آخر خبر

الأندية الأدبية.. نظرة من الداخل!


بنى إيرل نورثمبرلاند قلعة دورهام في إنجلترا عام 1072م، وكانت قلعة عسكرية، ثم تحولت إلى كاتدرائية وهي – بالإضافة لذلك – ضمن المدينة الجامعية لجامعة دورهام الآن، وتبدو الفكرة الأساسية للمبنى أن يبقى وأن يبقى تاريخه معه، وأن يتم تكييف وظائف المبنى وفق الحالة الثقافية والاجتماعية الحالية، ذلك أن التغيير لا يعني الهدم بل يعني إعادة البناء والترميم جزء من هذا المفهوم على المستوى المادي، وبهذا تكتسب المباني صفتها التاريخية حتى إن مدينة دورهام الصغيرة تحتوي على 600 مبنى مصنف أثريا لدى اليونيسكو.

يقودنا هذا إلى الأندية الأدبية في المملكة.

إن تصحيح مسيرة الأندية الأدبية لا يكمن في إلغائها بل يكمن في تشخيص حالتها ومعالجتها وفق معطيات المرحلة، ولعل قرار سمو وزير الثقافة بإلحاقها بالجمعيات غير الربحية هو إعادة تقييم لأعمال الأندية الأدبية، ولا شك أنه قرار جاء بعد دراسة عميقة لحال الأندية الأدبية وهذا جدير بها، وذلك أن يتم إعادة صياغتها بما يتناسب مع دورها في المرحلة الجديدة من العمل الثقافي المؤسسي في المملكة.

مما لا شك أن هناك إشكالية في عمل الأندية الأدبية على رأسها عدم رضا البعض في الوسط الثقافي عن أدائها، وربما مخرجات الأندية الأدبية التي باتت تقليدية وتحصر نفسها في ندوة وكتاب، وربما أشياء أخرى، والذي تحتاجه الأندية الأدبية هو معرفة الإشكالية تحديدا، وتحديث أهدافها ثانيا، ومن ثم عمل خطة مهنية لتحويلها إلى جهاز قادر على تحقيق الأهداف الجديدة وتحقيق مخرجات ملموسة في فترة زمنية محددة يمكن الحكم عليها بأن التغيير حقق أهدافه، أو أن التغيير نفسه يحتاج لتغيير.

إن أكثر ما أعاق العمل الأدبي في الدول النامية هو فكرة البناء من جديد، ذلك أنه يعني الهدم ثم البناء الجديد مكانه بكل تكاليفه وأعبائه بينما إعادة البناء هو عبارة عن محافظة على تراكم تاريخي لمنجز سابق مادي أو معنوي، يتم تعزيزه بالتغيير؛ ذلك أن العمل الثقافي بطبيعته تراكمي النزعة ولا يمكن أن يكون على خط مستقيم واحد، وإلا لأصبحت الثقافة بناء أفقيا لا يتراكم أبدا.

وحتى نبتعد عن هذه النزعة ربما يجدر بنا تقدير المرحلة التاريخية وتحديد حجم المشكلة، فقد تكون المجالس الإدارية نمطية الأداء وعلينا تحديث الأداء، أو أن آلية تحديد الأهداف والمخرجات ومنجزاتها ومؤشرات أدائها لم تكن موجودة أو أنها لم يتم التنسيق فيها مما أدى إلى عدم قياسها الأمر الذي جعل من تقييمها أمرا تقديريا أو انطباعيا لا يعكس واقعها.

المؤكد أن الأندية الأدبية ما بين تاريخها الطويل وبين أصدقائها ومحبيها، وبين ناقديها، وراغبي التصحيح تكمن في خيارات متعددة بين الإلغاء والهدم تماما، وبين لغة المراجعة وإعادة البناء وتصحيح الخطأ والاحتفاظ بالإرث التاريخي، وبين من يريد أن يبقى على نمطيها الحالية، وهذه الخيارات ليس سوى خيارات يجب ألا تتجاوز مرحلة الخيارات وأن الأجدر بالتطبيق هو ما تفضي إليه دراسة الوضع الثقافي في المملكة، وما يمكن أن تسهم فيه الأندية الأدبية بعد تصحيح أوضاعها وإعادة بنائها (إن كان هذا هو الخيار الأجدر) لكن يجب ملاحظة أن الأندية الأدبية قدمت إرثا أدبيا كبيرا جديرا بالاحترام؛ تتناسب مع طبيعة الثقافة في فترة سابقة؛ قادت – في لحظتها – الحراك الثقافي في المملكة وكانت أحد منابر التداول والحوار في المجالين الأدبي والثقافي، ولا زالت كتبها ومحاضرتها ومنجزاتها شاهد على ذلك، ويبقى أن العالم في حراك مستمر وعلى الأندية الأدبية – بأي صيغة كانت – أن تسهم مع شقيقاتها (منظومات الأنشطة الثقافية في وزارة الثقافية) في مسايرة ذلك الحراك ومواكبته، ورفع مستوى الحراك الثقافي، لتسدد كل واحدة منها الأهداف المأمولة منها.

مهم جدا أن أشير إلى أن لدى إدارات الأندية الأدبية مبرراتها التي فيها ما هو مقبول ومتفهم، وفيها غير ذلك، بالإضافة لحاجة الأندية الأدبية لمن يساعدها في مواكبة المرحلة القادمة من خلال مشاركتها بالخطط والاستراتيجيات والآليات الخاصة بالوزارة لمواكبتها.

يبدو لي أن خطط التصحيح واضحة وجلية، بيد أنها تحتاج إلى خطط عمل محكمة حتى تعكس آمال وطموحات وزارة الثقافة وتساير اللحظة الثقافية في المملكة العربية السعودية والتي تشهد تحولات كبيرة وقفزات ملموسة وإعادة بناء، وإن ما تشهده المملكة من تغييرات وقفزات حداثية نوعية ليس على مستوى الثقافة وحسب بل على مستوى التنمية وحياة الإنسان، وليست الثقافة إلا جزء منها، وما طموحاتنا في الأندية الأدبية إلا جزء منها!

Halemalbaarrak@



مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى