بنك انجلترا أمام “معضلة كبرى”.. ما مستقبل أسعار الفائدة؟
وفيما يعد الاقتصاد البريطاني هو الوحيد ضمن الاقتصادات المتقدمة الذي لا يزال يعاني من معدلات تضخم أعلى من 10 بالمئة، فإن فرص التخلي عن تلك السياسة نظرياً تبدو ضعيفة على المدى المنظور خلال الصيف على الأقل، رغم المخاطر الناجمة عن سياسة رفع الفائدة بشكل متسارع.
- منذ ديسمبر 2021، رفع بنك إنجلترا الفائدة 12 مرة حتى الآن، لتصل إلى أعلى مستوياتها منذ العام 2008.
- أعلن البنك الخميس عن رفع أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس إلى 4.5 بالمئة.
- تماشى قرار بنك إنجلترا الأخير مع التوقعات السابقة، ضمن مساعيه لكبح جماح التضخم الذي لا يزال الأعلى بين جميع الاقتصادات المتقدمة.
- أعلن بنك إنجلترا عن أنه “يستبعد ركود الاقتصاد البريطاني”.
خيارات محدودة في موقف صعب
يقول زميل أول بمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي، جاكوب كيركيجارد، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: “أعتقد بأن بنك إنجلترا كان محاصراً في موقف صعب بلا خيار سوى رفع أسعار الفائدة، ومن المحتمل مرة أخرى خلال الصيف أن يواصل رفع الفائدة”.
ويُبرر ذلك بقوله: “إن التضخم ببساطة مرتفع جدًا في المملكة المتحدة، حيث تصل معدلاته إلى ضعفي الولايات المتحدة، وأعلى بكثير من مستويات الاتحاد الأوروبي أيضاً”.
ويشير خبير الاقتصاد الدولي، إلى عدد من الأسباب المؤدية لهذا المشهد؛ وأهمها:
- انخفاض الإنتاجية في المملكة المتحدة.
- سوق العمل غير المرنة مع نقص كبير بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي للعديد من عمال الاتحاد الأوروبي.
- تأثر العلاقات التجارية بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وبينما فشل البنك المركزي البريطاني، حتى الآن، في السيطرة على وتيرة معدلات التضخم التي لا تزال فوق 10 بالمئة والأعلى في غرب أوروبا، قال محافظ البنك أندرو بايلي، الخميس: “اسمحوا لي أن أكون واضحاً، التضخم لا يزال مرتفعاً للغاية (..) علينا أن نواصل المسار للتأكد من أن التضخم يتراجع على طول الطريق إلى هدف 2 بالمئة”.
يأتي ذلك في وقت يعاني فيه الاقتصاد البريطاني من تحديات كبيرة مع ارتفاع التضخم وتراجع معدلات النمو، حيث تعتبر بريطانيا هي الدولة الوحيدة في مجموعة السبع التي لم تعد إلى أوضاع ما قبل انتشار وباء كورونا.
إبطاء الوتيرة
في المقابل، تشير الأكاديمية المتخصصة في الشؤون الأوروبية، الأستاذ المساعد في جامعة نيوهامبشير، إليزابيث كارتر، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أنه من المرجح أن يُبطئ بنك إنجلترا وتيرة رفع أسعار الفائدة، في خطٍ متوازٍ مع اتجاهات الفيدرالي الأميركي والبنك المركزي الأوروبي كذلك.
ومنذ العام الماضي، رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الفائدة 10 مرات، لتتراوح بين 5 و5.25 بالمئة، وهو أعلى مستوى منذ أغسطس 2007. بينما رفع البنك المركزي الأوروبي، الفائدة 7 مرات منذ العام الماضي؛ لكبح جماح التضخم،لتصل إلى 3.75 بالمئة.
وفي بيانه الأخير، أبقى المركزي الأوروبي خياراته بشأن توجهات الفائدة مفتوحة مع استمرار معركته لمكافحة التضخم، إلا أنه لم يذكر ضرورة الحاجة إلى تطبيق زيادات أخرى. كما حملت أيضاً لغة الفيدرالي الأميركي في بيانه الأخير تغيرات واضحة، لناحية القول أنه “سيراقب البيانات المقبلة”، لتحديد ما إن كان المزيد من الرفع للفائدة ملائماً، بدلاً من القول إنه “يتوقع” أن تكون هناك حاجة لمزيد من الرفع للفائدة، وبما اعتُبِرَ بمثابة إشارة واضحة، بأنه سوف يتحول على الأرجح نحو وقف رفع أسعار الفائدة.
وبالعودة لتصريحات كارتر، فإنها توضح أن رفع الفائدة بهذه السرعة خلال الفترات الماضية خلّف عديداً من المخاوف، لا سيما فيما يتعلق بالركود الاقتصادي، وحتى الوصول لأزمة مالية عالمية على غرار أزمة العام 2008.
وتستدل الأكاديمية المتخصصة في الشؤون الأوروبية على ذلك بأزمة المصارف في الولايات المتحدة الأميركية، وبعد أن تأثرت بنوك إقليمية بأسعار الفائدة على هذا النحو، وبما أدى إلى فشل عدد من البنوك أخيراً، وهو ما يثير مخاوف واسعة بالأسواق.
