام 2023 في ضوء قرار منظمة أوبك+ بخفض حجم الإنتاج النفطي، وانقطاع خط أنابيب كركوك – جيهان النفطي عن العمل”، بحسب بيان لخبراء صندوق النقد الدولي الذي أجروا مراجعة للاقتصاد العراقي مؤخراً بعد اجتماعهم مع مسؤولين عراقيين في العاصمة الأردنية عمّان.
والعراق هو ثاني أكبر مُنتج للنفط في منظمة “أوبك”، بمتوسط 4.5 مليون برميل يومياً، يُصدِّر منها حوالي 3.4 مليون برميل، حيث تعتمد الحكومة العراقية على إيرادات بيع الخام لتغطية نحو 95 بالمئة من نفقاتها.
كما تعتبر احتياطيات النفط في العراق خامس أكبر احتياطيات نفطية مؤكدة في العالم حيث تبلغ 145 مليار برميل.
وأوضح بيان صندوق النقد، أن تقلُّباتُ سوق أسعار صرف العملات الأجنبية عَقِبَ تطبيق البنك المركزي العراقي لضوابط أكثر صرامة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب على مبيعات العملة الأجنبية كان له أثراً سلبياً على القطاعات غير النفطية القائمة على الاستيراد.
وتشير تقديرات صندوق النقد إلى حدوث انكماش في إجمالي الناتج المحلي الحقيقي غير النفطي بنسبة 9 بالمئة (على أساس سنوي مقارَن) خلال الربع الأخير من العام 2022، مما ألغى ما حقّقه من نمو خلال الثلاثة أرباع الأولي من العام.
“ومع بوادر استقرار سوق العملات الأجنبية، في ضوء الإجراءات التي اتّخذها البنك المركزي العراقي، يُتوقَّع لإجمالي الناتج المحلي الحقيقي غير النفطي أن يستأنف النمو، ليبلغ نسبة 3.7 بالمئة في العام 2023″، بحسب بيان صندوق النقد الدولي.
وتوقع البيان، أن يبلغ معدل التضخم 5.6 بالمئة في المتوسط خلال عام 2023، مشيرا إلى أن التضخم بدأ في الاعتدال بعد أن ارتفع إلى 7 بالمئة في شهر يناير الماضي.
وقال البيان: “لقد دعمت الظروف المواتية فى سوق النفط المراكز المالية والخارجية للعراق، غير أن الاختلالات الهيكلية قد استمرت في الاتّساع. ففي العام 2022، بلغت فوائض أرصدة المالية العامة والحساب الجاري الخارجي 7.6، و 17.3 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، على التوالي، عوداً إلى الارتفاع القياسي فى الإيرادات النفطية. كما ارتفع احتياطي العملات الأجنبية لدى البنك المركزي العراقي ليبلغ 97 مليار دولار (أي ما يعادل قيمة 11 شهرًا من الاستيراد)، حيث تتضمن وفورات مالية للحكومة بما قيمته 16.3 مليار دولار (أي ما يعادل 6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي). وفي الوقت نفسه، عمل التوسع الكبير في المالية العامة على زيادة العجز الأولي غير النفطي من 52 بالمئة، إلى ما يزيد عن 68 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي خلال العام 2022”.
وأضاف أن التوسع المالي سيزيد بشكل أكبر، حسب ما هو مقترح في مسودة قانون الموازنة للعام 2023، من حجم العجز الأولي غير النفطي في المالية العامة ليصل إلى 75 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي، ومن العجز الكلي في رصيد المالية العامة إلى نسبة 6.5 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي. ومن شأن التّأثيراتُ المشتركة لزيادة الإنفاق الحكومي، ولزيادة سعر صرف الدينار العراقي، ولخفض الإنتاج النَّفطي مجتمعةً، زيادة سعر برميل النفط المطلوب لتحقيق التوازن (عجز صفري) في المالية العامة، إلى 96 دولارًا.
وأوضح البيان: “على المدى القصير، فإن تنفيذ السلطات العراقية للخطط التي وضعتها للمالية العامة من الممكن أن يدفع نسبة التَّضخُّم إلى التصاعد، ويعيد سوق صرف العملات الأجنبية إلى التقلب. أما على المدى المتوسط، فإن استمرارَ العمل بالسياسات الحالية في ظل قدر كبير من عدم اليقين بشأن مسار أسعار النفط مستقبلًا، يفرض مخاطرَ بالغة على استقرار الاقتصاد الكلي. وباستثناء حالة حدوث زيادة كبيرة في أسعار النفط، فإن موقف المالية العامة الحالي يمكن أن يؤدي إلى تصاعد العجز، وتشديد الضغوط المالية في السنوات القادمة.
كما أكد أن هناك حاجةٌ إلى وضع سياسة للمالية العامة أكثر تشديُّدًا، لأجل تعزيز صمود الاقتصاد والحدِّ من اعتماد الحكومة على الإيرادات النفطية مع الحفاظ على احتياجات الإنفاق الاجتماعي الملحة. حيث تتضمن الأولويات الرئيسية تنويع إيرادات المالية العامة، وخفض الفاتورة الضخمة لأجور موظفي الحكومة، وإصلاح نظام المعاشات التقاعدية لجعله سليمًا ماليًّا وأكثر شمولًا للجميع. ومع أن بعثة صندوق النقد الدولي تدعم خطة الحكومة الرامية إلى زيادة حجم المساعدات الاجتماعية، إلا أنّها توصي بمستوىً أقوى من الاستهداف ، لكي تضمن بأنّ المساعدات موجّهة إلى المواطنين الأشدّ ضعفًا.