المخترعون الصغار.. تجارب تكشف اهتمام الأسرة
تحقيق: مها عادل
يضم كل بيت من بيوتنا كنزاً ثميناً من المواهب الصغيرة والطاقات الإبداعية التي يمكن أن تتوارى خلف مفهوم شقاوة الطفولة، ولا يلتفت لها ذووهم، فتذبل مواهب هذه البراعم وتضيع، بينما قد يحالف الحظ بعض الأطفال الصغار في وجود أسرة تحمل رؤية ثاقبة وقدراً من الوعي يمكنهم من رعاية واكتشاف هذه المواهب ووضعها على الطريق الصحيح، لتتحول الموهبة الصغيرة إلى طاقات لا نهائية من الابتكار والإبداع، قد تكون قادرة على تغيير المستقبل وتحسين حياة البشر.
نستكشف تجارب مجموعة من الأطفال المتميزين بمجال الابتكارات والروبوتات الذين شاركوا ضمن مسابقة التحدي التقني الذي نظمته مؤسسة ربع قرن بالشارقة، والتي تحتضن وتنمي هذه المواهب وتعدها لمواجهة تحديات المستقبل بكفاءة وقدرة على المنافسة عالمياً.
تحدثنا المبتكرة عهد سعيد اليليلي (13 عاماً) عن فكرة اختراعها المستوحى من معاناة يومية بحياتها وحياة زملائها، وتطرح حلاً لهذه المشاكل وتقول: «شاركت مع صديقتي (وريفة)، في اختراع يسهم في تخفيف معاناة بعض الطلاب وكبار السن وفئات المجتمع المختلفة الذين يعانون آلام الظهر».
وتتابع: «فكرة المشروع عبارة عن اختراع روبوت على شكل سيارة صغيرة تتحرك بالريموت كونترول، وتحمل الحقيبة المدرسية التي أثقلت ظهورنا، وتتبع السيارة الروبوت الطالب أينما ذهب، ويتم توصيلها بساعة رقمية بالبلوتوث، وتستطيع اتباع المستخدم لأكثر من 100 متر، وتهدف إلى تخفيف آلام الظهر التي يعانيها كثير من الطلاب، بسبب حمل الحقيبة المدرسية التي تثقل كاهلهم، ويبلغ الوزن الذي تستطيع السيارة الروبوت حمله 16 كيلوغراماً، ويمكن زيادة سعة السيارة حسب الحاجة، والفكرة تهدف إلى حل مشكلة نعانيها جميعاً، وتجعل الطلاب يذهبون إلى المدرسة براحة أكبر».
وعن بداية اكتشاف موهبتها تقول: «اكتشفت والدتي موهبتي وشغفي بالاستكشاف والابتكار، منذ أن كان عمري 8 سنوات، عندما لاحظت حرصي على تفكيك الأشياء المختلفة واستكشافها، وعلى سبيل المثال كنت أسارع لتفكيك لمبة الكهرباء إذا تعطلت للتعرف إلى ما بداخلها، وحينها قررت والدتي إلحاقي ببرنامج «صندوق الوطن»؛ حيث تعلمت أساسيات البرمجة بمركز الطفل، وحالياً التحقت بسجايا، حيث تعلمت تنفيذ الروبوتات والبرمجة وتعلمت الكثير من المهارات الذهنية والبدنية مثل السباحة والرياضات المختلفة، وأصبحت مخترعة أهتم بالإبداع وأملك أدوات الابتكار».
«دكتور روبوت»
من أبرز المبتكرين الحاصلين على العديد من الجوائز، رغم صغر سنه، والذي لفت النظر باختراعه المميز «دكتور روبوت»، كان الطالب علي حميد اللوغاني (12 عاماً) الذي يحدثنا بثقة تليق بموهبته فيقول: «بدأت علاقتي بالاختراعات في فترة كوفيد- 19، وفي ظل الأزمة الصحية وتكدس المرضى بالمستشفيات طرأت لي فكرة اختراع «دكتور روبوت»، وهو جهاز يوضع في المنزل، ويستطيع قراءة العلامات الحيوية للمرضى بشكل دائم، وذكي بما يكفي بحيث نستطيع برمجته لمتابعة حالة شخص مريض أو كبير في السن داخل البيت، فيتابعه من مكان إلى مكان وفي اليقظة والمنام، ويركز باستمرار على قياس وقراءة العلامات الحيوية الصادرة منه مثل درجة الحرارة وضغط الدم ودقات القلب ونسبة الأوكسجين في الدم وغيرها، وإذا وجد قراءات تثير القلق يبدأ في تنبيه من حوله أو يمكنه إيصال المعلومات مباشرة إلى الطبيب المعالج، لإبلاغه عن تطورات الحالة، هذا الاختراع قمت بتطويره عدة مرات، وفي كل مرة كنت أقوم بإضافة ميزات إضافية، وهذه هي نسخته الخامسة».
