منوعات

التربية السليمة ..تحمي من إسفاف مواقع التواصل



القاهرة: بسيوني الحلواني
انتشر الإسفاف اللفظي وإيذاء الآخرين بالسخرية منهم ورميهم بالاتهامات الباطلة عبر مواقع التواصل الاجتماعي في العديد من البلاد العربية، وهو الأمر الذي تعددت معه قضايا السب والقذف والإساءة، حيث بلغت في دولة عربية واحدة خلال العام الماضي أكثر من 50 ألف قضية صدرت أحكام بعقوبات في بعضها، ولا تزال باقي القضايا معروضة في ساحة القضاء.. كما تعددت الجرائم التي ارتكبت بسبب الإسفاف اللفظي والاتهامات الباطلة عبر تلك الوسائل وصفحات الجرائم بالصحف تزخر بالعديد منها.

يؤكد د. سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، أن السبب الرئيسي في انتشار التجاوزات السلوكيات والانحرافات الأخلاقية بين الشباب هو فقدان التربية الإسلامية في البيوت. ويقول:هذه التربية تمثل حائط الصد الأول لأبنائنا في مواجهة كل خروج على القيم والأخلاق، وعندما تراجع دور الأسر في التربية، وانشغل الآباء والأمهات عن تربية وتوجيه أبنائهم ومراقبة سلوكهم تضاعفت تجاوزات الأبناء، وكثرت الشكوى من انحرافاتهم.

ويوضح أن التربية الإسلامية قادرة على صناعة الرجال، فالإسلام أولى تربية الصغار عناية كبيرة وجعلها حقاً من حقوقهم، وقرر حقوقاً متنوعة للطفل، وهذه الحقوق تبدأ قبل أن يخرج إلى الحياة، وقبل أن يكون له وجود، وذلك عن طريق اختيار الأم الصالحة التي تحسن رعاية طفلها وتربيته على الفضائل.. كما وفر الإسلام للطفل مناخ التربية الآمن لكى يشب الطفل على القيم الفاضلة، حيث نصح الرسول صلى الله عليه وسلم الرجل عند زواجه بأن يختار صاحبة الخلق والدين التي تحسن تربية ورعاية أطفالها بعد أن تحسن معاملة زوجها وتعطي له كل حقوقه.

ويوضح د. داود، أن الأمر لا يخص المرأة وحدها؛ بل الأمر يخص الرجل بالدرجة الأولى، لأنه لو كان صالحاً يوفر لأبنائه كل مقومات الحياة الكريمة، ويحسن رعايتهم وتأديبهم، والاعتراف بحقوقهم.. ولو لم يكن الرجل أهلاً للمسؤولية فسيحرم أطفاله من حقوقهم، ويسيء التعامل معهم، ويحرمهم من حقوقهم، وسيكون قدوة سيئة لهم، ولذلك كان توجيه الإسلام للفتيات ولأوليائهن بضرورة اختيار الزوج الصالح صاحب الخلق والدين، فهو الذي يحسن معاملة زوجته، ويحسن تربية أولاده، ويفي بالتزاماته تجاه الجميع. ولذلك جاء التوجيه النبوي الكريم لكل الآباء والأمهات: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير».

احترام الآخر

يشير د. خميس عامر أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر إلى ضرورة مواجهة الإسفاف اللفظي بنشر تعاليم وآداب الإسلام بين شبابنا قبل أن نفكر في الإجراءات العقابية، ويقول: في تعاليم ديننا ما يكفى لمواجهة التجاوزات اللفظية والسلوكية بين الشباب، فقد دعا الإسلام إلى تحسين الأخلاق وتطييب الكلام للناس؛ فقال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وخَالقِ النَّاسَ بخُلُقٍ حَسَنٍ»، وقال صلى الله عليه وسلم: «والكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ»، وحرم الله سبحانه وتعالى الإيذاء والاعتداء ولو بكلمة أو نظرة حادة، فقال تعالى: «..وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ».. كما قرر أن المفاضلة بين الناس معيار إلهي، بعيداً عن مظاهرهم، وكثرة أموالهم؛ بل المعيار الحقيقي طهارة قلوبهم، وخشيتهم من ربهم سبحانه، وإخلاصهم في أقوالهم وأفعالهم، يقول سيدنا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ».

ويشدد د.عامر، على رفض الإسلام لكل صور الإسفاف والتنمر والسخرية سواء صدرت من الناس عبر لقاءات شخصية، أو من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، ويذكر الجميع هنا بقول الله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن، ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الإثم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون»، ووفقاً لهذا النص القرآني فمن يسخر من أحد فقد ارتكب إثماً يستوجب العقاب الإلهي والدنيوي، وهو ما ينبغي أن تنص عليه قوانين مواجهة الإسفاف والإساءة في كل مجتمعاتنا المعاصرة.

عفة اللسان

يوضح أستاذ الشريعة الإسلامية بالأزهر أن ما نراه من إسفاف في لغة الخطاب على مواقع التواصل الاجتماعي يمثل مخالفة صريحة لتعاليم الإسلام، ويقول: القرآن الكريم- وهو دستور حياتنا- يلزم الإنسان بأن يكون عفيف اللسان لا يسيء لأحد، ولا يظلم أحداً بلسانه، يدين هذا السلوك في العديد من النصوص الواضحة، وقد خاطب الحق سبحانه المسلمين جميعاً وعلى الأخص الذين يتولون تقويم سلوك الآخرين ووعظهم وتوجيهم من الدعاة وغيرهم بقوله في كتابه الكريم: «وقولوا للناس حسناً»، وهذا يعنى أن العفة التي نشر ثقافتها القرآن الكريم بين الناس تشمل القول أيضاً والعفة في القول تفرض على المسلم ألاّ يتكلم إلا بالطيب من القول، وبما يتفق مع روح الإسلام وتعاليمه ومبادئه يقول الله تعالى: «وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد» وبين سبحانه وتعالى أن العفة في القول بالكلام الطيب تجعله عند الله مرفوعاً، موصول الثواب.

الأسرة المسؤول الأول

يشدد العالم الأزهري د. فتحي عثمان الفقي، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، على ضرورة الاهتمام بالتربية الأخلاقية للأبناء، ويرى أنها مهمة كبرى يجب أن تشترك فيها الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام والتوجيه والرعاية الاجتماعية، فضلاً عن المؤسسات الدينية وفي مقدمتها المسجد، لكنه يؤكد أن المسؤولية الكبرى هنا تقع على الوالدين فإحسان تربية الطفل منذ نعومة أظفاره واجبهما بالدرجة الأولى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم».

ويؤكد د. الفقي، أن التربية الجيدة والثقافة الواعية التي تفيد الأبناء ينبغي أن تشتمل على كل ما يغذي عقولهم عقائدياً، ويربي فيهم قيمة الطاعة لله، والحرص على أداء الواجبات الدينية، ويعمق في نفوسهم كل القيم التربوية الفاضلة والقدوة العملية الصالحة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى