التغير المناخي: ما هو “الرماد السحري” وهل يمكنه إنقاذ كوكبنا؟
- جونا فيشر
- مراسل بي بي سي للشؤون البيئية
في مقلع للحجارة محاط بضجيج الآلات الثقيلة، انحنى جيم مان باتجاه الأرض لالتقاط حفنة من بقايا الصخور السوداء الصغيرة.
وقال مبتسما واصفا الحفنة الصغيرة التي يمسكها بيده ويفركها بلطف بين أصابعه: “هذا هو رمادي السحري”.
إنه يمسك بقطع من البازلت، تلك الصخور البركانية الصلبة التي لا تُعد نادرة ولا مميزة بحال من الأحوال.
لكن هذه البقايا البركانية يمكنها من خلال عملية تُعرف باسم “التجوية المُحسنة للصخور” (هي العملية التي تؤدي إلى فقدان الترابط بين الجزيئات المكونة للصخر والتي تسهم فيها عادة المتغيرات الجوية المختلفة مثل الأكسجين وثاني أكسيد الكربون وبخار الماء)، أن تساعد في تبريد كوكبنا الذي يعاني من ارتفاع مستمر في درجات حرارته، أو ما يعرف بالاحترار.
وقد بات واضحا لعلماء الأمم المتحدة أن الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وحده لن يكون كافيا لوقف المستويات الخطيرة للاحترار. ويقولون إنه ستكون هناك حاجة لإزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، بفاعلية أكبر ووتيرة أسرع.
زراعة الأشجار هي الطريقة الطبيعية الأكثر شيوعا وأمانا لتحقيق ذلك لكنها محدودة، إذ إن ثاني أكسيد الكربون الذي تجمعه الأشجار يعود لينطلق في الجو مجددا عندما يتعفن الخشب أو يحترق، إضافة إلى محدودية الرقع التي يمكن أن تُزرع فيها الأشجار.
لكن تقنية ما يعرف بالالتقاط المباشر من الهواء Direct Air Capture، تقوم على امتصاص ثاني أكسيد الكربون ميكانيكيا من الغلاف الجوي وتخزينه تحت الأرض بشكل دائم – ولكن السؤال الملح هنا: هل من المنطقي الاعتماد على هذه العملية المُستهلكة للطاقة بشكل كثيف في وقت نسعى فيه جاهدين إلى فطم أنفسنا عن الوقود الأحفوري؟
الأمر مختلف بالنسبة لعملية “تجوية الصخور”، فهي تندرج في منطقة ما بين ما هو طبيعي وما هو اصطناعي. إنها تعتمد على عملية التجوية التي تحدث بشكل طبيعي -لكن بشكل تدريجي بطيء- وتعمل على تسريعها لإزالة الكربون بشكل أسرع.
لقد جئت إلى المقلع قادما من مدينة إدنبره في اسكتلندا لرؤية جيم، الذي قامت شركته UNDO التي تعمل على مشروع “التجوية المحسنة للصخور” بتأمين استثمارات جديدة بقيمة 12 مليون جنيه إسترليني، وما زالت تتطلع إلى توسيع نطاق عملياتها.
وقد بدت التلال السوداء من حولنا تتآكل بشكل مطرد، ويتم جرفها بواسطة حفارات ضخمة لصنع الخرسانة والأسفلت للطرق. لكن الأجواء أشبه بكارثة ناجمة عن ضربة نووية، وليس هناك ما يشي بأنها عمليات ساعية لإنقاذ الكوكب.
لكن القطع الصغيرة من صخور البازلت المتبقية من تلك العملية تقدرها شركة UNDo تقديرا كبيرا. فذلك الرماد أو تلك البقايا الصخرية الصغيرة لديها ميزة خاصة – إنها تزيل ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي.
منذ آلاف السنين، تسهم الصخور والجروف البركانية في إزالة الكربون ببطء أثناء التجوية الطبيعية التي تنجم عن تساقط الأمطار على تلك الصخور. وحاليا تستخدم التجوية الصخرية المُحسنة قطعا صغيرة من تلك الصخور لزيادة مساحة التماس بين المطر والصخور وبالتالي، زيادة حجم التجوية وإزالة الكربون بشكل أكثر سرعة وفاعلية.
عندما توجد تلك الصخور في شكل أكوام أو جروف فإن عملية التجوية تحدث ببطء شديد. لذلك ولضمان إزالة أكبر للكربون يجب أن تنتشر تلك الصخور عبر مساحة أكبر.
هذا المكان هو المقصد الذي يأتي إليه المزارعون المحليون ليسهموا في تحسين الكوكب، بينما يحصلون على الأسمدة المجانية في المقابل. وقد أظهرت التجارب أن البازلت، إلى جانب أهميته في عزل الكربون، يسهم في تحسين كمية المحاصيل ونوعية المراعي.
على بعد نصف ساعة بالسيارة من المحجر، شاهدت ذلك الرماد البازلتي متناثرا في أحد الحقول.
لا يتطلب استخدامه أي معدات متخصصة، إذ يتم تحميل مقطورة بـ 20 طنا من البازلت، بعدها يُستخدم جرار لنشرها على كامل المساحة باستخدام عجلة دوارة في الخلف، هي التي تنثر تلك الحجارة الصغيرة.
قال لي جون لوغان، وقد علت وجهه ابتسامة خافتة، بينما كان يتم نشر البازلت في حقله: “إنه مجاني وهو أمر مهم جدا للمزارع”. لقد سبق له وأن شهد تجارب أخرى لشركة UNDO في مزرعة مجاورة.
“يبدو أنها ستجعل العشب أفضل، وهو أمر مهم للماشية لأنها بالتالي سترعى على عشب أفضل”.
ويشعر بعض الخبراء بالقلق حيال مثل هذه التقنيات لإزالة الكربون، لجهة أنها قد تصرف انتباه الناس عن الأولوية الأكثر إلحاحا والمتمثلة في خفض الانبعاثات، أو حتى استخدام تلك التقنيات كذريعة لمواصلة الحياة بصورتها الحالية التي تتسم بانبعاث كثيف للكربون.
قال لي جيم بينما كنا نشاهد الجرار يتحرك في تلك المساحة الواسعة مسترشدا بنظام تحديد المواقع العالمي (GPS): “يجب أن يأتي تخفيض انبعاث ثاني أكسيد الكربون في المقام الأول”، وأضاف “ولكننا نحتاج أيضا إلى تطوير هذه التقنيات التي يمكنها القيام بإزالة الكربون على نطاق واسع.. إن الأمر الإيجابي في عملية التجوية المُحسنة للصخور هي أنها حل دائم”.
يقول علماء شركة UNDO إن هناك حاجة إلى أربعة أطنان من صخور البازلت لالتقاط طن واحد من ثاني أكسيد الكربون.
وبما أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لدى البريطانيين تقدر بنحو 7 أطنان سنويا، فهذا يعني أن كل واحد منا يحتاج إلى حوالي ثلاثين طنا من البازلت، أو حمولة نصف مقطورة يتم نثرها سنويا، لتحقيق تلك المعادلة.
ولدى شركة UNDO خطط لتوسيع نطاق عملها بسرعة خلال السنوات القليلة المقبلة، وقد اجتذبت بعض المؤيدين الجادين. فقد وافقت شركة مايكروسوفت العملاقة للبرمجيات على دفع تكاليف 25 ألف طن من البازلت ليتم نثرها في حقول المملكة المتحدة. وكجزء من الصفقة، ستساعد مايكروسوفت أيضا في مراقبة وتدقيق المشروع والتحقق من أنه يعمل على النحو المنشود.
قال لي الدكتور ستيف سميث، الخبير في إزالة الكربون من جامعة أكسفورد: “الكيمياء الأساسية لتلك العملية تبدو منطقية”.
كما أضاف: “إن قياس كمية ثاني أكسيد الكربون التي سيتم التخلص منها، وأين يذهب ذلك في النهاية، هو أحد التحديات الرئيسية، ولا يوجد نظام قياسي في الوقت الحالي”.
ويعتقد الدكتور سميث أن الفكرة قد تصبح في نهاية المطاف عملية قياسية معتمدة في طريقة زراعة الأرض.
يقول: “إنه شيء يمكن أن ينطوي على الطريقة التي نستخدم بها الأرض في الوقت الحالي، وبذلك نقدم فائدة إزالة الكربون جنبا إلى جنب مع الفوائد الأخرى من حيث الطريقة التي نستخدم بها الأرض لإنتاج الأغذية والمحاصيل”.
لا يزال هناك العديد من الأسئلة حول مدى قابلية التوسع، إذ تستخدم شركة UNDO منتجا ثانويا من المحجر المحلي – ولكن إذا تم توسيع العمليات فإن الطاقة والانبعاثات الناجمة عن طحن البازلت ثم نقله ونشره، هي أمور يتعين أخذها بعين الاعتبار.
لكن جيم مان قال لي: “في هذه المرحلة لا يوجد جانب سلبي للأمر، على العكس، إنه يعود بالفائدة على جميع المعنيين”.
تخطط شركة UNDO هذا العام لنشر 185 ألف طن من البازلت، وتأمل بحلول عام 2025 في إزالة مليون طن من ثاني أكسيد الكربون. وعلى الرغم من إيجابية تلك الخطط، إلا أن حجم الانبعاثات ما زال يفوق بكثير قدرتها على احتوائه، إذ تشير التقديرات في عام 2022، إلى أن العالم أطلق حوالي 37 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.