وعن كيفية اكتشاف موهبته يقول: «بدأت ملامح موهبتي في عمر الخامسة، عندما لاحظت أمي أنني أحب فك وإعادة تركيب السيارات التي تعمل بالريموت كونترول، وحينها شعرت أن طفلها الصغير يتمتع بموهبة خاصة، وأدين لها بالفضل في اكتشاف موهبتي مبكراً، وتوجيهي للأماكن المختصة التي أسهمت في رعاية موهبتي وتطويرها، مثل مؤسسة ربع قرن، فلولا هذا الاهتمام من البيت ثم من المؤسسات المعنية، لتغير طريقي في الحياة، وكان يمكن أن أضيع وقتي وطاقاتي في ألعاب البلاي ستيشن مثلاً وغيرها من الأشياء غير المفيدة، ولا تضيف أي تطور إلى شخصي و مهاراتي، و لكني حالياً أحرص على الاجتهاد وتطوير ذاتي؛ لأرفع رأس والديّ، وأكون مصدر فخر لوطني الإمارات».
ويضيف علي: «شاركت في العديد من المسابقات بالدولة وخارجها، وفزت بعدة جوائز على المستوى الفردي والجماعي، بعضها كان عن مشروع «الكرسي الذكي» الذي يساعد ذوي الإعاقة فئة الإعاقة الحركية، ومشروع الدكتور الروبوت، وحالياً أعمل على تنفيذ مشروع جديد يسمى «السلحفاة الذكية» لإنقاذ الأشخاص الغارقين واكتشاف الكنوز تحت الماء».
أفضل تصميم
أما المبتكر محمد عبدالله النقبي (12 عاماً) من مركز ناشئة خورفكان، يقول: «شاركت في مسابقات VEX iq التابعة لمراكز الأطفال، وفزت بجائزة أفضل تصميم لروبوت بهذه المسابقة، كما قمت باختراع الحقيبة المختبرية، وهي عبارة عن مختبر مصغر متنقل، يُسهل للطالب مهمته، وتحتوي على أدوات المختبر التي يمكن استخدامها بالصف أو أي مكان خارج المختبر»، ويضيف: «لاحظ والداي قدرتي على التعلم السريع منذ طفولتي المبكرة، وألحقاني بمراكز الطفل، ولم يكن لدي حينها شغف معين، ولكن اكتشفت موهبتي بتصميم الروبوتات بعد التحاقي؛ حيث تم توجيهي من قبل المختصين بالمركز، وأدين لأسرتي بالفضل لاهتمامهم بتنمية مهاراتي، وأشكر المدربين بالمركز أيضاً على دعمهم».
الصغيرات المبدعات
شرحت لنا الصغيرات المبدعات من «سجايا»، أمل عبدالعزيز وهيام فهد، فكرة مشروعهما «باب متعدد المهام»، وهو عبارة عن اختراع يمنح أصحاب البيوت والمؤسسات هامشاً أكبر من الأمان، بعدم دخول أشخاص غير موغوب بهم؛ حيث يوفر الجهاز إضافة كلمة سر للأبواب يتم تغييرها من حين لآخر.
والتقطت المبتكرة ريم أحمد وشريكتها بالمشروع حمدة سالم (13 عاماً) من «سجايا» فرع كلباء، خيط الحديث، لتطلعنا على فكرة مشروع الروبوت الخاص بهم، وعن فكرته المستوحاة من بيئتهم، حيث زيادة مياه الأمطار والسيول، ونفذتا روبوتاً يتميز بحساسية خاصة لرصد منسوب مياه الأمطار بمحيط المنزل، ويحذر السكان من تراكم المياه خارج البيت في حالة الخطر، ويمكن تطويره ليتم توصيله بخزانات مياه لشفط هذه المياه وتخزينها.
أفضل فريق
كما تحدثت ل«الخليج»، عائشة الجسمي (14 عاماً)، الفائزة بجائزة أفضل فريق بالمسابقة من «سجايا» القرائن، وقالت: «التحاقي بمراكز الطفل بالبداية ثم انتسابي لسجايا فتيات الشارقة غيّر حياتي بالكامل، وساعدني على تطوير مهاراتي، وفتح آفاقاً جديدة أمامي، وسعيدة للغاية بجائزة أفضل فريق التي توّجت جهودنا جميعاً كفريق، وعززت شغفنا بمجال الروبوتات المتحركة، وهذا الفوز يمثل لي الكثير خصوصاً أنها المرة الأولى التي أشارك بها ضمن مسابقات الروبوتات vexv5، ووجدتها تجربة مفيدة للغاية، وساعدتني على إثبات قدراتي كفتاة إماراتية تحمل الكثير من الطموح لمستقبل أفضل لذاتها وبلدها. فرغم أن هناك من يعتقد أن هذه النوعية من الأنشطة والمسابقات لا تناسب الفتيات ومخصصة للشباب فقط، فقد أثبتنا قدرتنا على المنافسة والفوز أيضاً، وذلك بفضل الله تعالى، ودعم سجايا لنا، وبالطبع تشجيع واهتمام الأسرة هو النواة الأساسية في بناء نجاحنا».
وتضيف: «مثل هذه المشاركات والنجاحات، تسهم في تغيير الأفكار القديمة والصورة النمطية عن قدرات الفتيات المحدودة، وأنا ممتنة لدولتنا الحبيبة التي تدعم دور الفتاة بالمجتمع، وتحمي حقوقها بالكامل وتدفعها إلى الأمام».
شيخة النقبي: الأم المكتشف الأول لمواهب أطفالها
تحدثنا شيخة النقبي (37 عاماً)، أم المخترع علي اللوغاني، عن بداية ملاحظتها موهبة طفلها وتقول: «اكتشفت موهبة علي من خلال ملاحظتي شغفه بالعبث في الألعاب وفتحها لمعرفة كيف تعمل، ولاحظت كثرة أسئلته عن كل شيء، وفضوله الزائد للتعرف إلى ملامح الأشياء وتفاصيلها، وحبه لإعادة تدوير المواد المختلفة وتحويلها إلى شيء مفيد ومن هنا بدأت قصة علي».وتتابع: «بحثت عن طرق تساعدني على تنمية مهارة ابني، وبفضل الإمكانات التي تتيحها دولتنا للأطفال، ألحقته بمراكز أطفال الشارقة، ثم انتسب إلى برنامج (أنا مبرمج إماراتي) التابع لصندوق الوطن، كما انضم إلى نادي الإمارات العلمي، وشارك في العديد من الدورات داخل الدولة وخارجها؛ لصقل مهاراته وتنمية قدراته، وكنت فخوره به لكونه صغيراً بالعمر وتفوق في برامج البرمجة، وكان دعم المدربين بالمؤسسة وتوجيههم له عاملاً مهماً في اكتشاف قدراته وتنمية مهاراته وتطور شخصيته، وبدأ حلمي يكبر، وهو أن أثبت للعالم بأن الإمارات لديها أبناء يمتلكون الموهبة ولديهم القدرات للتميز».وتقدم النقبي نصيحة للأهل، فتقول: «الأسرة تلعب دوراً كبيراً في نجاح الأبناء ورعايتهم، خاصة بسن الطفولة، والأم بشكل خاص يقع على عاتقها مسئولية كبيرة، فهي المكتشف الأول لمواهب وصفات طفلها، فالأم تقضي وقتاً أطول مع الأبناء، وهي من تتابع مراحل تطورأطفالها، وتمثل حلقة الدعم الأولى بمشوار طفلها، ثم يأتي دور الأب الذي رغم انشغاله بالعمل، لا بد أن يكون حاضراً في اللحظات المهمة بحياة أبنائه، فوجود طفل ذكي ومخترع بالأسرة مسئولية كبيرة».
محمد المزروعي: أفضل استثمار للجيل القادم
تحدث محمد سعيد المزروعي، عضو فريق مؤسسة ربع قرن للعلوم والتكنولوجيا عن آليات دعم الصغار وتطوير مهاراتهم، قائلاً: نحرص في المؤسسة على تقديم أفضل استثمار للجيل القادم من خلال إثراء الرصيد المعرفي والخبرات أيضاً للأجيال القادمة، فالمعرفة وحدها لا تكفي، بل الخبرات العملية المكتسبة تضيف الكثير لشخصية الطفل وقدراته النفسية والذهنية، وزيادة قدرته على التأقلم مع كل المسارات والتحديات التي يجب اجتيازها، فهذه الاختبارات تكسب المنتسبين ليس فرصة للإبداع والابتكار وإطلاق قدراتهم فقط، ولكن أيضا تساهم في خلق شخصية قادرة على تحمل المسؤولية واتخاذ القرار والقيادة والعمل بروح الفريق.
ويتابع: تعتبر تجارب خوض المسابقات المحلية والعالمية، مهمة للغاية في تحفيز قدرات الأطفال والناشئة والفتيات والشباب على الاستمرار والمنافسة وزيادة الخبرة والاحتكاك، فرسالة ربع قرن هي الاهتمام بالإنسان لمدة ربع قرن من سِن السادسة حتى الواحد والثلاثين.