سوق الجمعة لها أصل في الإسلام
د. عارف الشيخ
سألني أحدهم ذات مرة سؤالاً غريباً وهو أن سوق الجمعة كانت موجودة في عهد الرسول، صلى الله عليه وسلم، وموجودة في الجنة لكني لا أصدق، فما رأيك؟
قلت: لعلك تقصد ما ورد في صحيح مسلم عن أنس بن مالك أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: إن في الجنة لسوقاً يأتونها كل جمعة، فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم، فيزدادون حسناً وجمالاً، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسناً وجمالاً فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم حسناً وجمالاً.
وقد ورد في شرح الحديث أن هذه السوق هي المكان الذي يساق الناس إليه، ويجتمعون فيه، وذكر السوق هنا من باب تشبيه الوجود بالوجود وليس تشبيه الصفة بالصفة، فليس في الجنة ما يشبه ما في الدنيا من نعيم، فالجنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر بقلب بشر. والحديث يبين عظم ما أعد الله لعباده المؤمنين، فالجنة بما أنها دار جزاء ولا عمل، أعد الله فيها لعباده المخلصين فوق ما كانوا ينعمون به في الدنيا.
ومن شدة إكرامه، تعالى، لهم أن يقول لهم: تمنّوا وتذكروا ما كان عندكم من متع في الدنيا، كي أعطيكم على غرارها، لكنها أجمل وأكمل وأفضل من غير وجه الشبه في الكم والكيف.
والله تعالى، ذكر في كتابه العزيز ألواناً من المتع التي يمنحها لعباده الصالحين يوم القيامة: قال تعالى: «.. ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدّعون» الآية 31 من سورة فصلت.
وقال تعالى: «.. وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين..» الآية 71 من سورة الزخرف.
وقال أيضاً: «إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون، هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون» الآية 55-56 من سورة يس.
وقال أيضاً: «وحور عين، كأمثال اللؤلؤ المكنون، جزاء بما كانوا يعملون» الآيات من سورة الواقعة.
وفي الحديث الشريف: عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر، لا يبصقون فيها ولا يتمخطون ولا يتغوطون، آنيتهم فيها الذهب، أمشاطهم من الذهب والفضة، ومجامرهم الألوّة (شجرة لها رائحة طيبة إذا أحرقت) ورشحهم المسك، ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخّ سوقهما من وراء اللحم من الحسن، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم قلب واحد، يسبحون الله بكرة وعشياً. رواه البخاري ومسلم.
إذن، فسوق الجمعة في الجنة مكان تجمعهم فيه الجمعة، وما ورد في الحديث من نعيم الآخرة يجب الإيمان به، لأن الرسول، صلى الله عليه وسلم، لا ينطق عن الهوى.
ثم هب أنك سخرت من مثل هذا الحديث، فأنت ميّت لا محالة، فلو متّ مؤمناً بالحديث لم تخسر شيئاً، وأما لو متّ منكراً أو ساخراً به فتخسر في يوم ليس أمامك إلا مواجهة الحقيقة، اللهم ارزقنا إيماناً كإيمان العجائز.