الأسواق تترقب محادثات أوبك+.. فما أبرز السيناريوهات؟
وبينما تسعى أوبك+ للمحافظة على استقرار العرض والطلب، وتُركز سياساتها في هذا السياق على آليات السوق، فإنها تضع نصب أعينها مجموعة من العوامل والمعطيات الرئيسية المسيطرة على السوق حالياً وما تعكسه من مؤشرات بخصوص العرض والطلب خلال العام الجاري، بدءاً من معدلات التضخم الواسعة، ومروراً بشبح الركود الذي انزلق فيه بالفعل الاقتصاد الألماني، أكبر اقتصاد أوروبي، ووصولاً إلى تباطؤ الطلب في الصين.
تنعكس تلك المعطيات بشكل مباشر على أسواق النفط وتقديرات حجم الطلب، وبما يؤثر بدوره على استقرار الأسعار، وبالتالي قد تؤثر على القرارات المرتبطة بالإنتاج وسياسات تحالف أوبك+ بناءً، على تقديرات التحالف للوضع الراهن.
سبقت المحادثات المرتقبة مجموعة من التصريحات التي اعتبر عدد من المحللين أنها ربما تحمل إشارة إلى “مفاجآت” جديدة للأسواق قد يخرج بها الاجتماع؛ أهمها تصريح وزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، خلال مشاركته في منتدى قطر الاقتصادي بالدوحة، والذي حذر المضاربين بالسوق، قائلاً: “أواصل نصيحتهم بأنهم سيتألمون كما حدث في أبريل الماضي، سأظل أقول لهم احذروا”.
وفي المقابل جاءت تصريحات نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك، عندما قال إن تحالف أوبك+ لا يرى حاجة لأي تخفيضات في إنتاج النفط “بالرغم من ضعف نمو الطلب الصيني بأقل من المتوقع”، قبل أن يعود يوم الجمعة الماضي ويوضح أن موسكو ستعمل مع بقية أعضاء التحالف، على تحديد الأفضل للسوق مع الالتزام بجميع القرارات السابقة.
وروسيا عضو في تحالف أوبك+ للدول المنتجة للنفط والذي أعلن عن خفض الإنتاج الإجمالي للدول الأعضاء 1.16 مليون برميل يومياً في خطوة مفاجئة في أبريل، وهي الخطوة التي عارضتها الولايات المتحدة. كما اعتبرت وكالة الطاقة أن خفض الإنتاج يخاطر بتفاقم عجز إمدادات النفط في النصف الثاني من العام.
في أبريل الماضي، أعلنت عدة دول مصدرة للنفط ضمن تحالف “أوبك+”، بما في ذلك السعودية والإمارات، عن خفض طوعي لإنتاج النفط، اعتبارا من مايو وحتى نهاية 2023، في خطوة تهدف إلى “تحقيق التوزان في سوق النفط”. وكانت “أوبك+” قد قررت في شهر أكتوبر الماضي أيضاً خفض الإنتاج بنحو مليوني برميل يومياً.
وتبعاً للعوامل المذكورة، تفرض مجموعة من السيناريوهات نفسها على التوقعات المحتملة لنتائج محادثات “أوبك+” بما في ذلك إمكانية استمرار خفض الإنتاج؛ للمحافظة على مستويات الأسعار في ضوء محددات العرض والطلب.
اهتزاز الاقتصاد العالمي
من جانبه، يشرح رئيس مركز جيواستراتيجيك أناليسيز الأميركي للدراسات، بيتر هوسي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” عدداً من العوامل التي تدفع بحالة الترقب الراهنة لنتائج وقرارات محادثات “أوبك+”، وفي مقدمتها الوضع الاقتصادي العالمي في المرحلة الراهنة، وفي ظل التوقعات المرتبطة بالركود المحتمل، علاوة على العوامل المرتبطة بالحرب في أوكرانيا، وحاجة موسكو إلى مزيدٍ من الموارد.
ويشير في هذا السياق، إلى أنه “بالنظر إلى اهتزاز الاقتصاد العالمي وتوقعات حدوث ركود محتمل، أعتقد بأن أوبك+ يجب أن تفعل كل شيء لضمان إمدادات وفيرة من النفط بأسعار معقولة”.
ويضيف: “السوق حالياً غير مستقرة بعض الشيء؛ لأنهم ليسوا متأكدين تماماً مما سوف تفعله أوبك+ (هناك ترقب للقرارات)”. ومع ذلك، فإنه يشدد على أنه “نظراً لحاجة روسيا إلى الموارد لخوض الحرب في أوكرانيا، فمن المحتمل أن الإنتاج سيظل معتدلاً نسبياً”.
