يروين مآسي الديون.. غارمات خارج السجون بعفو رئاسي في مصر
القاهرة (رويترز)
قبل أربعة أعوام جلست بائعة متجولة بأحد الشوارع الجانبية بمحافظة الجيزة المصرية تجمع قوت يومها والذي لم يكن يتعدى حينها 50 جنيهاً يومياً.
وكانت تشغلها تحضيرات زواج ابنة شقيقتها، التي تقوم على رعايتها منذ وفاة والدتها، وتكاليف شراء الأجهزة الكهربائية التي تحتاج لها العروس وكانت تكلفتها آنذاك نحو 30 ألف جنيه (1660 دولاراً أمريكياً بسعر الصرف وقتها).
وعندما لم تستطع سداد المبلغ بأكمله، لجأت السيدة التي طلبت عدم ذكر اسمها لأسباب اجتماعية وهي أمّ لثلاثة أبناء، إلى الاستدانة من البائع وتوقيع إيصال أمانة «على بياض»، ويعني ذلك إمضاء العقد بين الدائن والمدين بدون تحديد قيمة المبلغ المستحق.
وحين لم تتمكن من سداد المبلغ، الذي أضاف إليه الدائن ما يقرب من 16 ألف جنيه كفوائد، أبلغ عنها الشرطة وحُكم عليها بالسجن غيابياً.
وتقول السيدة «لحد دلوقتي ماباعرفش أنام، أمّا تيجي الحكومة تخبّط عليكي وإنتي معاكي بنات، تنزلي الشارع أصلاً وهما واخدينك، ده إحساس موت لوحده، كنت باموت بالبطيء».
وجدت السيدة طوق النجاة من خلال جمعية رعاية أطفال السجينات، وهي جمعية خيرية مصرية تهدف إلى تمكين السجينات السابقات والغارمات، إذ قامت الجمعية بسداد الدين عنها قبل القبض عليها.
تقول لمياء مجدي، مديرة مشروع فينيكس بجمعية أطفال السجينات، إن معظم هؤلاء النساء يواجهن «وصماً من المجتمع» فور خروجهن من السجن «بعد ما بتدخل السجن وبتخرج منه تاني، بتكون خلاص عندها صحيفة سوابق وبيظهر في الفيش والتشبيه (صحيفتها الجنائية) بالتالي بيكون صعب عليها جداً إنها توجد لنفسها فرصة عمل».
وأوضحت أن الجمعية تحرص على تعليم السيدات بعض الحرف المختلفة من أجل «تمكين السيدات اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً» حتى يمكنهن الاعتماد على أنفسهن.
وتابعت «صنعتها في إيديها هي اللي هتسندها، مش هتبقى تحت رحمة إن النهاردة الجمعية دي أو الهيئة دي بتديها مساعدة أو مساندة مالية أو عينية، بكرة هي مش موجودة يبقى أنا ضعت أنا وولادي، بالعكس اللي بندور عليه هي إنها تكون قوية من غيرنا».
وبحسب لجنة سجينات الفقر بجمعية أطفال السجينات، قامت الجمعية في 2022 بسداد ديون 102 غارمة بمبلغ إجمالي 71400 جنيه.
ومنذ أوائل العام الماضي، تعرضت مصر لأزمة اقتصادية أدت إلى ارتفاع معدلات التضخم السنوية الرسمية إلى أكثر من 30 في المئة وتراجعت مستويات المعيشة لكثير من المواطنين.
وفي مارس/ آذار الماضي، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال احتفالية المرأة المصرية، قراراً بعفو رئاسي «عن كافة الغارمين والغارمات ممن يقضون العقوبات بمراكز الإصلاح والتأهيل».
وقالت وزارة الداخلية المصرية من خلال فيديو نشرته عبر فيسبوك إن «قطاع الحماية المجتمعية أفرج عن 40 سيدة و45 رب أسرة في إطار العفو الرئاسي»
وذكرت وزارة التضامن الاجتماعي المصرية في بيان أصدرته في ديسمبر/ كانون الأول 2022 أنها تعاونت مع مؤسسة المصري لسداد ديون 451 غارماً وغارمة في 18 محافظة بتكلفة تقارب 8.5 مليون جنيه.
وتقول سهير عوض، مستشار مؤسسة المصري للتنمية والتعليم وعضو اللجنة الوطنية للغارمين والغارمات، إن أكبر أسباب للجوء الأفراد للاستدانة في مصر هي «المرض أو عوز شديد من الأسرة» وإن الأمراض المزمنة هي السبب الأكبر للاقتراض.
وتعمل مؤسسة المصري على «دعم وتنمية المجتمع المدني» من خلال توعية الجمعيات والمؤسسات المختلفة بآليات وخبرات تمكنها من العمل على مساعدة الغارمين والغارمات.
وترى عوض، التي تعمل على ملف الغارمين في مصر منذ 13 عاماً نجحت خلالها في سداد ديون ما يقرب من 100 ألف غارم وغارمة، أن قيام الدولة العفو عن بعض السجناء من الغارمين بمثابة «نقطة مضيئة» لكنها ليست كافية، إذ إن القضاء على مشكلة في رأيها يبدأ من خلال توفير فرص عمل أو تعليم حرفة «لو عندي دخل مكفيني ومكفي ولادي خلاص مش هاستلف».
وتقوم مؤسسة المصري بمساعدة الغارمات من خلال سداد الديون ثم مساعدتهن في بدء مشروعات تدرّ عليهن دخلاً شهرياً، بالإضافة إلى توفير المعدات اللازمة لتطوير حرفتهن أو إلحاقهن بمعاهد متخصصة «لتطوير قدراتهن الحرفية».
وتقول منى عزت، من مركز نون لقضايا المرأة والأسرة، إن هناك حاجة «لإعادة النظر في المشروعات متناهية الصغر» لدعم الغارمات من خلال «تأسيس تعاونيات أو وحدات إنتاجية مشتركة» وأن يتم جمع أموال التبرعات والزكاة والصدقات في «صندوق واحد أو حساب بنكي واحد» يهدف لدعم مجموعة من النساء في آن واحد.
وأضافت «كده هيبقى رأس مال المشروع أكبر، فرص استدامته أكثر، قدرات النساء ومهاراتهن هتتكامل مع بعض مش هتتنافس وبالتالي هنخلق فرص مختلفة شوية فيما يتعلق بتطوير حياة الناس ومساعدتهم على تأمين احتياجاته الأساسية وخروجهم من دائرة الفقر».