منوعات

نظرة الإسلام إلى المال | صحيفة الخليج



أحمد حلمي سيف النصر

المال مقيد في الإسلام بقيود شرعية، وهي تعني طهارة الكسب وأوجه التحصيل، فالأموال المجموعة من أوجه غير شرعية تعتبر أموالاً باطلة كأثمان المحرمات «الخمر والميسر وثمن الكلب والخنزير» وما إلى ذلك؛ لأن اللّه إذا حرم شيئاً حرَّم ثمنه.

وكل هذه الأموال لا تعتبر شرعاً بالنسبة لمن يدين بالإسلام، وإن كانت معتبرة في حق غيره ومن هنا نستطيع أن نعرف كيف ينظر الإسلام للمال. إنه ينظر إليه على أنه وسيلة لتبادل المنافع بين العباد، ووسيلة للتعايش في الأرض

وهذا المال لا يعتبر في نظر الإسلام حقيقياً إلا إذا كان بطرقه الشرعية، فليس كل مال مهما كانت مصادر الحصول عليه يعتبر «مالاً» شرعياً يستطيع المرء المسلم أن يتقرب به إلى اللّه من نفقات واجبة وصدقات يبتغى بها وجه اللّه.

ولما كان الأمر كذلك أقر الله تبارك وتعالى هذه الخاصية: خاصية حب المادة وحب التملك «للمال» في الناس وهي طبيعة فطرية فطرهم عليها، بل وحثَّهم على الطلب والتحصيل من هذه المادة على تفاوت طبقاتهم وسعيهم في طلب الرزق، ونهاهم أن ينظروا لغيرهم نظرة حسد وكره لمن فضلوا عليهم في الرزق، وأمرهم أن يسألوه سبحانه وتعالى من فضله (وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ) (النساء)

فجعل المال فتنة وامتحاناً وميدان سباق للخير والإحسان في نفس الوقت، وجاءت الآيات الكريمة في كلا الوجهين تبين للناس ما ينفعهم في دينهم ودنياهم وتنهاهم أيضاً أن يجعلوا «المال» وجمعه من أي طريق كلَّ غرضهم في الحياة بما لا يقبل المنافاة بين الآياتِ التي تشجع على الكسب والتحصيل، والآيات التي تهدد وتنذر الذين يكتَنِزون الأموال ولا يؤدون حق الله فيها، فآيات الفتنة والامتحان إنما هي في الحقيقة تنذر أولئك الذين جعلوا المال هدفاً لذاته، وغاية كل غاية

فقد سمى اللّه تبارك وتعالى المال مرة «زينة» ومرة «فتنة» فقال جل ثناؤه (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً) ( الكهف)

وقال: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (التغابن).. فهو في الآية الأولى زينة الحياة الدنيا «والزينة تغرى- والزينة تلهي عن اللّه والدار الآخرة إلا من وفقه اللّه».

لذا قال تعالى في سورة المنافقون (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)؛ لأنه يعلم أن بعض العباد تشغلهم الأموال وتلهيهم عن ذكر اللّه، واللهو عن ذكره سبحانه وتعالى خسارة أيما خسارة، فأرشد عباده المؤمنين لتلافي تلك الخسارة الكبرى، ولا يكون ذلك إلا بمراقبة اللّه في السر والعلن، وأداء حقوق الله.

واقتضت الحكمة الإلهية أن يكون في المال نصيب مفروض للبائسين والمحرومين يأخذونه من أموال إخوانهم الذين وسع اللّه عليهم في الرزق، إما بطيب خاطر ورضى نفس كالصدقات وأعمال البر، وإما على سبيل الوجوب والإلزام كالزكاة.

[email protected]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى