آخر خبر

السودان والجنجدة: لمن الغلبة؟ | صحيفة مكة


«جنجويد» مركب جملة سودانية يتكون من كلمتين: الأولى (جن) أي جمع جني، والثانية (جويد)، ويقصد به جمع (جواد)، وتعني في مجملها (جنون تركب خيول)، أو (جني يركب جوادا).

ويأتي أصل المركب اللفظي (جنجويد) من كلمة (جنجد) وتعني السلب والنهب، حسب قول القائل السوداني (نمشي نجنجد)، أي هيا نسلب الناس وننهبهم.

وأصل الجنجويد ميليشيات سودانية شبه منظمة، تأخذ الطابع القبلي الفئوي المتطرف، كوّنتها الحكومة السودانية لإخماد ثورة إقليم دارفور غرب السودان، فظهرت كقوات شعبية مساندة مستقلة، تتكون من أفراد بعض القبائل الموالية للدولة لمكافحة التمرد، والقيام نيابة عن الجيش السوداني المنهك من حرب جنوب السودان بتأديب من تعتبرهم الحكومة السودانية متمردين عليها في دارفور.

وتُتْهَم ميليشيات الجنجويد منذ تكوينها وبدء عملها في إقليم دارفور بانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في الإقليم، بارتكاب عمليات قتل واغتصاب ضد السكان، حسب تقارير منظمات دولية، الأمر الذي تسبب في ظهور قضية دارفور على المستوى الدولي، وإحالة ملفها إلى محكمة الجنايات الدولية التي أصدرت أمر توقيف بحق الرئيس السوداني عمر البشير، باعتبار هذه القوات تحت إشراف حكومته.

وإن كانت الجنجويد قد أنهت مهمتها بالقضاء على المتمردين واستعادة كل الأراضي التي سيطروا عليها في دارفور، إلا أنها زاد عددها وزادت قوتها، وبقيت في النشاط ذاته تتحفز لمهام أخرى، الأمر الذي انتهى إلى هيكلتها إلى قوات قومية، تحت اسم قوات الدعم السريع، بإشراف جهاز الأمن السوداني.

ويبدو أن هذه الهيكلة ركزت فقط على طابع التكوين القبلي لهذه القوات، بإدخال أبناء مختلف القبائل السودانية شرقا وغربا، وضمها بقيادة أعلى هرم السلطة السودانية، بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو، ولم يتم التركيز على العقيدة القتالية لهذه القوات، وهي العقيدة المبنية على السلب والنهب بأسلوب ميليشياوي قبلي بحت، وهي عقيدة قتالية تسببت في سمعة سيئة لهذه الميليشيات لدى المجتمع الدولي، الذي رفضها منذ تأسيسها لهذا السبب.

وكما كان متوقعا جاء الاستغلال لهذه القوات منذ أول شرارة الاختلاف داخل القيادات السودانية بعد سقوط البشير، واستغل دقلو هذه القوات بعد إشرافه عليها ليضعها في مواجهة الجيش السوداني، لتنشأ في السودان أزمته الحالية بين الجيش بقيادة الفريق عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع (الجنجويد) بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو.

وكما هي مقولة الجنجويدي سابقا (نمشي نجنجد)، ويقصد بذلك في إقليم دارفور فقط، يرددها الجنجويدي الآن (نمشي نجنجد) في الخرطوم وكل أقاليم السودان.

وفيما يظهر لي أن بضاعة من أنشأ هذه الميليشيات بهذه العقيدة قد ردت إليه؛ لأن الذئب الذي كان يفترس في الميدان الذي وضعته فيه دون رقيب لا يمكن أن يترك طبيعته في أي ميدان تستأمنه عليه، وها هي بنوك السودان ومؤسساته ومقدرات وبيوت شعبه تسلب وتنهب من الجنجويد بوحشية، وها هو الجيش السوداني يتعرض لأعظم محنة في تاريخه، بمواجهة هذه الميليشيات الطامعة في القضاء عليه عن بكرة أبيه، دون النظر إلى تاريخ هذا الجيش وإنجازاته وأهدافه الوطنية في حماية الشعب السوداني، ودون النظر إلى حجم الكارثة التي ستذهب بكل شيء من أرواح ومخلوقات ومؤسسات على الأرض السودانية.

وتستمر عمليات إجلاء الأجانب والسودانيين الذين أدركوا حجم الكارثة، ويبقى السؤال: هل يستطيع الفريق دقلو قائد الجنجويد العودة الآن وإيقاف الحرب، أم ستأكله ذئاب الجنجويد إن فعل…؟!

فالمشكلة أصبحت أكبر من خلافه مع رئيسه المباشر البرهان، مهما كان حجم هذا الخلاف. فضلا عن دخول أطراف داخلية وخارجية تريد للنار أن تستعر، وللدمار ان يستمر، ولكن الله غالب على أمرهم.

alsuhaimi_ksa@



Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button