من الرباط إلى “جزيرة العبيد” .. بولمقوس يعيد ربط المغرب بالعمق الإفريقي
“إفريقيا ليست فقط غابات وحيوانات مفترسة وسفاري… بل هي ثقافة وموسيقى وإبداع وجمال”؛ هكذا وصف الكاتب أشرف بولمقوس رحلاته إلى دول إفريقية وثقها في كتاب سيصدر قريبا تحت عنوان “من الرباط إلى جزيرة العبيد.. ملاحظات مواطن إفريقي”.
أشرف بولمقوس، أستاذ التاريخ والجغرافيا الحاصل على شواهد عليا من جامعات مغربية وفرنسية، لم يقتصر ارتباطه بالمادة التي يدرسها على حجرات الفصل الدراسي، بل سحره تاريخ القارة الإفريقية وجغرافيتها، توجه بعمل أدبي يوثق فيه سفرياته إلى عدد من دول الساحل الإفريقي.
بقلم المسافر المستكشف وبحنكة الأستاذ الباحث، انطلق الكاتب في رحلة بدأت من العاصمة الرباط وصولا إلى جزيرة كوري قبالة سواحل السنغال، أو جزيرة العبيد كما أسماها، ذلك “أنها كانت تاريخيا كذلك”، يعلق الكاتب عينه، في محاولة “لإعادة ربط المغرب بعمقه القاري والبحث في التقاطعات ما بين الثقافتين المغربية والإفريقية”.
في حوار أجرته معه جريدة هسبريس الإلكترونية، أكد الكاتب الشاب أن مؤلفه الجديد “دعوة للسفر جنوبا واستكشاف الثقافة الإفريقية كامتداد لثقافتنا المحلية”، موردا أنه “بصدد الإعداد لرحلة أخرى إلى عدد من دول القارة على غرار غينيا وغينيا بيساو وسيراليون، ستكون موضوع القادم من كتاباته”.
نص الحوار كاملا:
لماذا هذا الكتاب؟
الجواب على هذا السؤال يجد له شقا كبيرا في مقدمة الكتاب؛ فهو محاولة للتوثيق المكتوب لرحلة قادتني إلى كل من موريتانيا والسنغال، في وقت بدأ فيه القلم يفقد قدرته على التوثيق لصالح الصوت والصورة. لكن الغايات الأسمى من هذا العمل هي التشجيع أولا على فعل القراءة والكتابة، ولذلك حرصت على أن يكون أسلوب كتابتي بسيطا ومناسبا لشريحة واسعة من القراء، إضافة إلى محاولة تسليط الضوء وفتح عقل القارئ المغربي على فضاء طالما اعتبرته امتدادا حقيقيا للمغرب وعلى مر التاريخ، وكذلك رفع نوع من الدهشة أو التوجس السياحي من هذه المنطقة.
هل يمكن تصنيف عملكم هذا ضمن “أدب الرحلة”؟
لم أجزم قط في كون هذا العمل ينتمي إلى أدب الرحلة وأوردت ذلك في مقدمة الكتاب، بل اعتبرته مجرد ملاحظات كما ورد في العنوان، وليس ذلك تهربا من الالتزام بما يُلزم كاتب أدب الرحلة ولا تواضعا، ولكن لأنني حقا لم أجد لعملي هذا تصنيفا محددا.
فأحيانا أكتب بعين المسافر الذي يحكي وفقط، وأحيانا أخرى تجد البعد الإثنوغرافي في فعل الكتابة حاضرا وبقوة، كما قد تجد فقرات أمارس فيها نوعا من التحليل السياسي. وفي تقديري، هذا التنوع في مستويات الكتابة، يرفع عن المؤلف حرج التصنيف ويجر له عشاقا من كل المشارب والأذواق الأدبية، كما يزيل عن القارئ ملل الكتابة الممنهجة والمصنفة.
ألا ترى أن حضور العمق الإفريقي في الكتابات الأدبية المغربية يكاد يكون محدودا مقابل حضور قوي للبعد العربي؟
صحيح؛ فقد كان للفضاء المشرقي، وبدرجة أقل المغاربي، حضور أقوى من البعد الإفريقي في الكتابات الأدبية بالمغرب، رغم أن ما يربطنا بفضائنا الإفريقي أعمق مما يمكن أن نتصور لكن فقط تم تغييبه على مستوى الأعمال الأدبية. لكن يبدو لي أن المغرب على المستوى الرسمي، ولربما تدريجيا حتى على مستويات أخرى، بدأ يتدارك هذا الأمر والعودة إلى مجاله الإفريقي الذي هو منه وإليه.
وبالتالي، فالكتابات الأدبية مطالبة بأن تساير هذه العودة وتلعب دورا استشرافيا في هذا الصدد، إذ إن قارتنا تزخر بعدد من المؤهلات التي يمكن أن تشكل موضوعا للكتابة، أضف إلى ذلك اختلاف الثقافات ما بين غرب إفريقيا وشرقها وما بين شمالها وجنوبها، وهو ما يفتح الكتابة الإبداعية على إمكانيات متعددة.
هل أفهم من كلامكم أن هذا الكتاب يستمد عنصر قوته من السياق الذي ظهر فيه المتمثل في محاولات إعادة ربط المغرب بعمقه الإفريقي؟
يمكن القول إن السياق فعلا يخدم هذا العمل والعكس صحيح، هذا وإن كانت اهتماماتي بالثقافة الإفريقية وبداية تحرير بعض أفكار هذا الكتاب سابقة لمجموعة من الأحداث التي تندرج في هذا السياق المقصود. لكن يبدو لي أنه من الصعب الحديث عن قوة هذا العمل قبل أن يقيمه القراء، وأفترض أن عنصر قوة المؤلف يتمثل، وفق ما أورده الأستاذ منتصر حمادة في مقدمته، في مؤشر الصدق، لأنني حاولت أن أنقل ما عاينته بكل مصداقية وموضوعية. وبالتالي، فالأمر متروك للقارئ بالدرجة الأولى، لأنني على علم أنه يوجد من يرى في هذا الفضاء أو شكل العمل نقيض ما قدمته أو ما قد لم أنتبه له أو لم يسترع اهتمامي.
سؤال أخير، إن كنتم لا تصنفون عملكم هذا ضمن أدب الرحلة رغم وجود بعض التقاطعات على مستوى المضمون، هل بدأ أدب الرحلة يفقد زخمه وحضوره على المستوى المحلي والعالمي لصالح فيلم الرحلة أو الرحلة الافتراضية؟
فقدان أدب الرحلة على وجه الخصوص والكتاب عموما لبريقهما على حساب مكونات أخرى، أصبح حقيقة مثبتة بالأرقام؛ فاليوم أصبحنا نعيش في عالم تطغى عليه المشاهدات بدل النسخ، والإعجاب الافتراضي بدل المقال النقدي. وقد أشرت إلى ذلك في الكتاب، بمعنى أن هذا العمل الأدبي يطرح نفسه للقراء مستحضرا كل هذه الإكراهات، التي بوجودها كنت صارما في عدد من صفحات الكتاب وأسلوبه، لعله يجد له مكانا ولو صغيرا وسط وحش التكنولوجيا الذي بدأ يكتسح عالمنا.
أخيرا أقول إن هذا العمل هو دعوة لكل مغربي للسفر جنوبا لاستكشاف ما يزخر به محيطه الإفريقي، وقد يكون، ومن يدري، محفزا لعدد من الرحالة الذين يوثقون رحلاتهم الإفريقية عبر تقنية الفيديو، للخروج بكتيبات مشابهة وبخلفيات علمية وفكرية مختلفة.