أخبار العالم

من يقدر على إطفاء “مصباح أردوغان” في انتخابات تركيا؟



قال الدكتور عبد الله بوصوف، الخبير في العلوم الإنسانية، إن الحملة الانتخابية التركية عرفت توظيفا كبيرا لرموز التاريخ العثماني، كما توفرت فيها كل مقومات معركة “كسر العظام”، مضيفا أنه في الوقت الذي سوق إعلام المعارضة بأن تركيا “تشتاق للديمقراطية” ووصف بعضها أردوغان بالديكتاتور والمستبد، علـق الرئيس التركي بأن نسبة المشاركة التي اقتربت من 90 في المائة هي انتصار للديمقراطية.

وأوضح بوصوف، في مقال توصلت به هسبريس معنون بـ”من يقدر على إطفاء مصباح رجب أردوغان؟”، أن مبـرر التغطية الإعلامية التي حظيت بها الانتخابات في تركيــا هو الموقع المركزي الذي تحتله شخصية الرئيس أردوغان على مستوى خارطة العلاقات الدولية وقوته في صنع معادلات النظام العالمي الجديد.

وأكد أن الناخب التركي سيقول كلمته 28 ماي، وستعطي تركيا درسا جديدا في نسبة المشاركة الانتخابية والممارسة الديمقراطية، في زمن تشتكي بعض الديمقراطيات الأوروبية من العزوف الانتخابي ومن نسب مشاركة ضعيفة.

هذا نص المقال:

ينتظـر العالــم الجولة الثانية للرئاسيات التركية يوم 28 ماي بعد يوم انتخابي عصيب (14 ماي)، حيث لم يحصل كل من الرئيس أردوغان (64 سنة) وزعيم المعارضة كليشدار أغلو (75 سنة) على نتائج تتجاوز عتبة 50 في المائة من نسبة مشاركة الناخبين الأتراك.

وقــد عرفت الحملة الانتخابية توظيفا كبيرا لرموز التاريخ العثماني والتراكم الديمقراطي التركي، بدءا من اختيار يوم الاقتراع 14 ماي نفسه، وزيارة زعيم المعارضة كليشدار أغلو لقبــر مصطفى أتاتورك، في حين صلى الرئيس أردوغان بمسجد “صوفيا”، وكل ما تحمله تلك الأمكنة من رسائل الاصطفاف والأيديولوجيات، وكذا الانتصار والفخـر.

كما وصف العديد من المراقبين الحملة الانتخابية التركية بمعركة “كسر العظــام”، إذ توفرت فيها كل مقومات المعركة من اتهامات وتراشق وتدافع واحتقان ومساومات ووعــود واصطياد هفوات الفريق الآخــر واستعمال مكثف لكل وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي وتحريك جيوش ما يعرف بـ”الذباب الإعلامي” وثنائيات أردوغان/ كليشدار… وفي الوقت الذي وظف زعيم المعارضة فضاء المطبخ والبصل للتذكير بأزمة الغلاء والتضخم سيرد عليه الرئيس أردوغان بنشر صورته بالزي العسكري ووراءه أسلحة الدرون كدليل على تطور صناعة الأسلحة التركية التي عززت التواجد التركي في أكثر من منطقة ساخنة في العالم وأدخلت تركيا/ أردوغان إلى نادي الكبار.

أكثــر من هـذا، ففي الوقت الذي سوق إعـلام المعارضة التركية وبعض المنابر الخارجية المعروفة بعــدائها للرئيس التركي بأن تركيا “تشتاق للديمقراطية “، ووصف بعضها أردوغان بالديكتاتور والمستبد، والبعض الآخــر اتهمه بنشره لـ”الفاشية الإسلامية”، فقـد علـق الرئيس أردوغان بأن نسبة المشاركة التي اقتربت من 90 في المائة هي انتصار للديمقراطية.

لقد تابعنا تحليلات بعض منابر الإعلام الغربي، حيث انتابنا شعور بالتجييش والتشكيك لصالح تيار المعارضة، وإعطاء مساحة إعلامية أكبر لتيار المعارضة دون تيار التحالف الحكومي وأردوغان. كما أفردت مساحات مهمة لشرح نتائج استطلاعات الرأي ولغضب سكان المناطق المنكوبة من زلزال فبراير 2023.

وأعتقــد أن مبـرر التغطية الإعلامية القوية للانتخابات في تركيــا، سواء أثناء الحملة أو أثناء إعلان النتائج، مرده الموقع المركزي الذي تحتله شخصية الرئيس أردوغان على مستوى خارطة العلاقات الدولية وقوته في صنع معادلات النظام العالمي الجديد. لذلك فنشر مراسلين واعتماد صحافيين كبار لتغطية نتائج تعلن نهاية عهد أردوغان، مثلا، هو سبق صحافي وحدث تاريخي، وفي نفس الوقت الإعلان عن فــوز أردوغان هو حدث تاريخي وانتصار في معركة سياسية وأيديولوجية وإعلامية. لذلك فقد كانت شخصية أردوغان هي المبتدأ والخبر في كل انتخابات تركيا طيلة عقدين من الزمن. فهل انهــزم فعلا الرئيس أردوغـان في جولــة 14 ماي؟..

أولا، لغـة الأرقــام تقول إن أردوغان جاء متفوقا على غريمه كليشدار أغلو بأكثر من مليوني ونصف ناخب. أضف، ثانيا، أن التحالف الحكومي فـاز بأغلبية مقاعد البرلمان، أي 323 مقعدا من 600 مقاعد البرلمان، وهو مؤشر مهم على الحالة الصحية لحزب العدالة والتنمية رغم التضخم وأزمة العملة التركية، ورغم تداعيات زلزال فبراير وفاتورة 50 ألف قتيل ومئات الضحايا… ومحفــز إيجابي للجولة الثانية ليوم 28 ماي. كما أن لغة الأرقام أفادت بأن أغلبية مناطق الزلزال صوتت لفائدة الرئيس أردوغان، وهو ما أغضب تيار المعارضة، الذي بنى حملته على تداعيات الزلزال والدعوة لطرد اللاجئين السوريين والمهاجرين الهاربين من مناطق الصراع وتقلبات المناخ.

ورغم هــذه القراءة الإيجابية لحصيلة تيــار أردوغان، فإننا لمسنا النصر بطعم المرارة، إذ سجل اللجوء للدورة الثانية لأول مرة في عهد الرئيس أردوغان. كما كان بإمكان إنجازات أردوغان الكبيرة طيلة عقدين من التربع على السلطة أن تشفع له في تراجع العملة التركية أمام الدولار الأمريكي وارتفاع نسبة التضخم وانخفاض معدلات الاستثمارات الخارجية.

كما كان بإمكانهم حسم النتيجة بمشاركة تاريخية قاربت 90 بالمائة، خاصة أن فريق حملة أردوغان كان يتكلم لغة الإنجازات والأرقام وعرض المشاريع، سواء بالداخل أو الخارج، في حين اكتفى فريق حملة المعارضة بلغة التمني والوعود، دون الاعتماد على أرقام أو خرائط اجتماعية أو ثقــافية او اقتصادية.
كان بإمكانهم حسم النتيجة يوم 14 ماي بمقارنة متأنية بين تاريخ وشخصية أردوغان القيادية، وشخصية كليشدار أغلو، الذي وصفه البعض من تيار المعارضة بالفـاقـد لـ”الكاريزما”.

وباقترابنا من يوم 28 ماي ترتفع حدة التراشق والاتهامات بتزوير نتائج الدورة الأولى والدعوة لإعادة عملية الفرز والعـد، خاصة في مناطق الأكراد والزلزال، واتهام وكالة “الأناضول” الإعلامية بتفضيل تيار أردوغان على تيار “الطاولة السداسية”. كما ترتفع درجة الإشاعات حول انسحاب بعض قادة المعارضة أو هشاشة الوعود والتخوين والعمالة للخارج.

وباقترابنا من يــوم الجولة الثانية يرتفع صخب نتائج وتحليلات استطلاعات الرأي بين المشككة في قــوة أردوغان على الصمود والفوز، وبين المهللة لانتصار المعارضة وقدوم عهد “ديمقراطي” جديــد. هذا مع الإشارة إلى تنبيهات بعض المتتبعين وبقولهم إنه في حالة فوز المعارضة، فإن الشلل سيصيب المشهد السياسي في تركيا، إذ سينقسم بين مؤسسة تشريعية يسيطر عليها تحالف أردوغان، وبين مؤسسة الـرئاسة الموزعة بين رئيس وعدة نواب الرئيس من “الطاولة السداسية”.

لكن الأكيد هو أن الناخب التركي سيقول كلمته الفصل يوم 28 ماي، وستعطي تركيا درسا جديدا في نسبة المشاركة الانتخابية والممارسة الديمقراطية، في زمن تشتكي بعض الديمقراطيات الأوروبية من العزوف الانتخابي ومن نسب مشاركة ضعيفة. فمن يـقدر على إطفــاء مصباح رجب أردوغان؟.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى