الانتخابات التركية 2023: لاجؤون سوريون يخشون الترحيل من تركيا بعد الانتخابات
- سالي نبيل
- بي بي سي – تركيا
ترقب قمر عقاد، اللاجئة السورية، نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية المقررة في 14مايو/ أيار المقبل بالكثير من القلق، فهي، كأغلب السوريين في تركيا، تخاف من تهديدات المعارضة بترحيل كل اللاجئين إذا نجحت في الوصول إلى الحكم.
“لم يعد لدي شيء لأعود إليه في سوريا” تقول قمر التي فرت مع زوجها إلى اسطنبول في عام 2013.
التقيتها في منزلها حيث تقيم مع زوجها وطفلتيها التوأم اللتين لم تكملا عامهما الثاني بعد.
وتقول: “أمضيت هنا عشر سنوات كاملة وأنجبت بناتي هنا”.
تعيش قمر، ابنة مدينة حلب السورية، في تركيا بمقتضى حماية مؤقتة تمنحها الحكومة التركية للاجئين السوريين. ورغم طول الفترة التي قضتها في البلاد، لا يزال وضعها القانوني هشا. وتمثل حالتها أغلب السوريين في تركيا.
فمع احتدام المعركة الانتخابية بين الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان ومرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو، تصاعد الخطاب المعادي لوجود اللاجئين، وخاصة السوريين في تركيا، وتحول ملف اللاجئين لقضية أساسية في الحملات الانتخابية لكل المرشحين.
ومنذ اندلاع الحرب في سوريا استضافت تركيا نحو ثلاثة ملايين ونصف المليون لاجئ سوري.
“ترحيل مفاجئ”
تعهد مرشح المعارضة للانتخابات الرئاسية، كمال كليجدار أوغلو، بترحيل اللاجئين خلال عامين إذا أصبح رئيسا، أما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فاتخذ مؤخرا عدة خطوات لاستئناف العلاقات مع دمشق. وربما يؤدي هذا التقارب للتوصل إلى اتفاق يعيد السوريين إلى سوريا.
وتوضح قمر: “أخشى أن يتم ترحيلنا بشكل مفاجئ، ماذا سأفعل حينها؟ ماذا سيحل بي وببناتي؟ إذا عدت إلى سوريا، سأبدأ من الصفر”.
لا تتوقف ابنتا قمر عن الضحك واللعب، فهما مفعمتان بالطاقة والحيوية. وتخبرني أنها تطمئن لبقائها في اسطنبول بسبب جودة الخدمات الطبية بشكل خاص إذ تتوفر للطفلتين رعاية صحية مناسبة.
لكنها تتمنى أيضا أن تحصل على الجنسية التركية “كي لا أظل أفكر في احتمالية التعرض للترحيل” تقول قمر.
وتضيف: “آمل أن يفوز الرئيس أردوغان، فربما يمنحنا الجنسية. لكن المعارضة تريد أن تخرجنا من هذا البلد”.
ويعاني الكثير من اللاجئين السوريين من تدني مستوى المعيشة وصعوبة الحصول على وظائف ذات دخل مرتفع، فضلا عن تعرضهم لما يصفوه بالممارسات العنصرية من بعض المواطنين الأتراك والتي تصل أحيانا للتجاوز اللفظي أو الاعتداء الجسدي.
“عودة طوعية”
ترتبط تركيا بعدة اتفاقيات دولية تلزمها بحماية اللاجئين. وهو ما يجعل من الصعب تنفيذ تعهدات المعارضة بالترحيل الجماعي لكل اللاجئين.
ورحلت السلطات التركية في الآونة الأخيرة أعدادا من اللاجئين السوريين في إطار ما سمته “بالعودة الطوعية” إلى “المناطق الآمنة” في شمال سوريا، بعيدا عن سيطرة السلطات السورية.
وبحسب تصريحات لوزارة الداخلية التركية في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عاد أكثر من نصف مليون سوري إلى بلادهم بشكل طوعي، بينما رحلت السلطات التركية ما يقرب من 20 ألفا بسبب “قضايا أمنية”.
لكن منظمات حقوقية مثل هيومان رايتس ووتش اعتبرت هذه الإجراءات انتهاكا للقانون الدولي، إذ تحدثت سابقا عن “ترحيل قسري” لمئات السوريين في عام 2022.
“كارت انتخابي”
يرى بعض ممن التقيناهم من السوريين أن قضيتهم تحولت إلى “كارت انتخابي” لكسب الأصوات، خاصة في ظل وضع اقتصادي متأزم تعيشه تركيا حاليا، إذ تبلغ نسب التضخم الرسمية نحو خمسين في المئة.
يقول محمد عياش، الذي يقيم في تركيا منذ ثلاث سنوات: “هناك حملة انتخابية بأكملها قائمة على اللاجئين السوريين وكأنهم مشكلة تركيا الوحيدة”.
يستبعد عياش، الذي يعمل بالتجارة، أن يتم ترحيله لأنه يحمل إقامة قانونية في تركيا. يدرك أن السلطة الحالية رحلت بالفعل بعضا من اللاجئين في الآونة الأخيرة لكنه يرى أن وصول المعارضة للحكم “بما تتبناه من خطاب تحريضي، سيرفع نسبة الاحتقان في الشارع”.
