خبراء يعددون خلفيات تواضع “تقويم مستوى القراءة” عند التلاميذ بالمغرب
جاءت نتائج الدورة الخامسة من الدراسة الدولية لتقويم تطور الكفايات القرائية (PIRLS 2021)، التي تسهر عليها الجمعية الدولية لتقييم الأداء التربوي، “مخيّبة للآمال” بالنّسبة للكثير من المغاربة، فيما اعتبرها آخرون “متوقّعة وغير صادمة”.
نتائج هذه الدراسة الدولية، التي شارك فيها 7017 تلميذا من المستوى الرابع من التعليم الابتدائي، و7017 أما وأبا وولي أمر، و266 مدرسا للغة العربية يمثلون 266 مدرسة ابتدائية، وضعت المغرب في المرتبة 56 من بين 57 دولة أو اقتصادًا مشاركًا فيها.
وتعليقا على هذه المرتبة، قالت وزارة التربية الوطنية في بلاغ صدر أمس الأربعاء، إنه “رغم التحسن الطفيف الملاحظ في نتائج دورة 2021، بفارق إيجابي قدره 15 نقطة و47 نقطة مقارنة بالدورتين السابقتين 2011 و2016 على التوالي، إلا أن الأداء العام للتلاميذ المغاربة مازال أقل من مستويات الأداء المأمولة، إذ أظهرت النتائج أن 59 في المائة من التلاميذ لا يتحكمون في كفايات الحد الأدنى من مستويات الأداء في القراءة”.
الخبير التربوي لحسن مادي اعتبر أنه “حين العلم بهذه النتائج –للوهلة الأولى- تكون صادمة، وتجعل المهتمين يتساءلون عن مصير كل المجهودات والإصلاحات والمبالغ المرصودة للمنظومة التربوية”، معتبراً أن احتلال المغرب المرتبة ما قبل الأخيرة “يستدعي تشكيل لجنة أزمة كفئة لبحث حلول لهذه الوضعية”.
وانتقد مادي، ضمن تصريح لهسبريس، “غلبة المقاربة السياسية على المجلس الأعلى للتربية والتكوين عوض المقاربة التربوية، وتواجد عدد من بعيدي الخبرة بالقطاع داخله، ما يفوّت على التعليم مجموعة من الإجراءات والحلول الناجعة لهذا المشكل العميق”، فضلا عمّا وصفه بـ”فتح الأقسام الدراسية أمام أشخاص ليست لديهم الرّغبة في العمل في هذا المجال وأغلبهم دون تكوين”.
وأشار الخبير التربوي ذاته إلى أن شكيب بنموسى، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولى والرياضة، “الذي يبذل جهوداً لإصلاح القطاع، يفاجئنا بدوره بأرقام صادمة حول القطاع، في ما يخص الهدر المدرسي ومستوى المنظومة التربوية ومجموعة من الإشكالات الأخرى”، قبل أن يستدرك: “لكننا نريد تقديم إجراءات عملية هادفة مرقّمة وبميزانيات أساسية محدّدة، ثم محاسبة المسؤولين عن فشل المخططات السابقة”.
في السياق ذاته، يرى مادي أن من شأن التنزيل الحكومي الكامل للجهوية الموسّعة في جميع القطاعات، ومن بينها قطاع التعليم، ومنح إمكانيات مادية كافية للجهات لتنفيذ برامجها، “حل جزء من إشكالات التعليم عبر منح مدراء الأكاديميات الجهوية هامش التصرّف لخلق منافسة بين الجهات في إيجاد الحلول الواقعية والآنية للقضايا التي تعاني منها المنظومة”.
وبالنسبة للخبير ذاته فإن إصلاح أعطاب التعليم “رهين بتجويد الكفاءات، الرهين بدوره بتجويد اختيار جميع المتدخّلين في هذا القطاع، من حارس المدرسة إلى مديرها، ثم المفتّشين والمراقبين ومدراء الأكاديميات؛ فضلاً عن إعادة النظر في كثرة البرامج التي تثقل كاهل المتعلّم وتقييد المدرّس ببيداغوجيا رسمية لا تسمح بالإبداع والابتكار”.
أمّا بالنسبة لسعيد عبيد، خبير تربوي أستاذ مكون بمركز وجدة الجهوي لمهن التربية والتكوين، فاعتبر أن النتيجة التي حصل عليها المغرب “متوقّعة، وكارثية”، مشددا في حديثه إلى هسبريس على أن “أسباب هذا الترتيب مازالت قائمة”.
ويرى عبيد أن “أسباب هذا التعثّر لها ثلاثة أبعاد، مجتمعية ونفسية وتربوية رقمية”، موضحاً أن “القراءة هي مشروع مجتمعي شامل ينبغي أن تُشارك فيه كل المكونات المجتمعية”، وداعياً إلى دعم الشعور بما وصفه بـ”هم القراءة” لدى الجميع، عبر إحداث مشاريع اجتماعية كبيرة تنعقد فيها إرادة كل الوزارات الوصية؛ كما استحضر في هذا السياق مشروع القراءة الوطني الذي وصفه بـ”الطموح”، لكنه يبقى، حسبه، “منفرداً”.
أما بالنسبة للجانب النّفسي، فيشير الخبير ذاته إلى أنه هناك “حالة عامة من الإحباط لدى قطاع كبير من المتعلّمين نتيجة ترسيخ فكرة لديهم مفادها أن القراءة ليست سبباً للترقي الاجتماعي”، داعياً إلى “ضرورة إعادة الاعتبار للقراءة حتى تكون منتجة”.
من بين أسباب هذا التعثر أيضا، يضيف عبيد، “غياب التربية الرقمية لدى المتعلمين، وغياب أي توجيه من الدولة للأجيال الحالية في هذا الشأن، ما يجعلها تغرق في فوضى الفيضان الرقمي الجارف”، مستحضراً تقييد الصين زمن استعمال الأطفال للوسائل الرقمية ومضامينها لحماية الأجيال، وداعيا إلى “مواجهة هذا الأمر بشكل مبكر من طرف الأسرة والمعلّم لكسب تربية قرائية سليمة، بإشراك خبراء علمي الاجتماع والنفس”.