القيادة على صفيح ساخن | صحيفة مكة
نعم دخلت مقاييس وأدوات القطاع الخاص من مؤشرات أداء وجداول ميزانيات وجداول إدارة المشاريع على المشهد من خلال لوحات القيادة والقياس، وأصبح تقييم الأداء سيدا متربعا على عرش البقاء وضمان استمرارك في المنظمة.
نعم تغير كل شيء ولم يسلم أي أحد من ارتجاج خفيف أو عميق في صميم اعتياداته، مسلماته، ومعلوماته.
فالمستقطب كقيادي من القطاع الخاص أو قطاع مخضرم، وجد نفسه في قطاع حكومي جديد تم إطلاقه ضمن برامج الرؤية، أو قطاع قديم يمر بتحول لنظام الشركات.
وفي كلتا الحالتين وجد نفسه يتعامل مع متغيرات وظروف لم يسبق له تجربتها، سواء حاجته لاستحداث نظام جديد وهو الذي اعتاد على بيئات العمل المنظمة والتي لديها تاريخ استراتيجي وخطط ممتدة وأنظمة موارد بشرية شديدة الدقة، وميزانيات محددة وطرق مرصوفة وواضحة لكل شيء ابتداء من طلب لابتوب، مرورا بوصف وظيفي مقنن، وانتهاء بساعات عمل محددة.
وإضافة لذلك المشهد الفانتازي قد يجد نفسه في القطاعات التي تمر بالتحول يرث فريق عمل ينتمي لحقبة ما قبل الرؤية.
إنه ذلك الجيل الذي إما جاءته الوظيفة على طبق من فضة بل وأهديت له إهداء وتعامل معها بما يرضي الله، أو أنه ترك وظيفة براتب أعلى في القطاع الخاص وانضم للقطاع الحكومي في مقابل أحلام الأمان الوظيفي، الذي أتى القادم الجديد لينتزعها منه، لتجده بوعي أو بدون وعي يقاوم، يطالب بالضمانات، ويلقي على هذا القائد بعبء الحفاظ على رزقه وملامة إحساسه بعدم القدرة على المواكبة.
في مقابل تحمل مسؤولية آمال مجموعة من الموظفين المقموع إبداعهم والذين يرون فيه الفارس المغوار الذي سيطور إمكاناتهم ويستثمر قدراتهم ويأخذ بهم إلى أرض النجاح.
وفي وسط هذه المعمعة يشعر هو ذاته بالشك، بالحيرة وربما بالعجز أحيانا، فما بين ما يعرفه وما يستطيعه ويتطلع له، وبين ما هو متاح وما هو مطلوب وما هو مفروض يجد نفسه في دوامة نفسية، والأدهى حين يحسب نفسه هو الوحيد في هذه الدوامة، لا يريد أن يظهر ضعيفا برفع الأمر باستمرار للمسؤولين أو طلب المساعدة، ولا يريد أن يكون شريرا ويضغط بشدة على من حوله، ولا يريد أن يستسلم استشعارا منه بالمسؤولية نحو بلده ونحو تطلعاتها، وطبعا لا يريد أن يوصم بالفشل.
حسنا بما أننا استفضنا في الحديث عن التحديات والعوائق وجب أن نتحدث أيضا عن مقترحات الحلول ومسكنات الألم.
والتي تبدأ بأهم معلومة وتأكيد وهي أننا كلنا ذلك القائد الفاقد للتوازن، وكلنا ذلك الموظف الشاعر بالتزعزع، وكلنا المواطن المستفيد من تحسن الخدمات والمشجع للتطوير والتقدم بل والاستباقية، إنما نحتاج جميعا لإدراك حقيقة دامغة وهي أن ما نمر به طبيعي لحد ما. نعم من الطبيعي أن تهتز القناعات والاعتيادات أمام هذه القفزات الجبارة اجتماعيا واقتصاديا ومعرفيا، وأن نشعر باختلال التوازن أمام تصفيات ومساومات ومفارقات هي الثمن الذي ندفعه جميعا مقابل سنوات من البطء البيروقراطية وتعثر التطور.
ولتخفيف أعباء هذه المرحلة وتسهيل عقباتها التي تتمثل في معظم الأحيان في كيفية تعاملنا مع الأفكار والشعور أكثر من المواقف والأحداث، تحتاج كقائد في أحد القطاعات الجديدة أو التي تمر بالتحول أن تفهم جيدا ما أنت مقبل عليه، ما الذي أنت مستعد لفعله في هذه المرحلة من حياتك وما الذي أنت مستعد لتحمله وما هي أولوياتك؟.
ربما اطلاع بسيط على تاريخ المنظمة وتطلعاتها مع قراءة عميقة وبحث مستفيض عن طبيعة التغيير والتحول في البلدان والحكومات والمؤسسات يساعدك على اتخاذ القرار الصحيح سواء بالانضمام، والاستمرار أو الترجل.
ويساعدك هذا الاطلاع أيضا على الاستعداد بالمعرفة أو المهارات الناعمة الخاصة بالتغيير، مثل الذكاء العاطفي، التواصل، الإبداع، التحمل، التوقيت وغيرها لتؤهل نفسك لما ستواجهه.
نعم المعرفة تساعدك على إدارة توقعاتك، تخفيف صدماتك والتعامل مع مكتسباتك ومعوقاتك.
وإدراك أهمية العلوم والمهارات الإنسانية يساعدك على التعامل مع ذاتك، إدارة انفعالاتك واكتساب الوزنية المناسبة للشد والإرخاء، للسرعة والبطء، وأحيانا للحركة والسكون.
مشاركة قلقك وهمومك مع الآخرين هي أحد الأدوات المفصلية التي توفر لك المؤازرة والتضامن، مشاركة اتخاذ القرار تفتح آفاقك وتخفف العبء عنك، استعدادك ومرونتك لاعتناق طرق العمل الحديثة وإشراك نماذج مختلفة من الكفاءات يضمن لك التجدد والفاعلية والإبداع، والأهم وضعك الإنساني سواء الموظف أو المستفيد أولا قبل كل شيء بالحرص على استخدام أحدث علوم التغيير المنظم والسلوك الإنساني بفاعلية، ربما لا يضمن لك دائما السرعة التي تريدها في الإنجاز، ولكنه بالتأكيد يضمن لك سفنا غير محترقة، وأجواء صافية تساعد على الوصول المضمون للغايات المنشودة ولو بعد حين.
وأخيرا، أليس كل هذا التغيير والعناء هو لصالح البشر أساسا، فكيف نضحي بهم لتحقيقه!