«موردر ميستوري 2».. الجريمة في قالب كوميدي
مارلين سلوم
تخيل أن تجد أمامك لغز جريمة يذكرك بالخط الذي وضعته أجاثا كريستي في القصص البوليسية، حيث الضحية واحدة، والمتهمون كثر، بل كل من في المكان متهم ومشكوك بأمره حتى يثبت العكس، وتخيل أن يأتي «مستر بين» (الشخصية الكوميدية الشهيرة) بغبائه وسذاجته ليحل محل المحقق بوارو (أشهر محقق جرائم من صنع خيال أجاثا كريستي) في كشف المجرم الحقيقي! هذا ما تشعر به وأنت تشاهد الجزء الثاني من فيلم «موردر ميستوري» الذي تعرضه منصة «نتفليكس»، ويحمل نفس اسم الجزء الأول الذي ظهر عام 2019. «موردر ميستوري 2».
واضح أن الكاتب جيمس فاندربلت متأثر بقصص أجاثا كريستي البوليسية، وها هو يعود بعد أربعة أعوام لكتابة فيلم «لغز جريمة»، أو بالأحرى ليستكمل أحداث القصة التي بدأها عام 2019 وأحبها الجمهور، وقتها حقق الفيلم إقبالاً جيداً لكنه لم يكن النجاح المبهر والمتوقع من عمل يتصدر لبطولته نجم الكوميديا آدم ساندلر والنجمة المحبوبة جينيفر أنيستون، لذا تسأل نفسك لماذا يعيد الكاتب الكَرّة ويجازف بتقديم جزء ثان يبدأ من حيث انتهى الأول؟ ربما راهن على حب الجمهور والانسجام في الأداء لدى هذا الثنائي، إنما للحق نقول إن العودة هذه المرة فيها فائدة، حيث بدا الجزء الثاني أفضل من سابقه، وإن شابته نقاط ضعف بارزة، ولم يبهرنا كفيلم كوميدي جديد، بل انتظرنا منه الأفضل، سواء من ناحية المضمون أو من ناحية جرعة الكوميديا، إذ تشعر بأنه فيلم يتمايل على السلالم ما بين الكوميديا والجريمة.
نعود إلى بداية «لغز جريمة» حيث تنطلق الأحداث بصوت الراوي الذي يعيدنا إلى الوراء، ويخبرنا ما الذي حصل قبل أربعة أعوام، فينشط ذاكرتنا من خلال عرض مقتطفات من الجزء الأول، حيث نتعرف إلى المحققين المحترفين نيك سبيتز (آدم ساندلر) وزوجته أودري (جينيفر أنيستون)، يقرران السفر على متن سفينة للاستمتاع بإجازتهما، فإذا بجريمة تحصل على المركب ومن الطبيعي أن يسرعا للتحقيق حتى لا يفلت القاتل، لكن تجري الرياح بعكس ما يريد الثنائي، وبدل الجريمة تحدث خمس جرائم قبل أن ينتهي الفيلم باكتشاف اللغز طبعاً، ثم نرى الزوجين يختلفان حول رغبة الزوج بأخذ إجازة يستجمان فيها قبل العودة للعمل، بينما تقلق أودري من الفكرة خوفاً من تكرار ما حصل، وتطلب من زوجها أن يقرأ كتاباً للمحقق كونر ميلر (مارك سترونج) وهو مفاوض رهائن سابق في المخابرات البريطانية، يشرح فيه كيفية التعامل مع المجرمين في حالات الخطف والتفاوض مع الخاطفين، ولاحقاً سنرى أهمية هذه التفاصيل الصغيرة وهذا النقاش بين الزوجين حول ميلر وكتابه.
يتلقى نيك اتصالاً من صديقه المهراجا فيكرام أو كما ينادونه فيك (عديل أختار)، يدعوه وزوجته أودري لحضور زفافه في الهند، والدعوة مغرية جداً حيث تشمل تذكرة السفر والإقامة على جزيرة ورفاهية مبهرة وهناك يتفاجآن بكم الهدايا والملابس.. دعوة وصلت في الوقت المناسب، ويحسب الثنائي أنهما تعلما من التجربة السابقة ولن يرافقهما سوء الحظ هذه المرة، لكن حفل الزفاف ليس عادياً، ووسط الاندماج مع المدعوين بالرقص على إيقاع الأغنية الهندية، ولحظة دخول العريس على ظهر فيل، يتحول العرس إلى كارثة، حيث يفاجأ الحضور بوقوع العريس أرضاً ويتبين أنه مرافق المهراجا، وقد تم قتله بخنجر، يتصرف نيك وأودري وفق حدسهما البوليسي، ويبدأ كل منهما بجمع أي دليل، ويكتشف نيك أن الهدف من الجريمة إلهائهما عن عملية خطف المهراجا.
أول رد فعل من المحققين منع الموجودين الأساسيين من مغادرة المكان، فالكل مشتبه به، سايرا شقيقة المهراجا (كوهو فيرما)، العروس الفرنسية كلوديت جوبير (ميلاني لوران)، الكونتيسة خطيبة المهراجا السابقة (جودي تيرنر سميث)، رجل الأعمال وصديق المهراجا فرانسيسكو بيريز (أنريكي أرسي) والكولونيل أولانجا المسؤول عن حرس حماية المهراجا (جون كاني)، تبدأ الشكوك وتتكشف حقائق، لكن سرعان ما يقع نيك وزوجته في مشاكل بسبب سذاجتهما، فيصل المحقق ميلر- وهو نفسه مؤلف الكتاب- ليتولى مع رجاله القضية، ولكنه لا يتخلى عن مساعدة الثنائي سبيتز لأن الخاطف يطلب نيك بالاسم ليسلمه الفدية من أجل إطلاق سراح المهراجا، والمطلوب تسليم 50 مليون دولار سرعان ما وصل المبلغ إلى 70 مليون دولار، أمام قوس النصر في باريس، لذا يسافر الجميع لننتقل إلى مرحلة جديدة من المطاردات والأكشن الظريف.
لو أردت «تفصيص» القصة وأحداثها لقلت إن آدم ساندلر يبدو أكثر نضجاً في الأداء، بينما جينيفر أنيستون تبدو باردة أو غير حيوية كعادتها في الأدوار الكوميدية، والعلاقة بين الزوجين نيك وأودري سبيتز تبدو أقل منطقية وواقعية، بل تشعر بأنهما مجرد شريكين في المهنة، وحين نتحدث عن مهنتهما يخطر ببالنا سؤال مهم: ألا يفترض بالمحققين سبيتز أن يكونا اليوم أكثر خبرة في طرق وأساليب كشف الجرائم، وكيفية الدفاع عن النفس وأبسطها إجادة التصويب وإطلاق النار من مسدس وإصابة الهدف؟
نعلم أن الهدف من الفيلم هو الكوميديا والتشويق في آن، لكن الكوميديا يمكن أن تنجم عن مواقف ومفاجآت وبعض السذاجة في التفكير وسوء التصرف، كي تكون منطقية ومقبولة ومضحكة، بدل أن نشعر بأن الكاتب يقلل من قيمة العمل ومن تقديره لذكاء الجمهور بجعله البطلين جاهلين تماماً في كيفية التصويب لإصابة الشخص الواقف أمامهما! في المقابل هناك نقاط إيجابية في هذا الفيلم، إذ تبدو الأحداث أقل «سذاجة» من الجزء الأول، والمخرج جيريمي جاريليك منحنا فرصة الاستمتاع بالمشاهد التي صورها في هونولولو وباريس، كما يحسب له عدم مغالاته في المشهد الاستعراضي في حفل الزفاف والتركيز على الجريمة لإدخالنا في أجواء الأكشن مباشرة، واعتماده الخدع البصرية خصوصاً في مشاهد المعارك التي دارت في برج إيفل والمطاردات في شوارع باريس.
يستغل الكاتب مرة جديدة وجود البطلين على أرض غريبة ليسلط الضوء على بعض النزعات العنصرية والتمييز الطبقي بين البشر وهدفه السخرية منها، فالكونتيسة تعاير أودري بأنها «أمريكية قبيحة» بشيء من التعالي حين رأتها منبهرة بتنوع المأكولات والمائدة الفخمة، أودري وزوجها يكافحان لكسب المال بينما عائلة المهراجا تدفع ملايين الدولارات بلحظة.. عموماً يعتبر الفيلم «أكشن كوميدي» لا اشمئزاز ولا رعب ولا دماء، بل جريمة وقتال ظريف، يخلو من التشوهات التي تحرص أحياناً «نتفليكس» على زجها في أعمالها.
[email protected]