ولا تدعم الولايات المتحدة وحلفاؤها في الغرب أي قرار من شأنه زيادة أسعار النفط. وبالنسبة لواشنطن، فإن سيناريو ارتفاع أسعار النفط يحمل معه تداعيات اقتصادية وسياسية مختلفة، تحدث عنها موقع “أويل برايس” الأميركي، في مقال رأي للكاتب سيمون واتكينز، والذي ذكر أن:
– كل تغيير في سعر النفط الخام بمقدار 10 دولارات يؤدي إلى هامش زيادة بين 25-30 سنتاً في سعر غالون البنزين.
– مقابل كل سنت لارتفاع متوسط سعر الغالون من البنزين، يتراجع الإنفاق الاستهلاكي أكثر من مليار دولار سنوياً.
– سياسياً، وبحسب إحصاءات المكتب الوطني الأميركي للبحوث الاقتصادية، فإن حظوظ أي رئيس للفوز بولاية ثانية تكون أوفر في حال كان الاقتصاد الأميركي مزدهراً، والعكس صحيح.
عوامل رئيسية
من جانبه، يُحدد عضو مجلس أمناء معهد الشرق الأوسط للدراسات الاقتصادية والسياسة، هاشم عقل، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” عدداً من العوامل التي تفرض نفسها على أسواق النفط قبيل الاجتماع:
– هناك فشل واضح لسياسات البنوك المركزية في خفض التضخم بالنسبة المرجوة.
– أكبر اقتصاد أوروبي (ألمانيا) في مرحلة الركود.
– السياسات النقدية ورفع أسعار الفائدة المتواصل الذي يحد من الاستثمارات ويؤثر على النمو الاقتصادي.
– تراجع النمو الصناعي في الصين، حتى بعد إلغاء قيود كورونا. ورغم توقعات سابقة بارتفاع الطلب الصيني.
أما من حيث الدول المنتجة وحالة العرض، فيُسجل عدداً من الملاحظات التي ترسم المشهد الراهن أيضاً قبل اجتماع أوبك+ كمعطيات رئيسية؛ وأهمها:
– اتفقت دول “أوبك+” على خفض الإنتاج في العام الماضي وشهر أبريل الماضي.
– هناك زيادة في الإنتاج الروسي، إضافة إلى خصومات كبيرة تقدمها روسيا تحد من ارتفاع الأسعار.
– هناك وفرة في النفط في أسواق آسيا، وأيضاً في أوروبا التي حصلت على النفط الروسي والمنتجات المكررة رغم العقوبات.
– أصبحت هناك منافسة “غير عادلة” بين النفط الروسي ونفط أعضاء “أوبك+” الملتزمين بالحصص.
ويلفت في هذا السياق، إلى أن “قرارات أوبك+ السابقة كانت صائبة، وهناك متابعة ومراقبة دقيقة للأسواق العالمية”.
وأضاف أن “هناك حملات على أوبك+ من قبل وكالة الطاقة الدولية، واتهامات لها بزعزعة الاستقرار الاقتصادي العالمي، كما أن هناك همساً إعلامياً عن خلافات سعودية روسية بخصوص حصص الإنتاج والخصومات الكبيرة في الأسعار، لكن من المستبعد كليا حدوث حرب أسعار؛ لأنها تشكل ضرراً للجميع”.
وتبعاً لذلك، يعتقد عضو مجلس أمناء معهد الشرق الأوسط للدراسات الاقتصادية والسياسة، هاشم عقل بأن “اجتماع أوبك القادم سيكون اجتماعاً هاماً جداً؛ لأنه يأخذ في الاعتبار كل ما تقدم”.
والثلاثاء، هبطت أسعار النفط بنحو أربعة بالمئة، كما أنها واصلت الانخفاض الأربعاء، وذلك بعد بيانات ضعيفة عن نشاط التصنيع في الصين وارتفاع الدولار، فيما أثرت الضبابية حول القرار المرتقب لتحالف أوبك+ في اجتماعه المقبل على نفسية المتعاملين.
وتدعم تراجع أسعار النفط المخاوف المرتبطة بتباطؤ الطلب من الصين، والتي تُعد أكبر مستورد للنفط في العالم، بعد صدور بيانات اقتصادية أضعف من المتوقع، مع انخفض المؤشر الرسمي لمديري مشتريات قطاع الصناعات التحويلية إلى 48.8 من 49.2 في أبريل، وفقا لبيانات المكتب الوطني للإحصاء. أما قطاع الخدمات فقد سجل نموا بأبطأ وتيرة في أربعة أشهر في مايو، مع انخفاض المؤشر الرسمي لمديري مشتريات القطاع غير الصناعي إلى 54.5 من 56.4 في أبريل.
المستويات العادلة للأسعار
المحلل الاقتصادي الكويتي، محمد الرمضان، يقول في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن “أوبك+” تلعب دوراً مهماً للحفاظ على أسعار النفط في المستويات العادلة لكل من المنتجين والمستهلكين، مردفاً: “عندما نرى أن أسعار جميع السلع زادت مع ارتفاع معدلات التضخم، فليس هناك منطق يُحتم على أسعار النفط أن تكون في الحدود المنخفضة (..) لمعالجة الأزمة يتعين عدم المبالغة في سياسة رفع الفائدة وليس أن يتم دعم تلك السياسة بالاعتماد على أسعار نفط منخفضة”.
ويشير إلى أن “الجميع يترقب أسعار النفط في المرحلة المقبلة، لا سيما مع توقعات الدخول في ركود اقتصادي أوسع، بعد دخول ألمانيا في هذه المرحلة، ويُمكن أن يشمل ذلك دولاً أخرى، وبما يؤثر على الطلب على النفط”.
وبالتالي فإن “ثمة ترقباً واسعاً لاجتماع أوبك+ القادم، وسط مجموعة من الاحتمالات المطروحة، ربما أكثرها توقعاً هو أن تتم المحافظة على معدلات الإنتاج دون تغيير.. ومن بين الاحتمالات أيضاً أن يتم توزيع خفض الإنتاج السابق على دول أكثر داخل المنظمة، أو أن يتم إقرار خفض جديد للمحافظة على أسعار النفط حال توسعت أزمة الركود الاقتصادي، لا سيما وأن اجتماعات أوبك+ متباعدة نسبياً”.
ويُحيل الرمضان إلى دلالات تصريحات وزير النفط السعودي، لا سيما وأن “المضاربين توقعوا انخفاض أسعار النفط بعد اجتماع أوبك+ الجديد بسبب توقعات الركود الاقتصادي وانخفاض وتيرة النمو الاقتصادي العالمي”.
ويُبرز في هذا السياق عدداً من العوامل الرئيسية التي يتعين وضعها في الاعتبار، أولها أن ثمة ضغوطاً يمارسها الغرب من أجل خفض أسعار النفط لإصلاح حالات الركود وتقليل احتمالات الركود في الدول الأخرى. بينما الدول المصدرة للنفط تستفيد قدر الإمكان في ظل المحافظة على الأسعار في مستوياتها المناسبة في ظل معدلات التضخم الحالية، وذلك بين 80 و85 دولاراً للبرميل.
وتتباين تقديرات المؤسسات المالية العالمية بخصوص أسعار النفط المتوقعة في الربع الثالث من العام الجاري 2023، كان أقصاها عند كل من جيه بي مورغان تشيس (96 دولاراً للبرميل)، ثم يو بي إس غلوبال وسوسيتيه جنرال (95 دولاراً)، وإتش إس بي سي (92 دولاراً)، وغولدمان ساكس (89 دولاراً)، ثم ستاندرد تشارترد (88 دولاراً)، وحدد سيتي غروب السعر المتوقع عند (83 دولاراً للبرميل) ومورغان ستانلي عند 77.9 دولاراً للبرميل.
دور أوبك في استقرار العرض والطلب
وترى خبيرة الطاقة، وأستاذة الاقتصاد بالقاهرة الدكتورة وفاء علي، أن “أسواق النفط عادة ما تتطلع إلى اجتماع أوبك+، ويكتسب الاجتماع القادم أهمية خاصة، لا سيما بعد تصريحات الأمين العام للمنظمة، هيثم الغيص، وكذلك تصريحات نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك”.
وشددت على أنه “على مدى سنوات أثبتت أوبك+ قدرتها على التماسك وإيجاد الحلول والتوازن التوافقى في السوق العالمية، كما أن لدى المنظمة آليات للحفاظ على مستويات الطلب العالمي، وكذلك مراعاة أساسيات السوق الكلية، بالرغم من المضاربات، وبما يؤثر على الأسعار”.
