أخبار العالم

اليأس يبعث التمسك بالتحديات .. ثلاثيني يحكي قصة الصراع مع عدة سرطانات


“حالة سرطانية نادرة قد تكون بسبب طفرة جينية”، كان هذا الجواب الذي تلقاه عبد الإله، شاب ثلاثيني أمضى أزيد من 20 سنة من عمره في مواجهة عدة أنواع من السرطان، وإلى غاية اليوم يستمر في محاولة العيش، بعدما فكر في الانتحار عن طريق ابتلاع سم الفئران، لكن الأقدار شاءت أن يعود إلى الحياة.

عبد الإله، ابن مدينة مراكش، حكى لهسبريس قصته بكثير من الألم والرغبة في عدم الاستسلام، فقد ذاق طعم الورم الخبيث منذ سن العاشرة، عندما نزفت من أذنه وأنفه أولى قطرات الدم مرفقة بدرجة حرارة عالية استقرت بجسده ولم تغادره إلا بعد نقله على وجه السرعة إلى المستشفى.

سرطانات في جسد واحد

بداية الشاب في رحلة المرض كانت مع سرطان الدم، إذ أمضى حوالي سنة بمستشفى عشرين غشت لتلقي العلاج من أجل التخلص منه، مع ما واكب ذلك من معاناة نفسية ومادية، وهو المنحدر من أسرة فقيرة.

بعد سنة من العلاج عاد إلى طبيعته وإلى حياته كطفل وكتلميذ يتابع دراسته، قبل أن تعاود أعراض السرطان الكرة، وتتسبب في علته بشكل مضاعف، لأن النزيف في المرة الثانية كان أشد وأخطر، فخضع مرة أخرى لعلاج عبارة عن إبر وأدوية، بالإضافة إلى العلاج الكيميائي.

أمضى عبد الإله أشهر عديدة بين غرف الإنعاش، مع أسابيع قليلة يزور فيها أهله، ويرى والده المتقاعد ووالدته التي تعمل إلى حد الآن كعاملة نظافة لمساعدته وإعالة طفلها الثاني الذي يعاني كذلك من مرض ذهني.

في سنة 2003 أنهى الشاب ذاته العلاج بمستشفى عشرين غشت، وحثه الأطباء على زيارة المستشفى بشكل دوري من أجل المراقبة، وهو ما استمر عليه إلى غاية سنة 2005، إذ ظهرت عليه أعراض على مستوى الحنجرة، عبارة عن انتفاخ غير عادي، ليخضع للمرة الثالثة للعلاج وعملية جراحية بعد اكتشاف أن الأمر يتعلق بورم يمكن استئصاله.

سنة 2007 دخل عبد الإله في أحد الأيام إلى الحمام فاكتشف أن الأمر يتعلق مجددا بنزيف دموي، فحملته أسرته إلى أخصائي في المسالك البولية، وهناك خضع لمجموعة من الفحوصات والتحاليل التي أكدت وجود ورم على مستوى المثانة، فتوجه إلى مستشفى ابن رشد وخضع لعملية واستمر علاجه لأزيد من شهرين.

بين 2007 و2019 عاش حياة شبه هادئة، زار خلالها المستشفيات نادرا، إلى أن زاره المرض مجددا؛ سرطان على مستوى المثانة، فتوجه إلى مستشفى ابن طفيل بمراكش، وباشر مجددا إجراء الفحوصات، وطلب منه الأطباء الاستعداد هذه المرة لعملية جراحية بواسطة المنظار بمستشفى محمد السادس الذي يتوفر على الآليات والتجهيزات التي ستتطلبها العملية.

بعد ذلك تطلب الأمر منه مبالغ تصل إلى 1500 في الأسبوع فقط من أجل اقتناء بعض الإبر لمواصلة العلاج، وهو ما أثقل كاهله لولا مساعدة بعض أصدقائه.

بعد حوالي أسبوع من العملية تعرض لنزيف حاد، انتقل على إثره إلى المستعجلات.. “هادي تكرفصت فيها بزاف وبقيت 24 ساعة فحالة غير طبيعية للنزيف”، يقول عبد الإله، قبل أن يتمكن الأطباء من السيطرة على حالته وإيقاف النزيف، لكن سرعان ما عاد المرض لإقلاق راحته، إذ لاحظ انتفاخا غير طبيعي على مستوى قدمه.

ولم يتقبل الشاب الثلاثيني العلاج المقترح هذه المرة، لأن الأطباء أخبروه بأن الحل يكمن في استئصال قدمه تجنبا لوصول التعفن إلى شرايين القلب، لكنه رفض واتصل بطبيبة من معارفه طمأنته وتواصلت مع زملائها بالمستشفى لدراسة الحلول الممكنة، فتم التوصل إلى علاج عن طريق الإبر وأدوية تساعد على تحفيز الدورة الدموية لعلاج اختناق الأوعية الذي كان يعاني منه.

محاولة الانتحار

“غلبوني مصاريف العلاج، ما بقيتش كنعس، ولقيت راسي ماشي المرض لي غلبني ولكن ما كندير والو فحياتي، وما كنحققش الأحلام لي كانت عندي”، بهذه العبارات بدأ عبد الإله حكاية محاولة الانتحار التي أقدم عليها بعدما راودته من قبل مجرد فكرة، فقد اقتنى دواء وصف له من أجل مساعدته على النوم بعدما شكا عدم تمكنه من ذلك للطبيب، لكنه لم يتوقف عند حبة واحدة، بل ابتلع كل الحبوب في العلبة.

قال الشاب ذاته إنه غادر المنزل مباشرة بعد ابتلاع الدواء، لأنه لم يكن يرغب في أن يكون جثة لا يدري عن هلاكها أحد، موردا: “مشيت للمقهى حيت ما بغيتش نموت بلا ما يجيب لي حتى حد لخبار”… نقل إلى المستشفى لتلقي الإسعافات الأولية، وعاد مجددا إلى الحياة، لكنه أعاد الكرة بابتلاع سم الفئران، ولم يشأ الموت معانقته رغم إصراره على الاستسلام، فقد تم إسعافه وتلقى العلاج بالمستشفى.

قصة عبد الإله تخللتها تفاصيل عديدة نقلنا منها بعض الأحداث، ورغم تخليه عن فكرة الانتحار بمساعدة أخصائي نفسي، إلا أنه يرجو تدخل المسؤولين من أجل مساعدته على تجاوز المرض، فقد اكتشف مرة أخرى مؤخرا أن الداء عاد إلى جسده، واستقر هذه المرة على مستوى القولون؛ كما ينتظر خلال الأيام المقبلة التعرف على نتائج فحوصات قام بها على مستوى الثدي، إذ يشك طبيبه في وجود ورم على هذا المستوى، خاصة بعد تعرضه للعلاج الكيميائي بشكل مكثف.

وبالنظر إلى وضعية عبد الإله الاجتماعية وقصر يد والديه، وحالته الصحية التي تتطلب شروطا للراحة، انتقل الشاب للعيش وحيدا في شقة صغيرة ليستطيع النوم في هدوء؛ ولأنه لم يتمكن من إتمام دراسته بسبب المرض، حاول العمل بمحلات إصلاح الحواسيب والهواتف ليسدد تكاليف كراء المنزل ومعيشه اليومي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى