العلاقات المغربية الإسرائيلية .. “برود دبلوماسي” وتعاون عسكري اقتصادي
تتعرج العلاقات الإسرائيلية المغربية في مسارات التعاون الأمني والعسكري والاقتصادي، ليبقى مجال التعاون السياسي في حالة غياب حتى الآن، مع استمرار “تحجيم” التمثيلية الدبلوماسية بين الرباط وتل أبيب.
وحل اسم جديد على رأس مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط، وذلك بعد منشور رسمي للمكتب في حسابه على “تويتر”، يشير فيه إلى “تعيين شاي كوهين خلفا لألونا فيشر”، اللذين بدورهما يعتبران خلفا لرئيس المكتب الأسبق ديفيد غوفرين.
السيرة الذاتية لشاي كوهين تظهر مساره الأمني والاقتصادي، وقد عمل لأزيد من سنة في منصب المبعوث الخاص للدفاع والتعاون الإلكتروني والصادرات بالخارجية الإسرائيلية، كما تقلد عدة مهمات دبلوماسية في كل من تركيا وإيطاليا ثم أوروغواي.
ويأتي تعيين كوهين بعد جدل رافق مؤشرات حول “عودة غوفرين المتهم بجرائم جنسية”، إذ يخضع لتحقيق داخلي من قبل سلطات وزارة الخارجية لتل أبيب، وهي المرحلة التي عرفت بحسب تقارير “برودا في المجال الدبلوماسي، وتصاعدا في التنسيق العسكري والاقتصادي”.
السفارة ليست أولوية
جوابا عن سؤال بقاء العلاقات المغربية الإسرائيلية متأرجحة بين المجالين السياسي والعسكري الأمني، ويبقى المجال الدبلوماسي في “فلك المجهول”، قال لحسن أقرطيط، الكاتب والباحث في العلاقات الدولية، إن “الوضع الحالي يجعل الارتقاء بمكتب الاتصال الإسرائيلي إلى سفارة أمرا ليس ذا أولوية”.
“التعاون الثلاثي الذي جمع الرباط وتل أبيب وواشنطن جاء استجابة للمتغيرات الجيو-سياسية”، يضيف أقرطيط في حديث لهسبريس، وزاد مبينا أن “هذا التنسيق جاء للحد من الدور السلبي الذي تلعبه إيران في المنطقة بإيعاز من حليفتها الإقليمية الجزائر، وهو الأمر الذي جعل العلاقات بين تل أبيب والرباط يطبعها المجال الأمني والعسكري”.
تضع الرباط وتل أبيب، بحسب الكاتب والباحث في العلاقات الدولية عينه، “التعاون العسكري والاقتصادي في خانة الأولويات، لأن التهديدات الإيرانية الجزائرية التي تقف على تخوم الصحراء المغربية أصبحت تتزايد كل سنة، والحصول على حليف قوي كتل أبيب سيمكن من تخفيف حدة هاته التحديات”.
وأورد المتحدث سالف الذكر أن “الإمكانيات العسكرية التي توفرها تل أبيب تعد هائلة من الناحية التكنولوجية، كما أن المملكة المغربية توفر فرصا اقتصادية مميزة لرجال الأعمال الإسرائيليين، وهنا يحقق المغرب سياسته المعهودة والمعروفة بمنطق ‘رابح-رابح’”.
الاعتراف بمغربية الصحراء
استبعد أقرطيط أن “يكون للانتهاكات التي مارستها السلطات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، واستنكرها المغرب في بيان شديد اللهجة، أي دور في عرقلة التعاون الدبلوماسي بين البلدين”، موضحا أن “المغرب كان واضحا في رده على التصرفات الإسرائيلية، وعند عودة العلاقات مع تل أبيب كان صريحا في مسألة الدفاع عن القضية الفلسطينية”.
وحول معطى تأجيل قمة “النقب 2″، الذي “أسال الكثير من المداد، وأطلق العنان للعديد من الفرضيات حول مستقبل العلاقات بين تل أبيب والرباط”، شدد المصرح لهسبريس على أن “تأجيل القمة مرتبط بالترتيبات التي تسبقها، ولا يمكن أن يكون للانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية أي دور في تأجيلها، لأنها قمة ذات بعد إستراتيجي ومهمة بشكل كبير لاستمرار التعاون الثلاثي الذي ترعاه واشنطن”.
وحول مستقبل التمثيل الدبلوماسي بين الطرفين، خلص المتحدث ذاته إلى أن “الارتقاء بمكتب الاتصال الإسرائيلي إلى سفارة يرتبط بالظروف الإقليمية، التي تصب في مسألة الاعتراف الإسرائيلي بمغربية الصحراء من جهة، والتزام واشنطن بوعودها سنة 2020 بفتح قنصلية لها بالداخلة”.
الشكليات غير مهمة
أوضح الأستاذ بجامعة محمد الأول بوجدة خالد شيات أن “التقارب بين إسرائيل والمغرب يطبعه استحواذ حكومي وإستراتيجي لهاته العلاقات، الأمر الذي يغيب العديد من القضايا المشتركة ذات الطابع المجتمعي والدبلوماسي، في مقدمتها السفارة التي تطالب بها إسرائيل”.
وأضاف شيات، في تصريح لهسبريس، أن “شكل التمثيل الدبلوماسي بين البلدين لا يهم حقا، إذ يبقى منسوب التعاون والتنسيق هو الأبرز، مع الحرص على مضاعفة التبادل التجاري، وزيادة التبادل العسكري، والحرص على الاستفادة من الخبرة الإسرائيلية في التقنيات العسكرية الحديثة”.
“البلدان يحملان معا حمولة ثقافية واجتماعية مهمة، تجعل التقارب بينهما فريدا، ويخضع دائما لمنطق الزمن”، يورد الأستاذ بجامعة محمد الأول بوجدة، مفسرا أن “العديد من المحطات التي مرت منها العلاقات بين الطرفين أوضحت للفاعلين الحكوميين أن سيرورة التعاون بين الرباط وتل أبيب تحتاج إلى الوقت لتصل إلى مستويات متكاملة، خاصة أن المجتمع المغربي والجهات الرسمية، وفي مقدمتها الملك، من أكبر المدافعين عن فلسطين”.
وخلص الشيات إلى أن “التحركات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية مهمة بالنسبة لاستقرار العلاقات بين البلدين، وما حدث مؤخرا كان له دور كبير في إبعاد التعاون الدبلوماسي عن مرحلة التكامل الإستراتيجي”.