وتردف خبيرة الطاقة: “من المتوقع الإبقاء على مستوى التخفيض الساري، ومع التزام أوبك+ بسياستها التوافقية”، مشددة على أهمية الأخذ في الاعتبار مدى تأثير قرب اجتماع الفيدرالي الأميركي، واتجاهاته المحتملة من حيث الإبقاء على سياسة التشديد النقدي من عدمه، كذلك أثر الاتفاق الأميركي الأخير على رفع سقف الدين، وهما عاملان من شأنهما أن يلقيا بظلالهما على أسعار النفط.
وتوضح خبيرة الطاقة في معرض حديثها مع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن هناك اهتماماً بعودة النفط الإيراني إلى الأسواق بمجرد رفع العقوبات عن طهران، وهو أمر قد يؤدي لاحقاً إلى تهدئة حماس المضاربات، وزيادة حجم المعروض، مع توقع مزيد من الانخفاض في بيانات الطلب الصيني بالرغم من شراء الصين والهند لكميات كبيرة من النفط الروسي رغم العقوبات الواهية (..)”.
وتضيف: “ستُبقي أوبك+ على توقعاتها، كما أنها أثبتت بالدليل القاطع أن التحليل الخاص بها للأسواق كان محقاً أكثر من بيانات وكالة الطاقة بخصوص الطلب، على أساس أن الوكالة متفائلة بخصوص نمو الطلب إلى 2.2 مليون برميل يوميا مع النصف الثاني من العام الجاري”.
وتختتم حديثها قائلة: “تشهد الأسواق حالة من حبس الأنفاس؛ انتظاراً لقرارات أوبك، التي لا تمارس أية سياسة عدائية بخصوص آليات السوق ولا تستهدف سعراً محدداً، إنما تعمل على المحافظة على استقرار العرض والطلب”.
البيانات الاقتصادية
فيما يتوقع المحلل الاقتصادي الإماراتي، نايل الجوابرة، ألا تحمل محادثات “أوبك+” المرتقبة تغييراً لجهة خفض الإنتاج، لا سيما وأنه في أبريل الماضي اتخذ قرار خفض الإنتاج بواقع 1.6 مليون برميل يومياً بدءاً من مايو، وهو الأمر الذي مازال يضغط على الأسواق.
لكنه يشير في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إلى مجموعة عوامل تتجه إليها الأنظار خلال محادثات أوبك+ وأهمها البيانات الاقتصادية التي لا تزال ضاغطة على الأسواق؛ سواء المرتبطة بالولايات المتحدة وكذلك ملف رفع سقف الدين. وأيضاً البيانات الصادرة من الصين، الأربعاء.
ويشير إلى أن بيانات الصين تكشف تباطؤاً في النشاط الاقتصادي، رغم أن الأنظار كانت تتجه إلى زيادة الطلب في بكين وارتفاع الأسعار منذ بداية العام الجاري مع رفع قيود (صفر كوفيد)، لكن ثمة تباطؤاً تُظهره المؤشرات الاقتصادية، لا سيما وأن أزمة سلاسل الإمداد لا تزال ضاغطة أيضاً.
ويعتقد الجوابرة بأن الاجتماع المقبل قد لا يشهد مفاجآت، بينما في أغسطس قد يتم خفض الإنتاج من جديد ولو في حدود النصف مليون برميل يومياً، موضحاً أن أوبك+ منذ العام 2016 لها دور بناء في المحافظة على أسعار معتدلة بالنسبة للمصدرين والمستوردين، وتبزغ كقوة اقتصادية هائلة في السوق.
في المقابل، يتوقع الباحث في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي، أبوبكر الديب، أن يشهد اجتماع أعضاء تحالف منظمة أوبك + استمرار سياسة خفض إنتاج النفط بسبب المخاوف بشأن النمو الاقتصادي ورفع أسعار الفائدة، وضبابية المشهد حول إمكانية المصادقة على اتفاق سقف الدين في الولايات المتحدة الأميركية.
ويذكر الديب أنه رغم إعلان التحالف في أبريل الماضي عن خفض طوعي للإنتاج دخل حيز التنفيذ في مايو، إلا أن أسعار النفط مستمرة في الانخفاض، وزادت المخاوف بشأن إمكانية المصادقة على اتفاق سقف الدين في أميركا شهية المخاطرة، كما ألقت الرسائل المتباينة من كبار منتجي النفط بظلالها على توقعات المعروض (..).
ويشير الديب إلى أن واردات الصين من النفط جاءت في الربع الأول من العام أقل من التوقعات، ما خفض من معنويات السوق، على اعتبار أن الطلب الصيني يعد أحد أهم العوامل الرئيسة الداعمة لأسعار النفط الخام، وربما يتعافي الطلب الصيني في النصف الثاني من العام الجاري.