الحج: “يعتقدون أننا قادرون على أداء الحج بسهولة لأننا نقيم في السعودية”
أسابيع قليلة تفصل المسلمين الوافدين إلى مكة في المملكة العربية السعودية من جميع أنحاء العالم، عن أداء شعائر ومناسك الحج، التي تبدأ في شهر ذي الحجة بحسب التقويم الهجري، المصادف هذا العام لشهر يوليو/تموز بحسب التقويم الميلادي.
لكن أعداد غير القادرين على أداء هذه الفريضة التي تعد أحد أركان الإسلام الخمسة، آخذة في الارتفاع، بسبب التضخم العالمي وسوء الأوضاع المعيشية وبالتالي تأثير ذلك على تكلفة الحج أيضاً.
أحلام مؤجلة
لا يزال عباس أحمد وزوجته خديجة يمنيان نفسيهما بأداء فريضة الحج منذ عام 2013، حيث بدآ بالتخطيط والادخار لتحقيق حلمهما المنشود، لكنهما أجبرا على تأجيل هذا الحلم إلى أجل غير مسمى بسبب التضخم وارتفاع التكاليف.
يقول عباس (47 عاماً) وهو صاحب ورشة خياطة في أحد أحياء مدينة حلب السورية لبي بي سي عربي: “حالتي المالية جيدة نوعاً ما، مقارنة مع 80 في المئة من السكان المحليين، ومع ذلك لم أستطع توفير تكاليف الحج الآخذة في الارتفاع يوماً بعد يوم”.
وتقول زوجته خديجة: “يبدو أن حلمنا في زيارة الكعبة المشرفة ذهب مع الريح، في ظل هذه الظروف البائسة، فضلاً عن أطفالنا الثلاثة الذين كبروا الآن وكبرت معهم مستلزماتهم الدراسية ومصاريفهم المعيشية اليومية”.
وتضيف: “إضافة إلى الحرب التي طحنت بلادنا، فإن مستوى الأسعار ارتفع بشكل هائل، ولم نعد قادرين على تلبية احتياجاتنا اليومية الأساسية التي اعتدنا عليها من قبل، الأسعار جنونية”.
لكن دار الإفتاء المصرية أوجدت الحل لمن لا تتوفر بين أيديهم الأموال ويرغبون في أداء الحج، فقد أصدرت فتوى حول إمكانية أداء فريضة الحج بالتقسيط، وجاء النص كالتالي: “من المقرر شرعاً أن ملكية نفقة الحج أو العمرة -وهي المُعَبَّرُ عنها في الفقه بالزاد والراحلة – إنما هي شرط وجوبٍ لا شرط صحة، بمعنى أن عدم ملكية الشخص لها في وقت الحج لا يعني عدم صحة الحج بل يعني عدم وجوبه عليه، بحيث إنه إذا لم يَحُجُّ حينئذٍ فلا إثم عليه، أما إذا أحرم بالحج فقد لزمه إتمامه، وحَجُّه صحيحٌ، وتسقط به عنه حجة الفريضة، وكذلك الحال في العمرة. وبعبارة مختصرة يجوز أداء الحج والعمرة بالتقسيط، ولا بأس بهما شرعاً”.
تنفس كثيرون الصعداء بعد هذه الفتوى، لأن هذا من شأنه تحقيق الأحلام المؤجلة لملايين الراغبين في أداء الحج.
عصام أو حسبما يعرف عن نفسه بـ أبو أيوب (60 عاما) وزوجته أم أيوب، يقيمان في ألمانيا منذ ست سنوات، لكنهما لا يستطيعان العمل بسبب عائق اللغة وأمور أخرى، لذلك يحصلان على المساعدات والخدمات الاجتماعية المجانية من الحكومة.
يقول عصام: “فتوى دار الإفتاء ستحقق حلم الكثيرين، لكن للأسف الشديد، أمثالي لن يستطيعوا الاستفادة من هذه الفرصة الذهبية لأنني لست مؤهلاً للحصول على أي قرض، لكوني عاطل عن العمل”.
لكن، عباس وخديجة لهما رأي آخر حول أداء الحج بالتقسيط والاقتراض.
يقول عباس: “الحج فريضة لمن استطاع إليه سبيلاً، والاقتراض يعني أننا لا نملك ما يكفي لقضاء حاجاتنا، ولا يجوز الحج بالاقتراض إذا كانت ستتركنا نواجه سنوات من التقشف والحرمان لسداد الديون”.
ويضيف مستدركاً “المشكلة هي أننا لم نعد قادرين على الادخار أصلاً، عدا عن ذلك، إذا كانت هناك فوائد على المال المقترض من أي جهة كانت، فالفكرة قطعاً مرفوضة لدي ولن أفعلها”.
ليس السوريين وحدهم من تأثروا بالتضخم وارتفاع تكاليف المعيشة، بل معظم بلدان العالم والشرق الأوسط، حتى تلك التي لم تدُر فيها أي صراعات أو حروب أهلية.
ازداد التضخم سوءاً بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وبالتالي امتدت آثار الحرب إلى كافة القطاعات، من ارتفاع رسوم النقل والمواصلات والاتصالات، إلى ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية والغذائية والرسوم الدراسية وغيرها، بما في ذلك تكاليف الحج.
هل أداء الحج أسهل للمقيمين الأجانب في السعودية؟
إذا كنتَ تعتقد أن المقيمين العرب والأجانب في المملكة العربية السعودية محظوظون وقادرون على أداء هذه الفريضة بسهولة، أعتقد أنك ستغير رأيك الآن.
جميلة محمد، امرأة عراقية مقيمة في العاصمة السعودية، الرياض منذ أكثر من 10 سنوات، ولديها أربعة أطفال، تقول: “ربما يعتقد البعض أننا محظوظون كوننا نعيش في المملكة العربية السعودية وقريبون من مكة، وكذلك قد يظن البعض الآخر أننا لا نحتاج الكثير من المال لأداء الحج، لكن الواقع عكس ذلك تماماً”.
وتضيف المرأة البالغة من العمر 41 عاماً: “الحياة هنا ليست سهلة على الإطلاق، فهناك الرسوم الباهظة اللازمة لمدارس الأطفال، ورسوم تجديد الإقامات السنوية التي تكلف 5000 ريال سعودي للشخص الواحد – ما يعادل 1300 دولار – ورسوم التأمين الصحي وإيجار المنزل وفواتير الكهرباء والانترنت والهواتف واحتياجات الأطفال اليومية والمدرسية وما إلى هنالك”.
وتشرح قائلة: “إن راتب زوجي أعلى من متوسط الدخل هنا، ولذا أتساءل كيف تدبر الأسر الأخرى التي تعيش براتب أقل من المتوسط أمورها اليومية، وما بالك بمواطني بلدان الشرق الأوسط التي تترنح تحت وطأة الحروب والدمار وغلاء الأسعار!”.
وبلا شك، الأمر أسهل بالنسبة للسعوديين وحاملي الجنسية السعودية، لأن رواتبهم وأجورهم أعلى من رواتب الأجانب المقيمين بشكل عام.
قوافل الحجاج
تختلف الأسعار والرسوم والإجراءات وتكاليف قوافل الحجاج بحسب البلدان التي يأتون منها.
وكحد أدنى، تبدأ تكلفة الحملة/القافلة الواحدة من 12000 ريال سعودي (ما يزيد عن 3000 دولار) للشخص الواحد، أما بالنسبة لقوافل الحج الفاخرة فالرقم أعلى، هذا إذا كان الشخص مقيماً في السعودية.
لكن الرقم قد يتجاوز 6000 دولار للشخص الوافد من خارج المملكة.
وتحدد المملكة العربية السعودية في كل عام موعداً وتاريخاً أخيراً لدخول الحجاج إلى مكة في موسم الحج، كما تغلق أبواب المدينة أمام الزائرين المحليين والخارجيين، باستثناء حاملي تصاريح الحج والعمرة أو حاملي هوية مقيم صادرة من مكة، وذلك لتنظيم الحجاج القادمين لتأدية مناسك الحج وتسهيل أمورهم ومنع الازدحام والتدافع وضمان سلامة وراحة الحجاج.