منطقة الساحل تضم نصف ضحايا الإرهاب
في كل عام، يصدر معهد الاقتصاد والسلام ومقره أستراليا مؤشر الإرهاب العالمي، أو “جي تي آي”، الذي يشمل 163 دولة، كل على حدة.
وكشف أحدث تقرير لمؤشر الإرهاب العالمي عن تراجع الوفيات الناجمة عن الإرهاب، من حيث الأرقام، بشكل طفيف خلال عام 2022، إلا أن جانبا كبيرا من هذا “التراجع” كان نتيجة لسيطرة حركة طالبان على أفغانستان، وبما أن طالبان تمثل الحكومة حاليا، لم يتم إدراجها في حسابات الإرهاب بمؤشر الإرهاب العالمي.
وقال السفير مارك غرين، المدير الرئيس التنفيذي لمركز ويلسون الأمريكي للأبحاث، في تقرير نشره المركز، إن الاكتشاف المثير للاهتمام في تقرير المؤشر هو أن منطقة الساحل تمثل الآن 43% من حالات الوفاة الناجمة عن الإرهاب في العالم-أكثر من جنوب آسيا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مجتمعة. وهذه النسبة آخذة في الارتفاع.
وكشف مؤشر “جي تي آي” أن دولتين من دول منطقة الساحل، هما مالي وبوركينا فاسو، من بين دول العالم الخمس الأكثر تضررا من الوفيات الناجمة عن الإرهاب. وبتسجيل 1135 حالة وفاة بسبب الإرهاب في عام 2022، تكون بوركينا فاسو أكبر دولة تشهد وفيات إرهاب سنوية مقارنة بأي دولة أخرى.
وأوضح السفير غرين أن منطقة الساحل عادة ما تعرف بأنها المنطقة الواقعة في غرب ووسط أفريقيا وتحدها الصحراء من الشمال وغابات السافانا من الجنوب. وتناول معهد الاقتصاد والسلام أجزاء من 10 دول في تعريفه لمنطقة الساحل، وهي بوركينا فاسو والكاميرون وتشاد وغامبيا وغينيا ومالي وموريتانيا والنيجر ونيجيريا والسنغال.
وفي محاولة للإجابة عن سبب تعرض هذه المنطقة بشكل خاص للإرهاب، سيسرع كثيرون في إلقاء اللوم على الصراعات العرقية والدينية، التي تصبح أكثر دمارا من خلال التوافر المتزايد للأسلحة من خارج المنطقة. إلا أن هناك المزيد من العوامل الأخرى التي تغذي ضغوطا وإحباطات أعمق داخل المجتمعات وبين بعضها بعض. كما أن حالات تطرف الطقس ودورات النمو التي لا يمكن التنبؤ بها والتصحر وتقلص الأراضي الصالحة للزراعة، تسهم كلها في الشعور بتراجع الفرص الاقتصادية، وهو الشعور الذي ينتاب كثيرين، وخاصة الشباب، في المنطقة.
وبدلا من استغلال سلطتهم لحل النزاعات وبناء تفاهم بين المجتمعات، يبدو العديد من الزعماء السياسيين، المسلحين بوسائل التواصل الاجتماعي، مستعدين تماما لاستغلال هذه الضغوط لتحقيق مكاسب سياسة خاصة بهم. ومن المهم ملاحظة أن هذه المنطقة شهدت ست محاولات انقلاب منذ عام 2021 فقط.
ورأى السفير غرين أن كل تلك الضغوط تفتح الباب للمتشددين العنيفين-ومن بينهم عدد من المجموعات الإرهابية القاتلة-لاكتساب مزيد من القوة وجذب المزيد من الأتباع. وتتضح صحة هذا الوضع بشكل تام في المنطقة التي تلتقي فيها بوركينا فاسو ومالي والنيجر. وتشهد هذه المنطقة وجودا متزايدا من العناصر التابعة لتنظيم “داعش”، و”جماعة نصرة الإسلام والمسلمين”، وهي ائتلاف من الجهادين الإسلاميين.
ويرى غرين مع ذلك أن هناك جماعات عنيفة أخرى، ليست مرتبطة رسميا بمنظمات إرهابية خارجية، تقوم بارتكاب جرائم وأعمال عنف. وقد وقع هجوم يوم السبت 22 أبريل أسفر عن مقتل 10 أشخاص وإصابة أكثر من 60 آخرين عندما تم تفجير قنبلة في بلدة “سيفاري” بإقليم “موبتي” في مالي. وقبل أقل من أسبوعين، تعرضت قريتا كوراكو وتوندوبي في بوركينا فاسو بالقرب من الحدود مع النيجر لهجومين متزامنين، مما أسفر عن مقتل 44 شخصا.
وأوضح غرين أنه مع سحب فرنسا قواتها العسكرية من مالي في العام الماضي، وجد المرتزقة الروس فرصة سانحة لزيادة وجودهم وأنشطتهم في المنطقة. ويعتقد أن مجموعة فاغنر الروسية شبه العسكرية تنشط في مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى. كما يشتبه في أنها تعمل-أو ستعمل قريبا-في بوركينا فاسو وتشاد. وهناك إشاعات بشأن وجود جماعات خارجية تستغل ضعف الحكم في المنطقة والافتقار إلى المساعدات الغربية.
واختتم السفير غرين تقريره بالقول إنه خلال عمله مديرا للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، كانت برامج الوكالة في منطقة الساحل تركز على بناء المرونة، وزيادة الخيارات والفرص البناءة للأفراد (خاصة الشباب)، وحل الصراعات من خلال الوساطة وبرامج المصالحة وترويج رسائل تؤكد السلام والاستقرار لمكافحة الدعاية المتطرفة. وأكد أنه بينما تعد الجهود العسكرية لمكافحة الإرهاب مهمة، يعتبر التعاون مع الحكومات المحلية مهما للغاية أيضا من أجل زيادة استجابتها لاحتياجات المواطنين ومكافحة التطرف من خلال توفير الفرص.