- تُسجل بريطانيا معدل تضخم “هو الأعلى في غرب أوروبا”.
- بلغ معدل تضخم أسعار المستهلكين في البلاد 10.1 بالمئة في مارس، متراجعاً بشكل طفيف من 10.4 بالمئة في فبراير، بحسب البيانات الصادرة عن مكتب الإحصاء الوطني البريطاني.
- ارتفعت أسعار المواد الغذائية والمشروبات غير الكحولية بنسبة 19.1 بالمئة على أساس سنوي في مارس (أكبر زيادة منذ أغسطس 1977).
ترقب للبيانات الجديدة
وبحسب تحليل كتبه جيمس سيلارز، في سكاي نيوز البريطانية، فإنه من المرجح أن تزيل بيانات التضخم لشهر أبريل آثار القفزة في فواتير الطاقة المنزلية التي شوهدت في أبريل 2022 في حين أن تكلفة الوقود قد انخفضت الآن بشكل كبير. ويلفت في الوقت نفسه إلى توقعات بعض الاقتصاديين بأن يكون رقم مؤشر أسعار المستهلكين لشهر أبريل أقل من 8 بالمئة فقط بسبب تأثير الطاقة وحده. بينما هذا لا يعني بالضرورة أن الأسعار تنخفض وأن أزمة تكلفة المعيشة قد انتهت.
ويعتمد احتمال إنهاء بنك إنجلترا سياسة التشديد المالي إلى حد كبير على البيانات المقبلة، وذلك قبل الاجتماع القادم في 22 يونيو.
من جانبه، يُرجح المؤرخ والمراسل البرلماني، عادل درويش، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن يتجه بنك إنجلترا لاتباع سياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في حال توقف الأخير عن رفع الفائدة.
لكنه يشير إلى ضرورة الحذر، على اعتبار أن معدل التضخم في بريطانيا لا يزال مرتفعاً، وبالتالي فإن “هذا هو الخيار الصعب الذي يواجه بنك إنجلترا حالياً”، موضحًا أن الشهور المقبلة ستكون حاسمة لاتخاذ القرار في هذا الشأن.
ويُحدد المؤرخ والمراسل البرلماني، عاملين رئيسيين يحكمان اتجاهات السياسة النقدية لبنك إنجلترا، فيما يخص أسعار الفائدة، وهما: “أسعار الفائدة الأميركية، وأرقام الربع الثاني من العام الجاري فيما يتعلق بمعدل التضخم بالبلاد ومعدلات النمو والإنتاجية والديون الحكومية وما إلى ذلك”.
وكان سعر الفائدة البنكي قد استقر عند 0.1 بالمئة في ديسمبر 2021 قبل أن تبدأ دورة التشديد في معالجة وتيرة ارتفاع الأسعار، والتي كانت ناجمة في البداية عن عودة الاقتصادات إلى العمل بعد جائحة كورونا، ثم تتابعت حلقات رفع الفائدة مع ارتفاع معدلات التضخم تأثراً بتبعات الحرب في أوكرانيا.
تحذيرات محافظ بنك إنجلترا
من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي بصحيفة “فاينانشال تايمز” أنور القاسم، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن أسعار الفائدة “وصلت إلى أعلى مستوى لها منذ 14 عاماً؛ للمساعدة على خفض التضخم الذي يضر بالناس”، موضحاً أن محافظ بنك إنجلترا حذر من أن أسعار الفائدة سترتفع مرة أخرى إذا استمرت الأسعار في الارتفاع، وذلك عندما قال: “أود أن أقول للأشخاص الذين يحددون الأسعار: برجاء تفهم حقيقة أنه إذا نظرنا إلى التضخم، فسوف يتعين أن ترتفع أسعار الفائدة أكثر، ولن يفيد التضخم المرتفع أحداً”.
وإذا ارتفعت التكاليف النقدية للطاقة والعمالة والإمدادات ولم ترتفع الأسعار، فإن مديري البنوك في شتى أرجاء البلاد سوف يراقبون بشدة الشركات، وهي تجربة مقلقة.
ويضيف: “ولا يخفي بنك إنجلترا أنه ما زال بعيداً جداً عن الشعور بالارتياح عبر السيطرة على ضغوط الأسعار”، مشيراً إلى أن المملكة المتحدة تعاني من تضخم أعلى من هدف البنك البالغ 2 بالمئة، نتيجة مجموعة من العوامل، بما في ذلك اضطرابات سلسلة التوريد بسبب تداعيات جائحة كورونا وارتفاع أسعار الطاقة وارتفاع أسعار السلع العالمية.
ويشير في السياق نفسه إلى أن المستوى السعري للعملة البريطانية يحوم حول السعر الأدنى منذ العام 2016 ودفعت مخاوف وقوع بريطانيا في الركود الاقتصادي أو حتى “الركود التضخمي” الجنيه الإسترليني إلى خسارة 4.5 بالمئة مقابل الدولار.