حساسية الربيع: لماذا يعاني 40 في المئة من اليابانيين منها؟
يحتفل ملايين اليابانيين كل عام بتفتح أزهار أشجار الكرز الرقيقة إيذاناً قدوم فصل الربيع. لكن هذا التغير في الفصول يترافق بأسابيع مؤلمة من العطاس المتواصل واحتقان الأنف وإدماع العيون لدى نسبة كبيرة من اليابانيين. وعدد قليل من الناس في الدولة الآسيوية يدركون أن هذه المشكلة الصحية العامة لها علاقة بالحرب العالمية الثانية (1939-1945) أو أنها من العواقب المتوقعة لتغير المناخ.
تؤثر حساسية الربيع ( Hey Fever) التي يشار إليها عادة باسم حساسية غبار الطلع أو حمى القش على نسب مختلفة من السكان في جميع أنحاء العالم. ففي المملكة المتحدة يعاني منها واحد على الأقل من بين كل أربعة أشخاص، وفقًا لبيانات خدمة الصحة الوطنية في المملكة المتحدة، فيما تقل النسبة عن 10 في المئة في الولايات المتحدة.
لكن هذه النسبة في اليابان تعتبر غير مسبوقة، فقد أظهر استطلاع أجرته مجموعة من الأطباء اليابانيين متعددي التخصصات عام 2019 أن نحو أريعين في المئة من سكان البلاد البالغ عددهم 123 مليون نسمة يعانون من بعض أشكال هذا العارض الصحي المعروف محليًا باسم “كافونشو” (مرض غبار الطلع).
وقد توقعت وكالة الغابات اليابانية أن يتسبب مرض حساسية الربيع بخسائر اقتصادية تصل إلى ما لا يقل عن 2.2 مليار دولار في السنة، التي تشمل أيضاً فواتير الرعاية الصحية وانخفاض إنتاجية العمال. وفي بداية شهر أبريل / نيسان أعلن رئيس الوزراء فوميو كيشيدا أن هذا العارض الصحي بات “مشكلة اجتماعية” وأوعز لوزرائه بالبحث عن حل.
ما سبب حدة حساسية الربيع في اليابان؟
يسبب غبار الطلع الذي تفرزه العديد من النباتات ردود فعل تحسسية. ولكن في اليابان، هذه المشكلة الصحية لها علاقة بنوعين من الأشجار: أشجار الأرز الأحمر والسرو.
هذه الأشجار أصيلة في البلاد وهي جزء من بيئتها الطبيعية منذ مئات السنين فلماذا أصبحت مشكلة؟
“خلال الحرب العالمية الثانية ، تم قطع الغابات في اليابان وتدميرها” ، وفقًا لـ إيواو أويهارا ، الأستاذ في قسم الأحراج في جامعة طوكيو للزراعة متحدثاً لبي بي سي. “بسبب ندرة الخشب بعد الحرب جرت زراعة أعداد كبيرة من أشجار الأرز الأحمر والسرو ، لأنها تنمو بسرعة نسبياً”.
هذا الميزة جعلتها مثالية لتلبية حاجة البلاد إلى الأخشاب في عملية إعادة إعمار وفقًا لـديفيد فيدمان، المؤرخ في جامعة كاليفورنيا، إرفينج والمتخصص في تاريخ البيئة اليابانية، مما أدى إلى زيادة زراعتها.
“كان أحد أهم احتياجات اليابان بعد الحرب مباشرة هو الحصول على المواد الضرورية لإعادة إعمار المدن” حسب قول فيدمان.
“من المهم الإشارة هنا إلى حملة القصف الجوي بالقنابل الحارقة التي دمرت المباني الخشبية التقليدية في اليابان في الأشهر الأخيرة من الحرب العالمية الثانية”.
تجارة سيئة
انتهى احتلال قوات الحلفاء لليابان في عام 1952 لكن زراعة الأرز الأحمر والسرو استمرت في التوسع في السنوات التالية.
وفي بعض الحالات جرت إزالة الغابات الطبيعية واستبدالها بأحراج الأرز الأحمر والسرو ، حسبما أوضح البروفيسور أويهارا الذي أضاف: “يشكل الأرز الأحمر الياباني اليوم 45 في المئة من الغابات المزروعة في اليابان والسرو 25 في المئة”.
هذان النوعان من الأشجار يعتمدان على التلقيح بالرياح للتكاثر مما يعني إطلاق كميات وفيرة من حبوب الطلع في الهواء.
تراجعت الأهمية الاقتصادية لهذه الاشجار في العقود التالية، بسبب انخفاض سعر الخشب المستورد من اعتباراً من سبعينيات القرن الماضي.
وسبب نقص استهلاك الخشب المنتج من هذين النوعين من الأشجار في البلاد أصبحت غابات الأرز الأحمر أكثر كثافة والأشجار أكبر حجمًا مما فاقم من مشكلة سحابات حبوب الطلع.
تقدر وزارة الزراعة اليابانية أن غابات الأرز الأحمر وحدها تغطي 12٪ من مساحة البلاد.
لكن البروفيسور أويهارا يوضح أن أشجار الأرز الأحمر والسرو ليست العامل الوحيد “المسؤول” عن أزمة حساسية الربيع في اليابان. هناك عوامل أخرى تلعب دوراً في هذا الأزمة مثل التلوث الهوائي في المدن حيث تتحد بعض جزيئات الملوثات بحبوب الطلع مما يجعلها أشد إثارة للحساسية.
وهناك أيضاً عامل التغير المناخي، إذ يقول العلماء إن درجات الحرارة الدافئة تجعل الأشجار في جميع أنحاء العالم تنتج المزيد من حبوب الطلع ولفترات زمنية أطول وفي مواعيد أبكر مقارنة بالسنوات السابقة.
في دراسة نشرت في مارس 2022 ، وجد باحثون من جامعة ميشيغان أن فترة موسم انتاج حبوب الطلع في الولايات المتحدة وكندا قد زاد بنسبة 20 في المئة على الأقل بين عامي 1990 و 2018 ، وزاد تركيز هذه الحبوب في الهواء بنسبة 21 في المئة ويعزا ذلك إلى حد بعيد وفقًا للقائمين على الدراسة إلى الاحتباس الحراري.
وأفادت جمعية الطقس اليابانية في أبريل / نيسان الماضي بأن انتشار حبوب الطلع في بعض مناطق البلاد بدأ قبل أوانه المعتاد بأسبوعين في عام 2023 مقارنة بالعام الماضي.
تكهنت وسائل الإعلام اليابانية بالتدابير التي قد تتخذها الحكومة للتخفيف من عوارض هذه الأزمة ، بدءًا بتقليص مساحة غابات الأرز الأحمر إلى استخدام الذكاء الاصطناعي لتتبع إنطلاق حبوب الطلع.
لكن البروفيسور يوهارا يقول أن المشكلة أعمق من ذلك وتحمل درسا بليغاً ليس لليابان فقط بل للعالم بكله وهو: تدمير التنوع الحيوي يمكن أن يؤدي إلى عواقب غير متوقعة بعد عقود. ” الخطوة الأساسية التي كان يجب القيام بها هو التوسع في مساحة الغابات التي تضم انواعا عديدة من الأشجار وليس نوعاً أو أثنين فقط” وقال: “إن هناك علاقة عكسية بين التنوع الحيوي و حساسية الربيع، فكلما كانت التنوع الحيوي أكثر غنى كانت الحساسية أقل حدة”.