الإجهاد المائي إشاعة؟
يوجد المغرب في أخطر منطقة تعرف الإجهاد المائي بشكل مطرد في العالم: شمال إفريقيا والشرق الأوسط، لذلك يبدو غريبا كيف يكون بلدا فلاحيا، يكتفي غذائيا ثم يصدر إلى الخارج، فما سر ذلك؟.
معيار الإجهاد المائي هو نسبة كمية الماء المتوفرة في السنة إلى عدد السكان. وفي المغرب مثلا كانت هذه النسبة متوسطة في الستينيات، تقدر بـ2500 متر مكعب من الماء لكل مواطن، وهي اليوم ضعيفة ومقلقة لا تتجاوز 650 مترا مكعبا للمواطن. وهذا التراجع في الثروة المائية له سببان، الأول يخص التوسع الديموغرافي، كنا 8 ملايين ونحن اليوم 36 مليونا، كما كانت المسابح والمساحات الخضراء الخاصة محدودة، والأكثر من ذلك لم تكن كل البيوت موصولة بشبكة توزيع الماء. والسبب الثاني يخص طبيعة استعمال الماء بين الماضي والحاضر، لأن كثافة السقي تغيرت وتوسعت بشكل ملحوظ، إضافة إلى تطور القطاع الصناعي الذي يستهلك الماء بما يجعله ثاني مستهلك بعد القطاع الفلاحي.
المغرب يمتلك سدودا كثيرة تؤمن له 18 مليار متر مكعب في ظروف مثالية من التساقطات المائية والثلجية، وهو رقم نظري، لأنه لم يسبق لبلادنا أن جمعت في سدودها أكثر من 11 مليار متر مكعب. وقد سمعتم عن سد المسيرة الذي جفاه الملء منذ سنوات طويلة، فلا يتعدى خمسة وعشرين في المائة من طاقته الاستيعابية في أحسن الأحوال.
هذه السدود تمثل ضمانة وأمنا ضد سنوات الجفاف المتتالية، ولولاها لافتقدنا الأمن الغذائي إلى الأبد؛ وهذا من حسنات الحسن الثاني رحمه الله، لكنها غير كافية، لأن الفرشات المائية الوطنية هي أيضا مستغلة بشكل مفرط، ومن ذلك إنتاج البطيخ (الدلاح) بمناطق شبه صحراوية. وحتى لو أنجزت جميع السدود المبرمجة فإن 27 مليار مترٍ مكعبٍ منتظرةٍ مستقبلا لن تكفينا في ظل الاستعمال المتخلف للماء.
إذن كيف لبلد مرتب في الصف 22 من بين الدول المهددة بالجفاف في العالم أن يصدر المواد الغذائية وأن تمثل هذه الصادرات ملاييرَ تناطح ملاييرَ الفوسفاط والصناعة والسياحة؟ السر هو وجود لوبي تصدير من أخطر ما خلق الله أنانية وافتقادا للروح الوطنية، وقد عبر عن هذه الروح في هذه السنة حين فضل التصدير على إنقاذ المغاربة من جحيم الأسعار.
لا يمكننا الاستمرار في التباكي والدعاء بالويل والثبور على من أوصلنا إلى هذه الكارثة حكومة وشعبا، وإنما علينا توقع أخطر وضع مائي يمكن تخيله. كأن تعطش الدار البيضاء ذات الملايين الكثيرة فلا نجد الماء ننقذها به في أي جهة أو إقليم آخر (نذكر هنا أزمة العطش التي ضربت طنجة قبل سنوات فكانت السفن تحمل الماء من الجديدة لتجاوز الأزمة). علينا توقع مزيد من توالي سنوات الجفاف، كأن نشهد ثلاث سنوات متتالية من “فئة” جفاف 1981، ثم نضع السيناريوهات لمواجهة مثل هذه الأوضاع الكارثية.
عندنا ثلاثة حلول رئيسة يجب أن نعجل بالعمل على توسيعها وتكثيفها: الأول بناء محطات تحلية المياه في أغلب المدن الشاطئية الكبرى والمتوسطة، وجعلها تشتغل بطاقة نظيفة ما أمكن ذلك، الشمسية، الريحية، قوة الموج… الثاني معالجة المياه العادمة للمدن، لتخفيف الضغط على توزيع المياه العذبة الخاصة بالشرب. وهذا لا يخص المدن وإنما كل المقاولات التي تخلف الكثير من الماء العادم. والحل الثالث ترشيد استعمال الماء من خلال مراقبة طريقة استغلاله، من طرف الجهات الرسمية أو الشركات أو الأشخاص، والتأكيد على حماية الفرشة المائية على الخصوص.
المغاربة لا يعرفون قيمة الماء في كل أحوال استعماله، من المطبخ إلى غسل السيارة إلى سقي الحديقة إلى ملء المسبح، إلى العناية بملعب الغولف، إلى إهمال التنقيط والاستمرار في ري الأرض بـ”الربطة”؛ لذلك يجب دفعهم (يعني المغاربة) إلى التهيّب من تبذيره، ليس بالحملات الإعلامية ولكن بالرفع من ثمن الماء، كيف ذلك؟.
نعرف أن شركات توزيع الماء تقسم الحصص بالستة أمتار مكعبة في كل شطر، الشطر الأول نجد متره المربع رخيصا لا يتعدى درهما خاصة بالنسبة لوكالات التوزيع الجماعية، وهو معدل استهلاك الأسر الفقيرة عادة، والشطر الثاني يتعدى المتر المربع فيه 5 دراهم بقليل؛ وفي حدود هذين الشطرين نودع الأسر الفقيرة والمتوسطة، التي يجب أن نحافظ على هذه الأسعار حماية لها.
لكن حين نصل إلى الشطر الثالث فما فوق نلامس كبار مبذري الماء، من أشخاص ومقاولات وغير ذلك، وهنا يكمن الردع الواجب لهؤلاء، وذلك بالرفع من ثمن الشطر الثالث والرابع وما بعدهما؛ آنذاك سنرى قليلا من الناس من يملأ مسبحه أسبوعيا، أو يسقي حديقته كل يوم أو يصنع مجزرة في الماء الرخيص ليرفع مداخيل شركته، سيصبح الماء مهيبا عند الجميع، على الأقل نجنب الماء الصالح للشرب الاستعمال غير العقلاني. في أيامنا هذه، نجد كل المغاربة يخشون هدر البنزين أو المازوت بسبب ثمنهما المرتفع، فلماذا لا يخشون تبذير الماء، الأكثر قيمة من المحروقات، لأنه بكل بساطة هو الحياة. هذا عن استهلاك الماء الصالح للشرب، أما الاستعمال الفلاحي فملف كبير، و”جمل يجب تحريكه”.