عمران خان: محكمة عليا في باكستان تبطل إجراءات القبض على رئيس الوزراء السابق، فما القصة المثيرة وراء اعتقاله؟
قال محامي رئيس الوزراء السابق عمران خان إن المحكمة العليا في باكستان حكمت يوم الخميس بأن اعتقال خان كان غير قانوني، وذلك بعد يومين من اعتقاله بتهم تتعلق بالفساد، مما أشعل فتيل احتجاجات دامية.
وقال المحامي بابار أوان للصحفيين: “المحكمة العليا نقضت جميع الإجراءات القانونية ضد عمران خان… وطُلب منه المثول أمام محكمة إسلام أباد العليا صباح الجمعة”.
وكان خان، الذي يحظى بشعبية عارمة، قد نجح على مدى شهور عديدة في تفادي لحظة القبض عليه التي وقعت أمس الأول الثلاثاء.
ولم تنجح محاولات سابقة في توقيف خان. وفي مارس/آذار، أُحبط قرار محكمة باعتقاله بسبب معارك ضارية وقعت بين أنصاره وعناصر من الشرطة أمام منزله في لاهور.
ولم تكن عملية إلقاء القبض على خان أقلّ دراماتيكية. وقد وقعت في أثناء وجود خان في محكمة في عاصمة البلاد إسلام أباد.
ولم يكد خان البالغ من العمر 70 عاما يُرى وسط زُمرة من عناصر شرطة الشغب بينما كانت تنقله إلى خارج المحكمة قبل أن تضعه داخل إحدى المركبات.
ويواجه خان عشرات التُهم، التي تتراوح بين الفساد إلى التحريض، منذ الإطاحة به من السلطة عبر تصويت برلماني فقَد به الثقة العام الماضي. ومن ثمّ لم يكن اعتقال خان خارج التوقعات.
لكن هذا الاعتقال رغم ذلك أثار غضب أنصار خان، بل إنه حتى تسبب في صدمة في باكستان حيث كانت الآمال معلقة على إنهاء الأزمة السياسية التي دفعت بالبلاد إلى حافة الهاوية.
لماذا اعتُقل عمران خان؟
تقول الحكومة في باكستان إن عمران خان ألقي القبض عليه لعدم تعاونه مع السلطات في تحقيقات جارية في قضية فساد.
وتقول القضية إن خان، بينما كان رئيسا للوزراء، استحوذ على قطعة أرض كرشوة في مقابل خدمات سياسية.
وتدور القضية حول تحقيق تجريه الوكالة الوطنية للجريمة ببريطانيا في عملية غسيل أموال قام بها قطب العقارات الأكبر في باكستان، مالك رياض حسين.
وتفيد تقارير بأن رياض حسين أعطى قطعة الأرض المشار إليها إلى مؤسسة القادر الائتمانية، والتي أنشأتها الزوجة الثالثة لعمران خان، بشرى بيبي.
من جانبه، أنكر خان التُهم، قائلا إن الأرض خُصّصت لأغراض خيرية.
وأنكر رياض حسين غسيل الأموال، لكن موقفه من التساؤل حول تقديم قطعة الأرض في مقابل خدمات سياسية غير معروف.
وكان حسين قد مثَل أمام محققّي مكتب المحاسبة الوطني في باكستان في وقت سابق من العام الجاري، حيث أدلى بأقواله في قضية مؤسسة القادر، لكن هذه الأقوال لم تُنشر للعلن كما لم تتناقلها وسائل الإعلام.
وبعد اعتقال عمران خان، وُجّهت إليه تهمة في قضية فساد أخرى. وتتعلق هذه التهمة بعدم إفصاحه عن الأموال التي حصّلها من بيع هدايا تلقّاها في زياراته الخارجية كرئيس للوزراء.
وفي هذا الإطار، وُجّهت تُهم لأول مرة لـ خان يوم أمس الأربعاء ولكنه أنكرها.
