شيخوخة الدول الصناعية وآثارها الاقتصادية

لهذه الظاهرة آثارها السلبية على معدلات النمو الاقتصادي ومعدل القوة الشرائية والإنتاج داخل الدولة، وهي ظاهرة باتت تضرب العديد من الدول الصناعية الكبرى كالولايات المتحدة والصين واليابان وألمانيا وكندا وإيطاليا، ففي الصين مثلا، انكمش عدد السكان في العام الحالي 2023م لأول مرة منذ ستين عاما، فقد تراجعت بكين في عدد سكانها لتكون الدولة الثانية بعد الهند بسبب سياسة الطفل الواحد، وبالرغم من تراجع الصين عن هذا القرار إلا أن الصينيين أنفسهم مقتنعون بمنهجية الطفل الواحد، فكانت النتيجة ما تعانيه بكين اليوم من آثار الشيخوخة بتقلص عدد السكان في سن العمل والإنتاج.
في روسيا أعلن الرئيس بوتين عن لقب وطني للأم الولودة التي تنجب عشرة أطفال وأكثر، هذا اللقب هو (الأم البطلة)، وبمجرد إنجاب الطفل العاشر يتم منحها جائزة مليون روبل مكافأة لها، أما في إيطاليا وهي الدولة الأكثر شيخوخة في أوروبا فقد علق عليها الملياردير الشهير إيلون ماسك بصورة تهكمية أن مصير الإيطاليين في المستقبل هو التلاشي من الوجود البشري بسبب الانخفاض الحاد في معدلات الإنجاب لدى الأمهات الإيطاليات، ومما فاقم إشكالية الشيخوخة في إيطاليا هو هجرة الشباب المستمرة إلى دول أوروبا الغنية بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية بها في السنوات الأخيرة.
أما اليابان فقد أصبحت الدولة الأكثر شيخوخة في آسيا، وقد ذكرت بعض الدراسات الديموغرافية اليابانية بأن ربع نساء اليابان عازبات وأكثرهن ليس لديهن رغبة بالارتباط والزواج، وتذكر الدراسة أن هناك أسبابا متعددة ولكن ترجع أهمها إلى ثقافة الجيل الجديد من النساء اليابانيات حول انخراطهن في العمل بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة وعدم رغبتهن الجادة في الزواج، بالإضافة إلى اكتفاء الأسر القائمة بثقافة الطفل الواحد، وفي كوريا الجنوبية فالأمر ليس بعيدا في السوء عن جارتها اليابان، فهي مهددة بفقدان حوالي ثلث سكانها في عمر الإنتاج إذا استمرت إشكالية الشيخوخة في التفاقم.
خلال العقود الماضية، تحولت دول آسيا الصناعية كاليابان والصين وكوريا الجنوبية إلى ما يشبه مصانع العالم، ولكنها تعاني اليوم من أزمة الشيخوخة وتداعياتها الاقتصادية الصعبة، ومن هذه التداعيات أن حوالي 30% من هذه المصانع تقريبا قد تحولت إلى دول صاعدة كالهند والفلبين وفيتنام، وقد تتحول في المستقبل إلى جغرافيا واعدة وهي دول القارة الأفريقية، والتي تعاني من إشكالية معاكسة وهي تكدس وبطالة فئة الشباب المنتجة في سن العمل مثل دولة مصر التي يزيد عدد سكانها عن مائة مليون نسمة، أو قد تتحول المصانع إلى دولة أخرى لديها نسبة خصوبة عالية مثل نيجيريا التي تلد المرأة فيها بمعدل سبعة أطفال.
وفي الختام، هل ستقلب الشيخوخة المعادلة الاقتصادية، وسيشهد القرن الحالي تحولا في مفهوم الدول الصناعية باتجاه دول نامية وصاعدة، سواء في آسيا كالهند وفيتنام والفلبين، أو أفريقيا كنيجيريا ومصر، أم أن الدول الصناعية المهددة لديها حلول أخرى، وستغذي مصانعها العملاقة بفتح أبواب الهجرة إليها واستيراد العمالة كما فعلت الولايات المتحدة وكندا؟
[email protected]