هل تعزز “النباتات الروبوتية” جهود الاستكشافات الفضائية؟
في مطلع العقد الماضي بدأ مهندسو وخبراء الروبوتات في العالم يتجهون نحو تصنيع نماذج روبوتية على أشكال حيوانات وحشرات وكائنات بحرية، غير أن مهندسة وخبيرة أحياء إيطالية تدعى باربرا مازولاي سارت عكس التيار، وطرحت فكرة ابتكار روبوتات على هيئة نباتات. ولكن هذه الفكرة، في حقيقة الأمر، لم تلق رواجا كبيرا، لأن الروبوتات، حسب تعريفها، هي ماكينات قادرة على الحركة وأداء مهام معينة، في حين أن النباتات بطبيعتها غير قادرة على الحركة، ومن هناك بدت الفكرة مملة وغير جديرة بالتنفيذ.
ولكن النباتات، على عكس ما يبدو، غير ثابتة في مكانها ولا مملة على الإطلاق، فإذا ما نظرت إلى حديقة إنجليزية منسقة على سبيل المثال فسوف تطالعك مشاهد الخضرة التي تتخللها الزهور والورود الملونة، وهي ثابتة في مكانها، ولكن لا تدع هذا المشهد البديع ينسيك أنك تنظر فحسب إلى النصف العلوي من النبات، ففروع النباتات، بل وجذورها، المحكوم عليها للأبد أن تعيش في ظلمة التربة، هي في الواقع دائمة الحركة، بل وتضطلع بدورين في غاية الأهمية للحفاظ على استمرارية النباتات، وهما تثبيت النبتة وجمع المعلومات وامتصاص الماء والمغذيات من الأرض.
وقد لا تكون جذور النباتات هي أفضل الحفارات على وجه البسيطة، مثل بعض أنواع الديدان والقوارض الصغيرة، ولكنها تعمل في دأب وبدون كلل في حفر مختلف أنواع التربة، وقد استوحت منها مازولاي فكرة ابتكار منظومة روبوتية لخدمة جهود البشر في استكشاف الفضاء.
وتقول مازولاي، التي تخرجت في جامعة بيزا الإيطالية، إن رسو المركبات الفضائية على أسطح الكويكبات البعيدة من أجل جمع العينات وإجراء الأبحاث المختلفة يمثل مشكلة مازالت بدون حل أثناء تصميم سفن الفضاء، وتوضح أنه في معظم رحلات الفضاء سواء إلى القمر أو المريخ أو غيره من الأجسام الفضائية تقل الجاذبية، وبالتالي يصبح ثقل المركبة وحده غير كاف لتثبيتها، ولذلك فإن العلاج الوحيد المتاح لهذه المشكلة هو تثبيت المركبة على الأرض بواسطة حفارات أو حراب ومسامير ضخمة، وبمرور الوقت تفقد أنظمة التثبيت فعالياتها بسبب تحرك التربة الفضائية وتغيرها بشكل دائم. غير أن مازولاي تؤكد في تصريحات، أوردها الموقع الإلكتروني “بوبيولار ساينس” المتخصص في الأبحاث العلمية، أن النباتات حلت هذه المشكلة ببراعة منذ مئات الملايين من السنين.
وجدير بالذكر أن المسبار الروبوتي “فيلاي” الذي هبط على الكويكب 67 بي/ تشوريوموف جيراسيمنكو عام 2014 بعد رحلة فضائية استغرقت عشر سنوات لم يستطع في نهاية المطاف الرسو باستقرار في موقع هبوطه، وانقلب رأسا على عقب، ولم ينجح سوى في جمع عينات قليلة وإجراء قياسات محدودة مقارنة بالمهمة المحددة له من الأساس.
وكانت مازولاي أجرت، خلال الفترة ما بين عامي 2007 و2008، دراسة لصالح وكالة الفضاء الأوروبية لتصميم أنظمة رسو للمركبات الفضائية، استوحيت فكرتها من جذور النباتات. وشارك في هذه الدراسة عالم النباتات الإيطالي ستيفانو مانكوسو الذي حاز شهرة واسعة بفضل دراساته عن السلوكيات “الذكية” للنباتات.
وخلال تلك الدراسة، تصورت مازولاي أنه عندما تهبط مركبة فضائية على سطح كويكب ما فإنها سوف تحدث فجوة أرضية، وأنه من الممكن زرع “بذرة” على عمق كاف داخل هذه الفجوة. وعلى غرار ما يحدث للنباتات الطبيعية، يبدأ الجذر الروبوتي في شق طريقه داخل التربة الفضائية بعد ضخ كميات من المياه داخل حجيرات صغيرة في الجذر. وعن طريق الضغط على التربة، يحفر الجذر الروبوتي طريقه داخل الرمال الرقيقة أو التربة الرخوة. ومن خلال وحدات استشعار خاصة، يستطيع الجذر تحديد طبيعة التربة والتحرك بعيدا عن الكتل الصخرية الصلبة.
وأكدت مازولاي أن المريخ هو أنسب كوكب في النظام الشمسي لتجربة مثل هذه المنظومة نظرا لانخفاض الجاذبية على سطحه، بالإضافة إلى الطبيعة الرملية لسطح الكوكب الأحمر، ما يسهل الحفر مع الحفاظ على تماسك جزيئات التربة، ما يحسن من فرص تثبيت المركبة على السطح.
وتقر مازولاي بأن وكالة الفضاء الأوروبية لم تتحمس آنذاك للفكرة باعتبارها “مستقبلية للغاية” وتتطلب “تقنيات لم تكن موجودة آنذاك، وفي الحقيقة مازالت موجودة حتى يومنا هذا”.
وبعد انتقالها إلى المعهد الإيطالي للتكنولوجيا عام 2012، نجحت مازولاي في إقناع المفوضية الأوروبية بتبني مشروع يتم تنفيذه على مدار ثلاث سنوات لابتكار روبوت مستوحي من النباتات أطلقت عليه اسم “بلانتويد”، وتدور فكرته حول صناعة روبوت يتكون من أجزاء منفصلة وبدون شكل محدد سلفا ويمكنه تنظيم نفسه واتخاذ القرارات بشأن اتجاهات الحركة بناء على قرارات جماعية من كافة الأجزاء المستقلة التي يتكون منها.
وأدخلت مازولاي تعديلات على طريقة نمو الروبوت النباتي الجديد تختلف عن الفكرة السابقة، حيث اعتمدت هذه المرة على أسلاك بلاستيكية حول أسطوانة مثبتة داخل الغصن المركزي للروبوت، وتتحرك بواسطة محرك كهربائي صغير. وعند طرف الذراع، يوجد محرك آخر يدفع الأسلاك في فجوة داخل التربة الأرضية بعد تسخينها بواسطة وحدة مقاومة. وتتحرك الأسلاك داخل الأرض وهي في حالة السخونة، وعندما تبرد هذه الأسلاك فإنها تتصلب وتصبح أكثر تماسكا وقدرة على التشبث بالتربة الأرضية.
وبحسب تصريحاتها لموقع “بوبيولار ساينس”، ترى مازولاي أن مشروع الروبوت “بلانتويد” ربما يؤدي يوما ما إلى ابتكار وحدات استكشاف روبوتية يمكنها العمل في البيئات المظلمة بدون فراغات كبيرة مثل الكهوف والآبار، وتؤكد أن هذا المشروع أثار اهتماما كبيرة في أوساط خبراء الروبوتات في العالم لأنه يتغلب على كثير من التحديات ويحقق عناصر مختلفة مثل النمو الذاتي وتغيير الشكل والذكاء الجمعي لمكونات الروبوت؛ فضلا عن التطبيقات الواسعة لهذه الفكرة مثل دراسات البيئة وقياسات السموم في التربة والتنقيب عن المياه والنفط والغاز الطبيعي، مع إمكانية تطويع الفكرة واستخدامها في مجال الأبحاث الطبية، مثل ابتكار مناظير ذاتية الحركة تتحرك داخل الجسم دون أن تلحق ضررا بأعضاء الجسم أو الأنسجة.