ويؤكد أن فكرة الترحيل الجماعي لملايين السوريين غير واقعية على الإطلاق.
ويتساءل “هل يمكن، مثلا، إحضار حافلات لإعادة كل السوريين إلى سوريا؟ هذا أمر غير وارد. فالكثير من السوريين هنا لديهم تصاريح عمل وروابط عائلية في هذا البلد”.
ويخبرني أنه تعرض لبعض العبارات المسيئة في الشارع لكنه يحمل مسؤولية ذلك لبعض الساسة الأتراك الذين يرجعون كل أزمات تركيا لوجود اللاجئين. “أسمع عبارات مثل: ماذا تفعل هنا؟ لماذا لا تعود إلى بلدك؟!”
سوريون وآخرون
يمثل السوريون العدد الأكبر من اللاجئين على الأراضي التركية. لكن تركيا تستضيف أيضا عددا آخر من الجنسيات العربية. فقد فر إليها مصريون وعراقيون ويمنيون وغيرهم، إما هربا من أنظمة حاكمة أو بسبب أوضاع أمنية غير مستقرة.
جاء طه العاني، الصحفي العراقي، إلى تركيا في عام 2014 بعد سيطرة مسلحي ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية على مساحات واسعة في سوريا والعراق.
يقول إن العرب كانوا يلجؤون لتركيا بسبب انخفاض التكاليف وسهولة إجراءات الدخول. لكنه يرى أن هذا الوضع تغير في الأعوام الثلاثة الأخيرة. “باتت إجراءات الدخول أعقد كثيرا من قبل، كما ارتفعت تكاليف المعيشة بشكل كبير”.
ويضيف أن بعضا من معارفه العراقيين آثروا العودة إلى العراق لأنهم لم يتحملوا قفزات الأسعار الكبيرة في تركيا منذ تراجع العملة المحلية أمام الدولار وصعود نسب التضخم.
ويفسر هذه التعقيدات في الإجراءات بأنها استجابة “لضغوط المعارضة وضغوط الشارع”.
كما يؤكد أن الأزمة الاقتصادية في تركيا لعبت دورا محوريا في زيادة الاحتقان تجاه اللاجئين. ويقول إنه يحاول دائما تجنب الذهاب لأي مناطق في اسطنبول حيث يقيم، معروفة بوجود توتر تجاه الأجانب، حتى لا يتعرض لمضايقات.
ويوضح العاني، الذي يحمل إقامة، وشرع في إجراءات الحصول على الجنسية التركية، أن أصحاب “الحماية المؤقتة” هم الأكثر هشاشة في مواجهة أي تغيرات تطرأ على سياسة الدولة التركية تجاه اللاجئين.
ويقول: “بشكل عام ستكون تركيا دولة جديدة على صعيد السياسات الداخلية والخارجية في حال فوز المعارضة وربما تنعكس هذه التغيرات على أوضاعنا كمهاجرين”.
الجنسية التركية
لم تنجح إلا شريحة صغيرة من اللاجئين السوريين في الحصول على الجنسية التركية، منها مؤنس عقاد الذي يعمل في التطوير العقاري. وصل لتركيا قبل عشر سنوات وحصل على الجنسية منذ أربع سنوات. وسيدلي بصوته في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية كمواطن تركي لأول مرة.
ويقول إنه “شعور لا يوصف عندما تدرك أن صوتك كإنسان له قيمة ويمكن أن يحدث تغييرا. ولم نكن ننعم بهذا الشعور في سوريا. بدأنا، الآن، نشعر بقيمتنا كبشر”.
يرى عقاد أن ترحيل اللاجئين سيضر بالاقتصاد التركي المتأزم بالفعل. ويوضح “عندما تم ترحيل بعض اللاجئين في الشهور الأخيرة، بدأ أصحاب المصانع الأتراك يحتجون لأن هناك فئات كاملة من العمال رحلت ولم يعد هناك من يعمل في تلك المصانع”.
ويتحدث أيضا عن رد فعل محتمل للمجتمع الدولي، الذي لن يقبل هذا الترحيل، إذا تم. ويرى أنه في حال أجبر السوريون على أن يتركوا تركيا، فإنهم لن يعودوا، بأي حال من الأحوال، إلى سوريا، وفق ما يراه، لكنهم “سيتجهون إلى أوروبا. فأي ترحيل إجباري باتجاه سوريا سينتج عنه موجة لجوء جديدة إلى أوروبا”.
وبحسب تقرير لوزارة الداخلية التركية، صادر في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، حصل أكثر من مئتي ألف سوري على الجنسية التركية خلال الأعوام الماضية، بينهم نحو 130 ألفا سيصوتون في انتخابات هذا العام.
يأمل كثير من السوريين هنا أن تهدأ النبرة المعادية لهم بمجرد انتهاء الانتخابات. لكن الواقع يقول إن بقاء السلطة الحالية لن يحسن أوضاعهم كثيرا، كما أن مجئ المعارضة لا يعني، حتما، أن تغلق تركيا أبوابها في وجههم.