بورتسودان.. سياحة قسرية تعيد زهرة الساحل إلى الحياة
وبعد أن خطفت العاصمة بريق بورتسودان الملقبة بـ”زهرة الساحل” لعقود ماضية، كانت محنة الحرب بمثابة نعمة على بورتسودان لتعيد اكتشاف المدينة الجميلة المطلة ساحل البحر الأحمر والغنية بمعالمها السياحية وطقسها الفريد، بعد أن شكلت وجهة آمنة قصدها سودانيون وأجانب للاحتماء بدفئها.
ويقول وائل علي ميرغني – المسؤول في أحد الفنادق ببورتسودان، لـ”اقتصاد سكاي نيوز عربية”: “منذ 20 يوماً يكتظ فندقنا بالنزلاء، وليس لدينا أي غرفة شاغرة، وهذ ا الأمر لم يحدث من قبل ولم أشاهده طوال فترة عملي بالفندق، حتى في مواسم مهرجانات السياحة والتسوق السنوية لم نحظ بهذا الكم من الزبائن”.
تحريك الركود
لم يتوقف الانتعاش الاقتصادي عند الفنادق والشقق السكنية فحسب، لكنه امتد ليحرك ركود الأسواق المحلية وأماكن الترفيه الأخرى ووسائل المواصلات، فجميع العاملين في هذه المجالات التجارية أكدوا تحقيق مبيعات غير مسبوقة خلال الفترة التي أعقبت اندلاع الحرب.
وتشير تقديرات غير رسمية إلى وصول ما لا يقل عن 100 ألف شخص إلى مدينة بورتسودان منذ اندلاع الصراع المسلح في منتصف أبريل الماضي، بعضهم سودانيين اتخذوها ملجأ آمناً، وآخرين أجانب وصلوها بهدف إجلاءهم إلى الخارج عبر الموانئ البحرية والمطار الذي تتواصل منه الرحلات الجوية الخاصة إلى الخارج.
وبالرغم من موقعها الاستراتيجي ومعالمها السياحية الواسعة، لم تكن بورتسودان وجهة سياحية محببة للسودانيين في الداخل وعاشت عقودا مظلمة تحاصر سكانها الأزمات المختلفة خاصة مياه الشرب والكهرباء والنقص المستمر في الخدمات الصحية والتعليمية، وسط ارتفاع معدلات الفقر بين مواطنيها الذين يعتمدون بشكل كلي في معاشهم على عمليات شحن وتفريغ السفن في الموانئ البحرية.
ارتفاع الإيجارات
بحسب سمسار عقارات تحدث لـ”اقتصاد سكاي نيوز عربية” فإن الوافدين الجدد أنعشوا سوق الإيجارات مع ارتفاع كبير في قيمة الإيجار، إذ ارتفع إيجار الشقة من 300 ألف جنيه في الشهر إلى مليون و200 ألف جنيه أي ما يعادل نحو ألفي دولار أميركي، مشيرا إلى أن العديد من الأشخاص يرغبون في الإيجار ولم يتمكنوا من الحصول عليه بالرغم من أن الأموال بحوزتهم، فاضطروا للإيواء بمباني المدارس والمساجد.
ويشير وائل علي ميرغني، المسؤول في أحد فنادق بورتسودان إلى أن غالبية الفنادق وضعت زيادة طفيفة على قيمة الاستضافة على النزلاء لمواجهة التكاليف الباهظة للتشغيل، لكن هناك زيادات مبالغ فيها حدثت في الشقق السكنية والمنازل حيث كان هناك نوعاً من الهلع في بادئ الأمر، ومع مضي الوقت حدث استقرار كبير.
وتحتضن بورتسودان معالم سياحية فريدة مثل جزيرتي سواكن، وسنكاب الغنيتين بالآثار والأصداف البحرية والشعب المرجانية، إلى جانب شاطئ رئيسي على ساحل البحر الأحمر وكورنيش يشكل سياجا طبيعيا للمدينة غني بالمحال التجارية والترفيهية، بالإضافة إلى منتجع اركويت جنوبي المدينة والذي يمتاز بطقسه البارد والمعتدل على مدار العام وتحفه الشلالات.
ووفق عبد القادر محمد – سائق سيارة أجرة في بورتسودان تحدث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” فإن “الوافدين إلى المدينة لم يهتموا كثيرا بالجانب السياحي، فكانت تحركاتهم مقتصرة على الأسواق ومحال الطعام، وبعضهم يذهب إلى الكورنيش الرئيسي الذي يشهد حركة تسجيل الأجانب وإجراءات إجلاءهم إلى الخارج”.
ويقول “لقد تحسن عملي بشكل كبير وزاد دخلي اليومي مقارنة بالفترة التي سبقت اندلاع الحرب. بالطبع ليست سعيد بذلك ونأمل أن يتوقف القتال ويعم الأمن ويعود الناس إلى منازلهم. هناك تكاتف كبير من سكان بورتسودان مع ضيوفهم، حتى سائقي المركبات آثر الكثير منهم عدم تنفيذ أي زيادة في قيمة التوصيل مراعاة لظروف الناس”.
دخل يتضاعف
ويقول راشد رفعت – صاحب مجمع للتسوق في بورتسودان لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: “خلال الثلاثة أسابيع الماضية، ارتفعت مبيعاتي بمعدل كبير يصل إلى 7 أضعاف عن السابق، هناك ضغط كبير على محالنا التجارية. توجد وفرة في كل السلع حيث وصلتنا البضائع من الخارج عبر ميناء أوسيف، لكن هناك أزمة كبيرة في المياه المعدنية والتي كانت تأتينا من الخرطوم وتوقف الإمداد، بينما لا يستطيع مصنع تنقية المياه المحلي تلبية الحاجة الكبيرة”.
ويضيف “بالطبع لسنا سعداء بمحنة الحرب التي أجبرت الناس لمغادرة منازلهم ونتمنى هدوء الأوضاع الأمنية ويعودوا إلى ديارهم، لكن في الواقع وجودهم حقق مكاسب اقتصادية كبيرة لمدينة بورتسودان التي عادت إلى الحياة بعد أن تلقت ضربة قوية بسبب إغلاق الموانئ والطرق المؤدية إليها لمدة 40 يوماً من قبل أهالي غاضبون العام الماضي”.
وعاشت بورتسودان ضائقة اقتصادية كبيرة بعد أن أغلق مجلس البجا الأهلي الموانئ الرئيسية للبلاد على ساحل البحر الأحمر نتيجة خلافات سياسية مع الحكومة الانتقالية السابقة بقيادة عبد الله حمدوك، وهو ما انعكس سلباً على الوضع المعيشي للمواطنين الذي يعتمد غالبيتهم في كسبهم على أعمال الشحن والتفريغ بالموانئ البحرية، لكن المدينة عادت إلى الحياة بفضل محنة الحرب الحالية.