منوعات

ما بين الحرّة والأمة | صحيفة الخليج



د. عارف الشيخ

ما زال بعضهم حتى الآن يثير تساؤلات حول الإماء والجواري في الإسلام، وكيف فرّق الإسلام بين الحرّة والأمة، وهذا يتنافى مع مبدأ الإنسانية.

أقول: ينبغي أن يُعلم أن زمن الإماء والجواري قد ولىّ اليوم، فلا يصح أن تثار تساؤلات حول شيء غير موجود على أرض الواقع، فالمسألة ذهبت مع الفتوحات الإسلامية.

ثم إن العقلاء والمنصفين من الناس لا يقولون عن الإسلام، إنه لم ينصف المرأة حينما فرّق بين الحرّة والأمة في الإنسانية، وإنما يقول هذا من يبيح أشد من هذا، ويقر أنواعاً من الاسترقاق الذي يحطّ من شأن المرأة عموماً.

الأولى ألا نشغل بالنا بمثل هذه المسائل، لأنه لا طائل وراء البحث إلا ضياع الوقت، وإيجاد بلبلة في الفكر، وإن كان ولا بدّ أن نجيب عن مثل هذه التساؤلات، فلنعترف أولاً أن الإسلام في تشريعاته الحكمة ولن يأتي مثله لا اليوم ولا غداً، قال تعالى: «قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً» الآية 88 من سورة الإسراء.

ثم إن الفقهاء في ذلك الوقت الذي كانت توجد ظاهرة الإماء والجواري، اختلفوا في عورة الأمة بالنسبة للرجل الأجنبي.

السادة الأحناف ذهبوا إلى أن عورة الأمة مثل عورة الحرّة، فما أجازوا لها أن تكشف لمحارمها أكثر مما تكشف الحرة، أي الوجه والرأس واليدين وما شابه ذلك.

والمالكية وفي أحد قولي الشافعية فرّقوا بين الحرة والأمة، فقالوا: إن عورة الأمة ما بين سرتها وركبتها كالرجل بالنسبة للنظر إليها.

وعند الحنابلة أن عورة الأمة كعورة الحرّة، أي لا يجوز للأجنبي أن ينظر منها إلا إلى ما يجوز النظر إليه من الحرّة.

بل حتى ابن تيمية الذي عرف بشدته في مثل هذه المسائل قال في أحد قوليه: إن عورة الأمة كعورة الحرّة، كما أن عورة العبد كعورة الحرّ، لكن لما كانت مظنة المهنة والخدمة، رخص لها في إبداء ما تحتاج إلى إبدائه، وتمييز الحرة عليها؛ وذلك يحصل بكشف ضواحيها من رأسها وأطرافها الأربعة، وأما الظهر والصدر فباقيان على الأصل، انظر: عمدة الفقه لابن تيمية كتاب الصلاة ص 275.

وعلّق ابن عثيمين بالقول إن الأمة كالحرة لأن الطبيعة واحدة والخلقة واحدة، والرق وصف عارض خارج عن حقيقتها وماهيتها ولا دليل على التفريق بينها وبين الحرّة.

وقال ابن تيمية أيضاً: إن الإماء في عهد الرسول وإن كن لا يحتجبن كالحرائر لأن الفتنة بهن أقل، لكنهن يشبهن القواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً، قال تعالى: «..فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة..» الآية 60 من سورة النور.

ثم يقول: أمّا حسان الوجوه فهذا لا يمكن أبداً أن يكنّ كالإماء في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، ويجب أن تستر كل بدنها عن النظر، انظر: الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين ج2 – ص157-158.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى