هذه خلفيات رفض المغرب مبادرة إفريقية للوساطة بين روسيا وأوكرانيا

بدا لافتا في اللقاء الصحافي الذي عقده وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، مع نظيره الأوكراني، ديميترو كوليبا، أمس الاثنين، تحذير المغرب من كثرة المبادرات الرامية لإيجاد حل للأزمة الروسية الأوكرانية.
وقال بوريطة مخاطبا نظيره الأوكراني إن الرباط ترحب بكل المبادرات الرامية لإيجاد حل سلمي للحرب، مستدركا بأن المغرب يحذر من أن كثرة المبادرات يمكن أن تخلق “صعوبات أكثر لإيجاد الحل”، وذلك في إشارة غير مباشرة إلى المبادرة الإفريقية التي تتزعمها جنوب إفريقيا وضمت إلى جانبها خمس دول أخرى.
ولم يقف بوريطة عند هذا الحد، بل أوضح أن المغرب أخذ علما في المباحثات بـ”مبادرة الرئيس الأوكراني زيلينسكي لإيجاد حل للأزمة الأوكرانية-الروسية”، معتبرا أن “بلاده مع الحل السلمي”، قبل أن يجدد التذكير بأن المغرب “ليس طرفا في الحرب في أوكرانيا، لا بشكل ولا بآخر، ولكنه معني بها، لأنها تمس الأمن والاستقرار الدوليين، وبالنظر لتبعات هذه الحرب وانعكاساتها الاقتصادية على عدد من الدول، منها المملكة المغربية”.
وكانت جنوب إفريقيا قد أعلنت، الأسبوع الماضي، عن مبادرة إفريقية للوساطة من أجل إيجاد حل نهائي للأزمة المستحكمة بين روسيا وأوكرانيا، تضم إلى جانبها كلا من أوغندا ومصر والسنغال والكونغو الديمقراطية وزامبيا، وأعلن رئيسها موافقة بوتين وزيلينسكي على استقبال وفد يضم رؤساء هذه الدول الإفريقية من أجل الاستماع لتفاصيل الحل المقترح، من دون كشف تفاصيله.
المبادرة الإفريقية اصطفاف
في قراءته للوضع، يرى محمد العمراني بوخبزة، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان، أن أي مبادرات لإيجاد حل للأزمة الروسية الأوكرانية، “تكون بخلفية، ووراءها أجندة تتحكم فيها وتحركها، وهذا ربما هو الفرق الموجود بين المغرب ودول أخرى”.
وأضاف بوخبزة، في اتصال هاتفي مع جريدة هسبريس الإلكترونية، أن المغرب يبحث عن “السلم والأمن والاستقرار دون أن تحركه خلفيات مرتبطة بالمصالح والاصطفافات”.
وبين بوخبزة أن “الموقف المغربي لاحظناه في المبادرات التي تتم من أجل حل الخلافات الدولية، إذ إن المغرب ينجح في ضم الفرقاء الليبيين وينجح في تحقيق اختراقات في الأزمة الليبية في كل مرة تقع فيها مشاكل بينهم”، قبل أن يضيف: “المغرب عندما يبادر لا يبادر من أجل أجندة خاصة به، بل ينظر إلى المصالح العليا لليبيين والرغبة في استقرار ليبيا، لأن أمن ليبيا من أمن المنطقة، وقليلة هي الدول التي تعتمد هذه المنهجية”.
وسجل المتحدث ذاته أنه “عندما نلاحظ مبادرات تأتي من دول تصطف على أساس إيديولوجي، فسنجد من الصعب على هذه المبادرات أن تنجح، لأنها محكومة برؤية ونظرة ماضوية”، مؤكدا أن أي مبادرة يجب أن تكون “مؤسسة ومبنية على مرجعيات، وطالما أن المبادرات الحالية مبنية على مرجعية تعود إلى مرحلة الحرب الباردة والاصطفافات الإيديولوجية، لا أظن أنها قد تنجح في تحقيق المبتغى”.
وأشار بوخبزة إلى أن المغرب يحاول أن ينبه الأطراف المعنية إلى أنه إذا كانت هناك مبادرات يجب أن تكون قائمة على أساس “المصالح العليا المتعلقة بالأمن والسلم الدوليين”.
منهجية واضحة
المحلل السياسي ذاته شدد على أن هذه المبادرات “قد تزيد من تعميق الأزمة أكثر، و(يصبح) من الصعوبة بمكان تحقيق الحلول”، لأن المغرب “منهجيته هي التي تجعله ينبه للمبادرات التي قد تسيء أكثر مما قد تساهم في الحل، والتي تبقى مبادرة جنوب إفريقيا واحدة من بينها”.
من جهته، اعتبر خالد الشيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، أن المبادرة الإفريقية لحل الأزمة الروسية الأوكرانية “محاولة لإعطاء الانطباع بأن جنوب إفريقيا فاعل قوي في العلاقات على المستوى القاري والدولي، بدعم من مجموعة من الدول التي تدور في فلكها”.
وأضاف الشيات في حديث مع هسبريس، “رغم العلاقات المتطورة بين جنوب إفريقيا وروسيا، يصعب على جنوب إفريقيا غير المتوازنة في علاقاتها مع روسيا وأوكرانيا أن تكون لها صيغة وتأثير على الأزمة”، مبرزا أن “الدول الإفريقية ألفت أن تكون في علاقاتها مع روسيا دولا متوسلة للكرم الروسي، باعتبار أن هذه الحرب تؤثر على المستوى الغذائي والاستقرار الاجتماعي، وهذه الخطوة الإفريقية سيصعب أن نقول بأن لها أثرا على المستوى الواقعي والفعلي”.
وأشار أستاذ العلاقات الدولية إلى أن زيارة وزير الخارجية الأوكراني إلى المغرب، أكدت أن “المجموعة الإفريقية غير متوازنة، لأن عدم ضمها للمغرب سيكون مؤثرا في عدم إقناع أوكرانيا، والزيارة كانت دليلا على الترابط بين المغرب وأوكرانيا، والتصريحات كانت تدل على هذا النسق”.
وأفاد الشيات بأن المغرب فاعل أساسي في هذه الأزمة وغيرها على المستوى الإفريقي، موردا أن المبادرة الإفريقية “محاولة لتضخيم الذات بالنسبة لجنوب إفريقيا على المستوى الدبلوماسي الذي لا يوازي فعليا الدور الذي تقوم به على المستوى العملي”.
وشدد المتحدث ذاته على أن المغرب يؤمن بـ”المبادرات الجادة وذات المصداقية، التي لديها أسس قائمة لتفعيل مسلسل إيجاد مسار المصالحة ووقف إطلاق النار. أما المبادرات المرتبطة بالبهرجة الإعلامية، فلا أعتقد أنه سيكون لها أثر على المستوى الفعلي والواقعي، وهو ما ينبه إليه المغرب”.
وأكد الشيات أن تعدد المبادرات سيكون “إيجابيا إن كانت هذه المبادرات صادرة عن جهات لها القدرة على الفعل والتأثير في أطراف النزاع، ونحن نعلم أن هذا النزاع أصبح نزاعا ذا طبيعة استراتيجية بين قوى عظمى، وادعاء بعض الدول القدرة على إيجاد منافذ للحلول هو ادعاء من باب الدعاية السياسية وليس من باب الواقعية”، وفق تعبيره.