ويرجّح مراقبون أن يتوالى توجيه التُهم لعمران خان في أثناء احتجازه، وهو مصير طالما نجح رئيس الوزراء السابق في تفاديه – إمّا عبر التغيّب عن مواعيد أو الظهور في ساحات محاكم عليا، أو الظهور وسط حراسات مشددة.
وكان وجود خان في المحكمة يوم إلقاء القبض عليه حيث كان ينشد الحصول على كفالة وقائية من الاعتقال.
ويبدو أن خان كان مستعدا؛ ففور اعتقاله بثّ مقطع فيديو كان قد سجّله في وقت سابق، قائلا فيه إنه قد يكون معتقلا وقت مشاهدة هذا الفيديو.
لكنْ لا يُعتقد أن أياً من خان أو محاميه كان يتوقع أن يجري اعتقاله في مبنى محكمة؛ لا سيما وأن خان سبق وظهر في محكمة من قبل.
لكنْ في هذه المرّة، لم يكن منفّذو مذكرة الاعتقال من عناصر الشرطة، وإنما من قوة شبه عسكرية يُطلق عليها اسم “بنجاب رينجرز”.
ودفع أنصار خان وقيادات حزب حركة الإنصاف الباكستانية بأن ما تعرّض له رئيس الوزراء السابق يُعدّ دليلا على تدخُّل الجيش الباكستاني.
ويقول هؤلاء إن اعتقال خان ليس متعلقا بتُهم الفساد بقدر ما هو متعلق بصراع علني بين خان والجيش الباكستاني.
وكان خان قد اتهم كلا من الجيش ووكالة الاستخبارات الباكستانية بالتآمر لاغتياله. وكان خان قد نجا من إطلاق نار العام الماضي.
ومنذ استقلال باكستان في عام 1947، استحوذ جنرالات الجيش على حُكم البلاد ثلاث مرات. وطالما كان للجنرالات دور بارز في المشهد السياسي الباكستاني.
وكان يُعتقد أن عمران خان أيضا حصل، لدى صعوده إلى السلطة، على دعم جنرالات الجيش الباكستاني.
لكن ميزاتٍ أحاطت بـخان بداية من المولد، ثم الشهرة التي حققها كلاعب كريكيت، فضلا عما يحظى به من كاريزما – كل هذه الميزات أورثته شعبية لم تشهدها باكستان منذ زمن.
وقبل يوم واحد من اعتقال خان، تلقى تحذيرات من مسؤولين في الجيش الباكستاني.
ويرى أنصار خان أن الجيش تجاوز “خطا أحمر” باعتقال رئيس الوزراء السابق. ومع تحوّل الغضب العام ضد الجيش، تبقى باكستان مرشحة للحظة غير مسبوقة.
وفي بيان، قال الجيش الباكستاني إن التاسع من مايو/أيار سيعلق بالذاكرة كـ “فصل أسود”، محذرا من “ردة فعل متطرفة” إذا ما أقدم المتظاهرون على تنفيذ المزيد من الهجمات ضد الجيش وغيره من مؤسسات الدولة.
على المحكّ الآن
ألقت حالة الشك المخيّمة على عمران خان بظلالها على كل باكستان على مدى شهور.
وتعاني باكستان – الدولة النووية ذات الـ 231 مليون نسمة- من ارتفاع أسعار الغذاء بشكل مقلق، فضلا عن أزمة اقتصادية طال مداها، بالإضافة إلى نوبات عنف متطرفة.
وتعرقلت مفاوضات مع صندوق النقد الدولي حول حزمة إنقاذ تحتاج إليها باكستان بشكل ماسّ. كما تواجه الانتخابات المقررة في وقت لاحق من العام الجاري تحديات في ظل حالة الجمود السياسي الذي تشهده باكستان.
ويرى مراقبون أن اعتقال عمران خان من شأنه تأجيج حالة عدم الاستقرار الراهنة وتقليص فُرص التوصل إلى حل بين رئيس الوزراء السابق من جانب، والمؤسسة – سواء كانت الحكومة أو الجيش- من جانب آخر.