آخر خبر

الرأسمالية والتشوه القيمي | صحيفة مكة


عنت عالمة الاجتماع إيفا إيلوز بدراسة العواطف والنظم الاقتصادية دراسة موسعة واستخدمت مصطلحا جديدا ذاع في أوساط متخصصي العلوم الاجتماعية وهو الرأسمالية العاطفية، وكان أول ظهور له في كتاب “حميميات باردة” يشير للممارسات من سلوكيات أفعال وأقوال التي تشكل دلالة عاطفية واقتصادية ترتبط بعضها ببعض، كما تنعكس على طبيعة العلاقات الاجتماعية والسلوك الاستهلاكي للفرد. من منطلق علم اجتماع العاطفة فإن المجتمع هو الحاضن للعواطف وطريقة تفسير أفراده لها وتوجيهها في التفاعل الاجتماعي، وبالنسبة للرأسمالية العاطفية لها عدة صور سيستعرض الكاتب صورتين لها: الأولى تأثيرها على السلوك الاستهلاكي للفرد، فهي تستغل القيم التي يعلي من شأنها المجتمع ويحث أفراده عليها بشكل من قبل المؤسسات الربحية ويتم الترويج للسلعة عبر هذه القيم وعاطفتهم تجاهها ومن خلال نظرة خاطفة على الإعلانات المعروضة على وسائل الإعلام الرسمية نجد أن أكثر المنتجات يتم التسويق لها من خلال تهييج عاطفة ما بربط اقتناء المنتج بقيمة اجتماعية محمودة حسب الفئة المستهدفة في الإعلان، وما يحدث في الإعلانات التجارية هو نفس ما أشار إليه جورج هربرت ميد في التفاعلية الرمزية، حيث يرى “الشعر يستخدم رموزا صوتية ولغوية لإثارة الاستجابة العاطفية نفسها في كل من الشاعر والجمهور”.

تعقيبا لما سبق قد ترسل الإعلانات رموزا بشكل غير مباشر يستقبلها المتفرج بلا وعي عبر ضخ العديد من الإعلانات التجارية في مختلف الوسائل مما قد يخلق تفسيرا آخر للقيمة الاجتماعية؛ فعندما تخاطب البعض بحيث يكون الدال قيمة الجمال فإن المدلول مباشرة يكون إما جمال الوجه/الجسد كما يعرض على الشاشة بل قد يذكر لك أسماء معينة اعتادت الظهور على الشاشة، فالجمال اليوم مبالغ فيه ويلهث المستهلك خلف السلع سعيا منه للوصول إلى قيمة مشوهه في الأصل، فالإعلانات المسوقة لمنتجاتها وخدماتها عبر قيمة الجمال عديدة فتربط هذه القيمة بمواصفات معينة وحين نركز على هذه الإعلانات نجد أن المؤدي/ة لا يظهرون إلا في مواصفات وأشكال معينة من طول، لون بشرة، أجساد معينة، ويتم التسويق للمنتج بصورة غير مباشرة بحيث تربط لدى المتفرج اللاواعي أن الجمال مرتبط بالجسد، كذلك لغويا يتم ذكر مصطلحات أو جمل تعزز من أن القيمة الاجتماعية مرتبطة بالمنتج المعلن عنه بحيث تعرض بصورة توحي للمتفرج بلا وعي أنه لا يمكن أن تتم هذه القيمة دون اقتناء سلعة بعينها لتهييج عاطفته كما لو أن اقتناء هذه السلعة يعني حتمية الوصول للقيمة المراد لها.

أما الصورة الثانية من صور الرأسمالية العاطفية والتي يكون انعكاسها على العلاقات الاجتماعية، يحصل حين يتم العبث بمعاني القيم لدى المتفرج فحينما ترى الأجيال اللاحقة مفاخرة ومباهاة في إهداء هدايا باهظة الثمن للفرد تربطه علاقة بمؤثر في وسائل التواصل الاجتماعي وتتكرر مثل هذه المشاهد فإنه يخلق نوعا من التوقعات لدى المتفرج سواء بوعي أو لا وعي في علاقاته مع الآخرين، حيث قد تتشكل صورة يوتوبية عن الحياة الزوجية التي يعرض له و قد يؤدي هذا التغير الإيدولوجي أو التشوه القيمي إلى خلق بعض التوترات في العلاقة وحينما لا تحقق التوقعات يسود العلاقة شيء من التوتر والتي قد ترتقي في بعض الحالات إلى الابتزاز العاطفي من منظور سايكولوجي وهو محاولة إجبار أحد الطرفين في العلاقة على فعل أمر ما سعيا منه لإرضاء الطرف الآخر بعد أن تم استغلاله عاطفيا فمثلا قد يقول أحد الأطراف للآخر: إن لم تفعل كذا سأقطع علاقتي بك. والتي قد تكون أمورا كمالية لا قيمة لها وفي كثير من الأحوال قد يتحمل الطرف الآخر تكلفة ذلك مقابل إرضاء المبتز، أضف على ذلك أن متن العلاقة اليوم يرتبط بالقيمة الاقتصادية وما اكتسبه الفرد من هذه العلاقة ماديا فكلما ازدادت المكاسب زاد متن العلاقة إنها صورة مشوهة عن قيم مثل الحب، الصداقة، الأخوة، على حسب الموضع التي تقع فيه، وأخيرا لو نظرنا في الأيام القليلة الماضية في شهر رمضان أو شهر الخير كما يطلق عليه أصحاب المؤسسات الاقتصادية لأغراض ربحية وهو شهر ديني خصص للعبادة إلا أنه أكثر أشهر السنة استهلاكا في السعودية وحسب ما تشير الأرقام أشير إلى مختصي العلوم الاجتماعية لدراسة ظاهرة تسليع المشاعر وعلاقتها بازدياد الاستهلاك في رمضان فهو حقل خصب للأبحاث والدراسات الاجتماعية.



مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى