الجفاف يقلص زراعة “الدلاح” بالجنوب الشرقي.. ومهنيون يؤكدون تأثر الأسعار
مع اقتراب موسم الصيف، يتجدد النقاش بقوة بشأن انتشار ضيعات البطيخ (لاسيما صنفه الأحمر) بأقاليم الجنوب الشرقي للمغرب، ومدى استنزافها الفرشة المائية المنهكة، مسبقا، بتداعيات مواسم جفاف متلاحقة ارتقت إلى مرتبة “الإجهاد المائي” للسنة الثانية على التوالي.
قبل عام ونصف، أواخر عام 2021، دفع النقص الحاد للموارد المائية بإقليم طاطا إلى تصنيف الإقليم “منطقة منكوبة متضررة من الجفاف”، وفق قرار عامِلي حينها تلاه إصدار قرار من طرف السلطات المحلية بـ”ردم الآبار غير المرخصة” التي يستغلها الفلاحون لسقي ضيعات زراعة البطيخ الأحمر (الدلاح).
تفاعلا مع الموضوع، أفاد وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات بأنه “تم اتخاذ وتنفيذ التدابير اللازمة والاستعجالية للتدبير المعقلن للموارد المائية ببعض الأقاليم الأكثر تضررا من قلة المياه”.
وزير الفلاحة محمد صديقي شدد في جواب كتابي تتوفر هسبريس على نسخة منه، تفاعلا مع سؤال برلماني في موضوع “أعراض انتشار ضيعات البطيخ”، على أنه “تم على صعيد إقليم طاطا إصدار قرار عاملي يُمنع بموجبه الاستغلال العشوائي والمفرط للفرشة المائية، عبر منع الزراعات المستنزفة للماء، من بينها البطيخ الأحمر، ما سيساهم في الحد من انتشار ضيعات هذه الزراعة بالإقليم خلال الموسم الفلاحي الحالي”، وتابع بأن “اتخاذ قرار منع زراعة البطيخ يظل رهيناً بالوضعية المائية لكل إقليم على حدة، التي تقوم بتتبُّعها وتقييمها جميع الأطراف المعنية على صعيد الإقليم”.
وذكّر وزير الفلاحة، ضمن جوابه، بأن “الحكومة قد أصدرت قرارا مشتركاً بين وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات والوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية، يقضي باستثناء الزراعات المستنزِفة للماء من الدعم المخصص لمشاريع الري الموضعي؛ على رأسها البطيخ، فضلا عن زراعة الأفوكادو وبساتين الحِمضيات الجديدة”.
كما أكد المسؤول الحكومي أن “وضعية الإجهاد المائي الذي أصبحت تعرفه بلادنا، نتيجة توالي سنوات الجفاف والنقص الحاد في كمية التساقطات المطرية خلال السنوات الأخيرة، تقتضى التحلي باليقظة والمسؤولية اللازمتين في التعامل مع إشكالية تدبير الموارد المائية والقطع مع كل أشكال التبذير والاستغلال العشوائي وغير المسؤول للماء”.
“التقنين في صالح المهنيّين”
“يعد إقليم طاطا من الأقاليم المشمولة، فعلياً، بقرار مؤقت للعامل لضبط تقنين الزراعة نتيجة الإجهاد المائي المتوالي الذي أثر على فرشات المياه وآبار السقي”، يورد مولاي أحمد الرحماني، فاعل مهني في زراعة “الدلاح” بطاطا، وعضو في اللجنة الاستشارية الفلاحية عن الإقليم، مؤكدا “تأييد المهنيين القرار الذي يصب في المصلحة العامة وضمان توازن بين الموارد المائية والزراعات والحفاظ عليهما معاً”.
وأورد الرحماني، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية أن “تقنين زراعة ‘الدلاح’ يظل في صالح المهنيين، رغم أن المساحة المزروعة بإقليم طاطا لوحده تم تقليصها من حوالي 4600 هكتار في الموسم الفلاحي 2021–2022 إلى 3800 هكتار لزراعة البطيخ (بنوعيه الأحمر والأصفر) برسم موسم 2022-23”.
المتحدث ذاته أورد أن “القرار العاملي ليس الغاية منه المنع في حد ذاته، بل جاء بعد سلسلة تشاور مع الفلاحين والمجتمع المدني بالمنطقة، مازالت اجتماعاتها مستمرة في الانعقاد إلى حدود هذا الأسبوع”.
“تقنين الزراعة يؤثر على السعر”
الفاعل المهني ذاته، في إفاداته لهسبريس، أكد أن “‘الدلاح’ كمنتج يخضع –كباقي المنتجات الفلاحية–لقانون العرض والطلب”، لافتا إلى أن “تقليص المساحة المزروعة إثر قرار مؤقت بالتقنين والضبط من الطبيعي أن يؤثر على السعر في السوق لدى المستهلك النهائي”.
وحول واقع هذا الموسم، أوضح الرحماني أن “العرض قليل نوعاً ما مقارنة مع الطلب الذي يظل في مستوياته المعهودة”، لاسيما مع ارتفاع درجات الحرارة في أشهر فصل الصيف.
أما بخصوص “الدلاح” الخاضع لنشاط التصدير إلى أسواق خارج المغرب فأفاد المهني ذاته بأن “غالبية الفلاحين الذين كانوا يستثمرون في إقليم طاطا حوّلوا وجهتهم نحو موريتانيا هذه السنة”.
“الوضعية الحالية الحرجة للمياه بالجنوب الشرقي تستدعي التفكير في المصلحة الفضلى”، يخلص المصرح ذاته، مؤكدا أن قرار العامل تقنين زراعة “الدلاح” بعَث “إشارات إيجابية عن ضبط القطاع ضد واقع التسيب والفوضى الذي بصمه لسنوات”، وختم مطمئناً بأن “سعر منتج ‘الدلاح’ في الأسواق سينخفض قريبا تزامنا مع شهر يونيو الذي يعرف تصاعد بداية الإقبال على استهلاك هذه الفاكهة”.
يشار إلى أن “تقييد مساحات زراعة البطيخ بنوعيه في المناطق التي كانت تساهم بنصيب وافر من الإنتاج الوطني من هذه الفاكهة دفع في اتجاه انعكاس هذه القرارات على انخفاض الوفرة خلال الموسم الحالي، لكن انتقال زارعي البطيخ من الجنوب الشرقي للمملكة إلى منطقتي سوس ماسة وشمال المغرب، كالعرائش، يستبعد أي تأثير على حجم الإنتاج بشكل سلبي على الخصوص”، وهو ما أكده الفلاح ذاته لهسبريس.