اشتباكات السودان: مبادرات تطوعية في السودان لمواجهة ظروف الحرب
- علي القماطي
- بي بي سي نيوز عربي
تقترب المعارك في العاصمة السودانية، الخرطوم، والولايات الأخرى من إتمام شهرها الأول، ومازال الوضع على حاله رغم محاولات التهدئة.
لاشيء هناك سوى أصوات الرصاص، مشاهدُ المعارك، أسرٌ نازحة تحاول الفرار من ويلات الحرب، أسرٌ أخرى مكلومة، قتلى وجرحى، ولا أحد يبالي بوضع إنساني سيء يزداد سوءاً مع نقص إمدادات الغذاء والدواء وحتى الماء، كل ذلك وجه قاسٍ للحرب .
لكن يُقال إن للحرب وجوة عديدة، منها وجهٌ خجول تظهره الحرب أحياناً، يعكس – رغم بشاعة تعابيره – جانباً آخر مختلف، ففي الأزمات تبرز معادن القوم، وأي أزمة أشد من الحرب لتتماسك الشعوب والمجتمعات، وأي شيء أجمل من شعبٍ متعاضدٍ في أزمته.
أم درمان هي ثاني أكبر مناطق السودان وإحدى مناطق العاصمة الخرطوم الثلاث، على ضفتي نيلها دارت معارك شرسة أدت لإغلاق المدينة بشكل كامل، ونزح العديد من سكانها الذين تجاوزواالمليون نسمة، وبقي آخرون في منطقة توقفت فيها الحياة كلياً.
مساعدات خطرة
فرضت المعارك التي تشهدها أم درمان وضعاً إنسانياً صعباً، فمن اختار البقاء في هذه المدينة المنكوبة بات يعاني من نقص الغذاء والدواء، خاصة أدوية مرضى السكري والربو.
يقول سليمان جمال، أحد شباب المنطقة “إن حياة العديد من مرضى السكري والربو أصبحت مهددة بسبب إغلاق المستشفيات والصيدليات في المنطقة” وأشار إلى أن “عدداً من شباب المنطقة قاموابتشكيل غرفة طوارئ لتقديم المساعدة الإنسانية والصحية في نطاق الأحياء التي يعيشون فيها”.
ويروي سليمان لبي بي سي، تفاصيل مبادرة أطلقها عدد من شباب أم درمان بشكل تطوعي لإيصال الدواء لمحتاجيه، حيث يقومون بتوفير الأدوية “من أشخاص آخرين لديهم فائض، أو من خلال التواصل مع الهلال الأحمر والجهات الصحية الخيرية”، بالإضافة إلى وجود عدد من الكوادر الطبية ضمن فريق المتطوعين لإسعاف الحالات الطارئة، ويضيف أن “عمليات المساعدة تشكل خطراً كبيراً، حيث إن بعض المناطق التي يوجد فيها من يحتاجون للمساعدة، هي مناطق اشتباكات، ومع ذلك يحاول الشباب المتطوعون من المنطقة ولجان المقاومة الوصول إلى أكبر عدد ممكن من المحتاجين لإيصال الأدوية إليهم “.
هذه المبادرة التطوعية توسعت في بعض أحياء أم درمان الصغيرة لتشمل احتياجات غير الدواء، إذ يقول محمد يحي أحد الشباب المتطوعين في منطقة كرري في أم درمان لبي بي سي “إن الشباب المتطوعين قاموا بتوفير سلع غذائية لبعض الأسر التي انقطع عنها الغذاء في المنطقة”، مشيراً إلى أن الشباب يحاولون التواصل مع الهلال الأحمر ونقابة أطباء السودان لتوفير حاجيات الأسر في المناطق المتضررة، على حد قوله.
وأوضح يحي أن”هناك صفحات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تم إنشاؤها لاستقبال طلبات المساعدة في الحي وخارجه، يتم من خلالها استقبال الطلبات ليتم بعدها التواصل مع فاعلي الخير، أو المنظمات الصحية المحلية والدولية وتوفيرها، ثم يقوم المتطوعون بإيصالها”، مشيراً إلى أنهم استقبلوا عشرات الطلبات في حين مازال “العديد من المرضى وكبار السن داخل المناطق المتضررة بحاجة ماسة لتوفير الدواء”.
“فاعل السودان”
المساعدات التطوعية لم تقتصر فقط على توفير الدواء والغذاء لمحتاجيه، ففي العاصمة الخرطوم تقوم مجموعة تُعرف باسم “فاعل السودان”، بمساعدة الفنانين والمثقفين في مناطق الصراع ومحاولة إجلائهم لمناطق آمنة.
ويقول راشد بخيت المسؤول الإعلامي لفاعل السودان “إن المجموعة تشكلت عام 2020 نتيجة لورش عمل مختلفة في عدد من الدول بهدف دعم القطاع الثقافي السوداني”، ولعبت من خلال ممثليها في المناطق المختلفة، دوراً كبيراً في العديد من الحروب التي شهدها السودان خلال السنوات الماضية من خلال معالجة مشاكل الحرب وتسليط الضوء على القضايا المجتمعية عبر الثقافة والفنون.
يتركز عمل مجموعة فاعل السودان على الوسط الفني والثقافي فقط، إذ يعتبر بخيت نقص الموارد والإمكانيات، عائقاً في سبيل أن توسع المجموعة نشاطها لتشمل كافة شرائح المجتمع.
ويشير بخيت إلى أن المجموعة ساهمت في “نجدة الباحث في الشأن النوبي مرغني ديشاب والذي علق في منطقة السوق العربي خلال الثلاثة أيام الأولى من الحرب”، كما ساعدت في الوصول إلى الكاتب الروائي السوداني أحمد أبو حازم، بعد أطلقت المجموعة نداءات عبر مواقع التواصل الاجتماعي للبحث عنه.
أحياء شعبية آمنة
وفي حي الكلاكات جنوبي الخرطوم تجمع أيضاً عدد من الشباب بشكل تطوعي بهدف تأمين منطقتهم في ظل الانفلات الأمني الذي رافق المعارك في العاصمة الخرطوم، يقول أحد الشباب المتطوعين في حي الكلاكات وليد حسن لبي بي سي: “إن الشباب قاموا بتقسيم أنفسهم لعدد من المجموعات الصغيرة لتأمين مخارج ومداخل “الحي الشعبي والأحياء المجاورة من السرقات في غياب الأجهزة الأمنية في المنطقة”.
لم يقتصر عمل الشباب التطوعي على تأمين الأحياء فقط، إذ يوضح حسن أن الشباب يقومون بتنظيم الصفوف أمام المخابز والمتاجر منعاً للتدافع، كما حلّ أولئك الشباب محل أعضاء الجمعيات الخيرية الذين هجروا الحي جراء الحرب الدائرة كما يروي حسن.
ربما كان السودان بلداً مثقلاً بالحروب، ففي تاريخ هذا البلد لا تكاد تنتهي حرب إلا وتشتعل أخرى، فالمعارك التي تشهدها البلاد حالياً هي الرابعة منذ الإطاحة بالبشير منذ 2018، ويتمنى وليد أن تنتهي هذه الحرب بسرعة لتعود الحياة إلى طبيعتها في بلاده، لكنه يؤكد أن الجهود التطوعية ستستمر إذا ما استمرت الحرب .