تأجيل مؤتمر “حزب جبهة التحرير” الجزائري يكشف خلافات مع قصر المرادية
أثار تأجيل المؤتمر الحادي عشر لحزب “جبهة التحرير الوطني” بالجزائر، الذي كان مقررا عقده الصيف المقبل، تساؤلات عديدة حول الأسباب الحقيقة لهذا التأجيل وسط حديث عن علاقات مضطربة مع السلطات في البلاد.
أبو الفضل بعجي، الأمين العام لحزب “جبهة التحرير الوطني”، برر قرار تأجيل المؤتمر إلى ما بعد الصيف، خلال لقاء لقيادات الحزب الأربعاء الماضي، بالحاجة إلى “المزيد من الضبط في ما يخص الاستعدادات والترتيبات الفنية واللوجستية”، نافيا في الوقت ذاته التقارير التي زعمت أن السبب يعود إلى “مماطلة السلطات في منح الترخيص الإداري بعقد المؤتمر لعدم رضاها على القيادة الحالية للحزب”.
ففي حين عقدت أغلب الأحزاب الجزائرية مؤتمراتها، يثير إرجاء مؤتمر الحزب السابق للرئيس عبد المجيد تبون شكوكا حول علاقة هذا الأخير بالتنظيم السياسي الذي كان ينتمي إليه، وسط حديث عن قطيعة سياسية بين الطرفين؛ وهو ما فُهم من خلال التصريحات الأخيرة للرئيس الجزائري.
عبد المجيد تبون أكد، في إطلالته الإعلامية الأخيرة، أنه “سيعتمد في مشروعه السياسي على فعاليات المجتمع المدني والقوى الحية في المجتمع” على حساب الأحزاب، مضيفا أن “حزبه السابق لم يدعمه في الانتخابات الرئاسية”، في إشارة إلى دعم الحزب حينهما للمرشح عزالدين ميهوبي.
ولم تكن هذه هي الإشارة الأولى للعلاقة المضطربة بين الرئاسة والحزب؛ فقد سبقتها إشارات أخرى تجلت في التعديل الحكومي الأخير الذي أعلن عنه الرئيس الجزائري في مارس الماضي، الذي فقد بموجبه حزب “جبهة التحرير الوطني” حقيبتين وزارتين، رغم كونه الفائز بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان.
وفي خطوة لتقديم أوراق “إعادة اعتماده للسلطة”، ثمّن الحزب، في بيان لـ”رؤساء اللجان الانتقالية لمحافظات الحزب”، أمس الأربعاء، مجهودات الرئيس وقائد الجيش في “الدفاع عن الوحدة الوطنية والحفاظ على المكاسب التي حققتها البلاد”، مشيدا بـ”صمود الشعب الصحراوي في المقاومة بكل الوسائل المشروعة لانتزاع حقه وتقرير مصيره”، وفق التعبير الوارد في البيان.
خلافات سياسية
محمد زيد الدين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، قال إن “التبرير الذي قدمه الأمين العام لجبهة التحرير الوطني بخصوص قرار التأجيل غير مقنع ويخفي وراءه أسبابا أخرى غير معلنة”، مضيفا أن “السبب الحقيقي سياسي بالدرجة الأولى ومرتبط بالخلافات سياسية مع النظام والخلافات داخل الحزب نفسه”.
المتحدث ذاته أفاد، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، بأن “خمسة أحزاب سياسية عقدت مؤتمراتها بأريحية تامة؛ منها حزب العمال المعارض، في حين تم تأجيل مؤتمر الجبهة”، مردفا أن “وجود اختلافات سياسية بين مواقف بعض القيادات داخل الحزب والمواقف الرسمية تجاه عدد من القضايا أدى إلى رفض السلطة الترخيص بعقد المؤتمر”.
وشدد الأستاذ الجامعي على أن “القيادة الحالية للحزب الجزائري عجزت عن توفير أرضية مناسبة للنظام لتمرير خطاباته المستهلكة التي أصبحت تثير استياء بعض أعضاء الحزب”، واستطرد أن “السلطات الجزائرية تبحث عن بديل جديد للقيادة الحالية يكون منصاعا لها بشكل مطلق لتزكيته على رأس التنظيم السياسي المعروف بولائه للإدارة الجزائرية، خلال المؤتمر المقبل”.
ممارسة تقليدية
من جهته، قال أحمد نور الدين، المحلل السياسي، إن” تدخل السلطة الجزائرية في المشهد الحزبي هو ممارسة سياسية سائدة في الجزائر؛ فقد سبق أن تدخلت الرئاسة الجزائرية، أكثر من مرة، في إقالة عدد من الأمناء العامين للحزب؛ على رأسهم عمار سعداني وجمال ولد عباس”
المتحدث ذاته صرح لجريدة هسبريس بأن “الأحزاب الجزائرية مجرد واجهة سياسية للنظام العسكري الذي يتحكم في تعيين قياداتها وإقالتهم كلما خرجوا عن طاعته”، مضيفا أنه “ومنذ الانقلاب العسكري في التسعينيات، أصبح شرط ممارسة السياسة والانخراط في الأحزاب وتولي مناصب المسؤولية فيها هو نيل رضا النظام”.
وذكر المحلل السياسي أن ما يثبت ذلك هو “التضييق على الأحزاب المعارضة في البلاد ونفي قياداتها والزج بها في السجون؛ على غرار الزعيم السابق لحزب القوى الاشتراكية، حسين آيت أحمد الذي توفي في منفاه بسويسرا قبل ثمانية أعوام”.
وخلص المتحدث إلى أن “مبايعة جنرالات النظام العسكري والعداء للمغرب والضرب في وحدته الترابية وإعلان ذلك في البيانات والبلاغات الرسمية كلها شروط أساسية لممارسة أي حزب للعمل السياسي في البلاد؛ بما في ذلك الأحزاب الإسلامية والأحزاب المحسوبة على التيارات الأخرى”.