“من تطوان إلى القاهرة”.. تحقيق “وثيقة نادرة” تملأ “فراغات” في تاريخ المغرب
تحقيق لـ”وثيقة نادرة تقدم عن فترة مهمة من تاريخ العلاقات الخارجية للمغرب خلال عهد الحماية خاصة، وتاريخ تأسيس مؤسسات الجامعة العربية عامة”، يحضر في كتاب جديد يضم رحلة محمد بن عبد السلام بن عبود إلى القاهرة بين سنتي 1945 و 1946، صدر عن دار الإحياء للنشر والتوزيع.
تحقيق مصطفى الغاشي ومصطفى العيدي، المعنون بـ”من تطوان إلى القاهرة”، وفق مقدمته، “صورة توثيقية مفيدة لمرحلة مهمة من تاريخ شمال المغرب المعاصر”؛ فهذا النص الرحلي “له قيمة تاريخية وثقافية كبيرة، إذ كتب في لحظة حاسمة من تاريخ المغرب المعاصر هي زمن الحماية الإسبانية / الفرنسية، كما أنها تزامنت مع نهاية الحرب العالمية، وما خلفته من انعكاسات على العلاقات الدولية المختلفة، وحركات التحرر في العالم”.
وتابع المنشور الجديد: “هذه رحلة فريدة من نوعها، لها أهمية تاريخية ومعرفية كبرى، لارتباطها بتاريخ المغرب المعاصر، والتاريخ العربي الممثل في الجامعة العربية (…) قام بها الوفد الخليفي الذي أرسله الخليفة السلطاني شمال المغرب والصحراء المغربية مولاي الحسن بن المهدي إلى القاهرة للمشاركة في أشغال اللجنة الثقافية للجامعة العربية سنة 1946، عقب الاتصالات التي تمت بينه وبين عبد الرحمن عزام، الأمين العام للجامعة من جهة، وبين هذا الأخير والوزير الإسباني المفوض بالقاهرة من جهة أخرى، وقصد تمثيل المغرب في أعمال هذه اللجنة المنبثقة عن الجامعة العربية”.
ويتيح هذا العمل المحقٌّق “الوقوف على معطيات تاريخية مهمة حول الفترة، وما يتعلق بالرحلة إلى القاهرة، قد لا نجدها في المصادر التاريخية، فهي تتميز بوصفها الدقيق لمسار الطريق الذي سلكه الوفد المغربي المتجه إلى القاهرة انطلاقا من مدينة تطوان ثم سبتة ومدريد فبرشلونة، ثم عبر الباخرة إلى نابولي فالقاهرة؛ كما حرص على تدوين كل التفاصيل المرتبطة بأعضاء الوفد المغربي وأنشطته خلال السفر وفي اجتماعات اللجنة الثقافية التابعة للجامعة العربية”.
وتشمل هذه الرحلة معلومات متنوعة حول “قضايا مختلفة، تاريخية، وسياسية، وسوسيو اقتصادية، وثقافية، خاصة المرتبطة بالقضايا التي عالجتها اللجنة الثقافية التابعة للجامعة العربية”، وبالتالي فهذا النص الرحلي “يعتبر شهادة حية لشخص فاعل ومشارك في الحدث”.
ومن أوجه تميز العمل، حسب المصدر ذاته، “تعدد مشاهدات كاتبه محمد بن عبود بإسبانيا وإيطاليا ومصر”، وتقديمه “صورة تتميز بالإعجاب بإسبانيا الدولية الحامية لشمال المغرب، ومصر الدولة العربية المحتضنة لأنشطة الحركات الوطنية، وصورة التأسف والحسرة لوضعية إيطاليا بعد الحرب”، كما جاءت لغته “بعيدة عن القدح والتهجم تجاه الآخر؛ فهو يبدو منفتحاً في موقفه من الآخر، سواء كان مسلما أو نصرانيا أو يهوديا، ومحتاطاً من سوء التصرف والإذاية تجاهه، ومتسامحاً ومؤمنا بالحوار معه”.
وقد تمت رحلة “من تطوان إلى القاهرة” بين سنتي 1945-1946، في “سياق دولي وإقليمي ومحلي شديد التعقيد”، إذ على المستوى الدولي “كان العالم مازال يرتب أوراقه ويعدد خسائره في حرب طاحنة دامت ست سنوات ما بين دول المحور والحلفاء، وأفرزت بروز قوتين عظميين تهيمنان على العالم وتختلفان إيديولوجيا (الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي)، وفي الوقت نفسه بدأت القوى التقليدية في التراجع وأفول نجمها (فرنسا، إنجلترا)”.
وإقليميا جاءت الرحلة في وقت “بدأت عدد من الدول العربية تحصل على استقلالها وتريد بناء دولها الوطنية، وكذا البحث عن مكانة وريادة إقليمية. في هذه الظرفية تم الإعلان عن تأسيس منظمة الجامعة العربية في مارس 1945، التي شرعت في بناء مؤسساتها وأجهزتها، ومن بينها اللجنة الثقافية التي شارك المؤلف في أشغالها الأولى”.
ومحليا تمت الرحلة “في فترة حرجة من تاريخ المغرب المعاصر، هي فترة الحماية وخضوعه للهيمنة الأجنبية، وتقسيمه إلى عدة مناطق نفوذ؛ خضع فيها القسم الشمالي والصحراء المغربية لإسبانيا، التي عانت من عزلة دولية مرتبطة بموقفها من الحرب العالمية ونظامها السياسي؛ ولأجل ذلك عملت على محاولة فك هذه العزلة بربط علاقات مع الدول العربية من بوابة المغرب، وهو أمر وجدته الحركة الوطنية المغربية فرصة مواتية للانفتاح على الخارج والتعريف بالقضية المغربية”.
وذكّرت مقدمة التحقيق بأن “الخزانات المغربية” العامة والخاصة تزخر بـ”عدد كبير من المخطوطات متنوعة المواضيع، كالتاريخ السياسي والعسكري، التصوف، تراجم الأعلام، الفقه والتفسير، والرحلات بمختلف أنواعها، التي مازال عدد منها مخطوطا ينتظر أن يهتم به الباحثون، تحقيقا وتخريجا ودراسة”، قبل أن تؤكّد أن مقصد الاهتمام بهذه الرحلة بالذات “تعزيز خزانة الرحلة المغربية بنص جديد، وإضافات جديدة، ذات قيمة تاريخية كبرى تملأ الكثير من الفراغات”.