آخر خبر

قمة جدة.. وربط الأحزمة | صحيفة مكة


مع اختتام أعمال القمة العربية في جدة، أصبحت المنطقة على موعد مع رحلة جديدة بآمال كبيرة نحو الاستقرار وتخطي عثرات الماضي الأليمة، لكن هذه الرحلة تستدعي ربط الأحزمة والحذر، فالمطبات الهوائية ما زالت مستمرة في سماء العرب، وأدخنة النار تتصاعد من أراض يهزها العنف وتحتضن آلاف الألغام، ومستوى التنسيق بين أجواء الدول يحتاج إلى مزيد من التعاون والعزيمة الصادقة لعبور الرحلة بنجاح إلى مقاصدها النبيلة.

إن نجاح القمة بإعلان جدة، وما تضمنته كلمة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان من تأكيدات موجهة لدول العالم أجمع، على المضي قدما نحو السلام والتعاون والبناء بما يحقق مصالح الشعوب العربية وأمنها، وعدم السماح بتحويل المنطقة إلى ميادين صراع، يعكس بما لا يدع مجالا للشك التأثير السعودي، الذي يعد بقعة ضوء، جاءت بعد سنوات من العتمة، التي خيم ظلامها على هذا الجزء الهام من العالم لأكثر من عقود.

كما أن حديث سمو ولي العهد السعودي عن أن امتلاك الوطن العربي لمقومات حضارية وثقافية، وموارد بشرية وطبيعية، يؤهله لتبوء مكانة متقدمة، وتحقيق نهضة شاملة، يؤكد على أن الرياض مازالت تنظر لمقومات الأمة العربية برؤية عميقة ومسؤولة، جعلتها سابقا تعزم العقد على جمع الأطراف العربية مع الولايات المتحدة الأمريكية في قمة كبرى، ومثلها مع العملاق الاقتصادي الصيني، من أجل إقناع العرب بالتحول إلى نموذج عصري، يكفل حياة كريمة للإنسان، الذي سيرث يوما ما، إما ذكرى محفوفة بالتفاؤل، والنظر إلى آفاق أرحب، أو أن يجد نفسه أسيرا لتاريخ أسود، كتبت صفحاته بالرماد.

بذلك، يتضح أن المملكة العربية السعودية تدرك جيدا أهمية التحرك الفعال، ليس كوسيط دبلوماسي فقط، بل لإقناع الجميع في الدخول إلى عجلة التنمية، فالدروس المستفادة من الماضي تؤكد أن مجاورة الدول التي تعاني الأزمات والدول النامية أو متدنية النمو لها انعكاسات سلبية بشكل أو بآخر، في حين أن التنمية العامة للمنطقة بحاجة إلى متطلبات، أولها لم الشمل، واجتماع الجميع على وجهة مشتركة وأهداف محددة، عنوانها العريض تنمية المنطقة بأسرها وليس دول بعينها.

ومنذ توحيدها يعرف عن المملكة العربية السعودية أنها تتخذ من الحكمة منهجا لها، ولا تسعى للتدخل في شؤون الدول الأخرى بحثا عن مصالح بعينها أو منافع دولية، وهذا ما يمنح مشروعها الكبير أرضية كبرى للانطلاق كنموذج يحتذى به، والذي بات ملهما لدول المنطقة بأسرها، حتى أن الشعوب أصبحت تتطلع لمثل هذا المشروع التنموي والحضاري، فضلا عن أن الرأي العام العربي، بات ينظر للمملكة بعين المحفز والدافع القوي للسير وفق سياستها، التي قضت على الفساد إلى حد كبير، واعتمدت الشفافية في ذلك، في حين أن كثيرا من الدول العربية ما زالت تعاني من الفساد.

إن النهج السياسي السعودي الحديث، أصبح عاملا ملهما، ليس لشيء إلا لأنه يعتمد على الإنسان، ويعمل من أجل الإنسان، هذا بالإضافة إلى أن سياسة الإنجاز والانفتاح جذبت الأنظار، وذلك ترجم بتسوية الخلاف مع إيران، ومن ثم إعادة فتح بعثاتها في سوريا، وتبنيها فكرة جلوس السودانيين على طاولة واحدة في جدة، لإيجاد حل ينقذ السودان من غرقه في وحل الصراع.

إن إعلان جدة يعكس تفاؤلا كبيرا في تجاوز أزمات المنطقة التي ما زالت تعاني من تداعيات سنوات العنف والدمار، التي كسرت القلوب، وأدمت الأنفس، وهدمت البيوت، ونشرت الخوف، حتى لم تعد شعوبها قادرة على تحمل المزيد، وهو ما يفرض على الدول المضي قدما نحو مزيد من التعاون والتكاتف والتنسيق وتجاوز الخلافات الداخلية وتعزيز سيادة الدول واستقرارها حتى تنطلق المنطقة بأكملها نحو التنمية وتعزيز الأمن.

[email protected]



مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى