الهشاشة الاجتماعية والتنموية تحول مدينة طاطا إلى “قرية كبيرة منسية”
تقع مدينة طاطا بالجنوب الشرقي للمغرب، وهي تابعة إداريا لإقليم طاطا (جهة سوس ماسة)، وتشتهر بواحات النخيل، كما أنها تزخر بمؤهلات تاريخية وطبيعية وسياحية وفلاحية مهمة، لكنها تعاني التهميش التنموي المفروض عليها من قبل الجهات الإدارية والمنتخبة، لأسباب لم يفهمها المواطن المحلي الذي يعيش واقعا مزريا.
جريدة هسبريس الإلكترونية قامت بزيارة إلى مدينة طاطا، والتقت بعدد من سكان هذه المدينة الشاحبة تنمويا، الذين أكدوا في تصريحات متطابقة أن طاطا هي قصة أخرى لفشل المقاربات التنموية التي تساوي السهول بالجبال، مبرزين أنهم يتجرعون مرارة الحياة بسبب التهميش والإقصاء التنموي في جميع المجالات.
حميد بن الشيخ، من ساكنة مدينة طاطا، شدد على أن هذه المدينة لم تنل حقها من التنمية بعد، مشيرا إلى أن السكان يعيشون تحت وطأة التهميش ويكابدون مظاهر البؤس والحرمان نتيجة غياب أدنى متطلبات الحياة، داعيا الجهات المسؤولة، المعينة والمنتخبة، إلى التحرك من أجل رفع الحيف والتهميش والإقصاء عنها.
وقال بن الشيخ، في تصريح لهسبريس، إن “مدينة طاطا الهادئة تعيش منذ عقود من الزمن جملة من المشاكل والنقائص التي تعكر صفو حياة الساكنة المحلية في ظل غياب أدنى شروط الحياة الكريمة”، حسب تعبيره.
تنمية مفقودة
الوضع المزري الذي يعيشه سكان مدينة طاطا فاقمه التجاهل الكبير من لدن القائمين على تدبير شؤونها، فضلا عن التزام الصمت والاكتفاء بدور المتفرج من قبل عمالة إقليم طاطا، وفقا لتصريحات السكان الذين التقت بهم جريدة هسبريس الإلكترونية في الزيارة الأخيرة التي قامت بها إلى هذه المدينة.
عبد القادر أغريب، فاعل جمعوي من مدينة طاطا، أكد أن “ساكنة هذه المدينة تعيش بين أوجاع الحرمان والألم والعوز، ويبدو أن دوامة الحياة تسحبها إلى مكان مجهول بعيدا عن حسابات مراكز القرار وطنيا وجهويا وإقليميا ومحليا، لتقف عاجزة كل العجز أمام صخرة الفقر التي لا تنكسر”.
بمجرد أن تطأ قدماك مدينة طاطا، تستطيع قراءة أول فصول المعاناة وحالة اليأس والإحباط التي تعيشها الساكنة بسبب الظروف الاجتماعية القاسية والمزرية التي مست جميع جوانب الحياة اليومية؛ حياة البؤس والشقاء التي يكابد معاناتها المواطنون سواء الساكنة أو الزوار.
وقال عبد القادر أغريب، في تصريح لهسبريس، بلهجة متحسرة ومتذمرة وساخطة على الوضع المعيشي الذي يتخبط فيه سكان مدينة طاطا منذ عقود، إن “المسؤولين المحليين غير مهتمين بمشاكل السكان القاطنين بهذه المدينة الذين يعيشون حرمانا حقيقيا من أبسط ضروريات العيش الكريم”.
من جهتها، قالت فاطمة الزهراء، من ساكنة مدينة طاطا، إن “التنمية بهذه المدينة مفقودة بشكل كبير، والمدينة في حاجة إلى التفاتة مركزية لتحريك المياه الراكدة”، ملتمسة من القطاعات الوزارية تخصيص اعتمادات مالية لتنمية المدينة في جميع المجالات.
مدينة بوجه قرية
سكان مدينة طاطا وزوارها يؤكدون أن المدينة لم تصل بعد إلى مستوى تسميتها مدينة، لكونها ما تزال تحافظ على وجه قرية نائية طالها النسيان والتهميش، مشددين على أن طاطا تحتاج إلى عقود من الزمن ومسؤولين منتخبين وإداريين قادرين على انتشالها من قوقعة التهميش الحالي.
وتصف الفعاليات الجمعوية مدينة طاطا بـ”القرية الصغيرة المقهورة والمهمشة”، مؤكدة أنها لم تنل نصيبها من التنمية على غرار باقي مدن وأقاليم الجنوب الشرقي للمغرب، وأن السلطات الإدارية والمنتخبة غير قادرة على تغيير وجه المدينة.
سعيد العريبي، فاعل جمعوي مهتم بالشأن المحلي لمدينة طاطا، صرح بأن هذه المدينة “ما تزال بوجه قرية، ولم تصل بعد إلى مستوى يرقى لتسميتها مدينة”، موردا أن “جل أزقتها وشوارعها، باستثناء الشارع الرئيسي، لم تشملها التهيئة، وغياب ملاعب القرب والمنتزهات يجعل منها قرية مهجورة”، وفق تعبيره.
وأكد المتحدث ذاته أن إقليم طاطا، الذي أحدث منذ السبعينات من القرن الماضي، “لم يبرح مكانه تنمويا واجتماعيا واقتصاديا، فالحركة التنموية توقفت بشكل خطير منذ انتقال أحد عمال الإقليم منذ أكثر من 8 سنوات”، داعيا “الجميع” إلى التحرك لرد الاعتبار لهذه المدينة، مشيرا إلى أن “الفعاليات الجمعوية تستعد لخوض انتفاضة شعبية ضد التهميش والإقصاء”.
زيارة ملكية
وتطالب فعاليات مدنية وجمعوية وحقوقية من مدينة طاطا بزيارة للملك محمد السادس إلى هذه المدينة التي وصفتها بـ”المهمشة اجتماعيا واقتصاديا، المغضوب عليها مقارنة بنظيراتها في الجنوب الشرقي للمغرب”، مؤكدة أن “زيارة ملكية وحدها قادرة على تحريك المياه الراكدة”.
وقال أحمد واكريم، فاعل حقوقي بمدينة طاطا: “هناك تنسيق جمعوي وحقوقي على مستوى مدينة طاطا، والإقليم بصفة عامة، لتوجيه عريضة استغاثة إلى ملك البلاد لزيارة المدينة من أجل الوقوف على حجم معاناة الساكنة مع غياب أدنى شروط العيش الكريم”.
بدوره، كشف محمد بلعجل، فاعل جمعوي آخر من المدينة ذاتها، أن “فكرة توجيه عريضة استغاثة إلى الملك محمد السادس جاءت بعد أن استنفد أهل طاطا كل الوسائل المتاحة للمطالبة برفع العقاب الجماعي الذي عرفته المدينة منذ عقود، والذي جاء ضدا على الرغبة الملكية في جعل طاطا تلحق بركب المدن التي عرفت تحولات جذرية منذ توليه العرش”، وفق تعبيره.
وأضاف الجمعوي ذاته، في تصريح لهسبريس، أن “سكان مدينة طاطا كلهم أمل في زيارة ملكية من أجل إحداث ثورة تنموية، وفتح باب المحاسبة لكل من ساهم من قريب أو بعيد في جعل هذه المدينة تحت وطأة الخراب والدمار طيلة سنوات”.
من جهته، قال مصدر مسؤول بأغلبية مجلس جماعة مدينة طاطا: “هناك برامج تنموية ستعرفها المدينة خلال الأسابيع المقبلة، والمجلس الجماعي، بتنسيق مع السلطة الإقليمية، سطر مجموعة من البرامج ذات الأولوية التنموية، سيتم تنزيلها في القريب العاجل”.
وأكد المسؤول ذاته، في تصريح لهسبريس، أن “مدينة طاطا ستعرف تطورا في السنوات المقبلة”، موجها انتقادات للمجالس السابقة التي قال إنها “لم تكن في مستوى تطلعات المواطنين”، داعيا الساكنة إلى “تقديم اقتراحات وأفكار مشاريع للمجلس الجماعي الجديد قصد تنزيل مشاريع مهمة وفق مقاربة تشاركية”، على حد تعبيره.
وختم المسؤول ذاته حديثه لهسبريس بالقول: “نعم سأعترف لكم بأن هناك تأخرا في البرامج التنموية بالمدينة، والإقليم بصفة عامة، لكن الإمكانيات المالية للجماعة الترابية لمدينة طاطا، وللإقليم عموما، تقف حجرة عثرة أمام رغبة المجالس في إحداث أي تغيير سريع في البرامج والخطط العملية”، وفق تعبيره.