مذكرات جاسوس سابق تكشف تغلغل المخابرات الفرنسية في القارة الإفريقية
بعد سنوات قضاها متنقلا بين عدة دول إفريقية، من جمهورية إفريقيا الوسطى إلى بوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية، يصدر العميل السابق لجهاز المخابرات الفرنسية ريتشارد فولانج (اسم مستعار) كتاب مذكرات له بعنوان “الجاسوس: 44 سنة في الإدارة العامة للأمن الخارجي”، سيخرج للأسواق في الـ11 من الشهر الجاري.
وضمن أنشطته السرية، احتفظ فولانج بعشرات الصور التي ضمنها في كتابه، كاشفا بذلك “الوجه الخفي والعلاقات المضطربة” لفرنسا مع مستعمراتها السابقة، من خلال مجموعة من الأحداث التي كان شاهدا عليها أو مشاركا وفاعلا فيها.
وفي حوار أجرته معه “جريدة لوباريزيان” الفرنسية، أكد العميل الفرنسي السابق أنه كان شاهدا على سقوط حكم “موبوتو سي سيسوكو” في الكونغو عام 1997، وعلى الإبادة الجماعية في رواندا، ثم على تفاصيل اعتقال الجهادي “بيتر شيريف” المسؤول عن هجمات شارلي إيبدو، في جيبوتي؛ إضافة إلى أنه عمل مستشارا للرئيس السابق لجمهورية إفريقيا الوسطى “فرونسوا بوزيزيه”.
العميل ذاته أكد أن فرنسا في أوائل التسعينيات كانت تسيطر على كل شيء عبر مخابراتها، غير أن أفعالها “لم ترق الجيل الجديد من الأفارقة”، وتضررت معها صورة باريس التي ألقت عليها الأجيال الشابة اللوم في كل ما لحق بها، وتوجهت نحو دول أخرى كالصين، مردفا: “هكذا كنت شاهدا على نهاية الحقبة الفرانكو-إفريقية”.
وعن سؤال حول تجنيد المصادر التي تمد المخابرات بالمعلومات، أجاب فولانج: “إذا كنت تريد معلومات عن الوضع السياسي والأمني لبلد ما فلتتوجه إلى ضباط الشرطة، اعرف عائلاتهم وأصدقائهم، ثم حدد هل يحتاجون إلى نقود أو تأشيرة أو رعاية طبية لأحد أفراد أسرتهم، ودعهم يحصلون على ذلك لتحصل منهم تدريجيا على كل المعلومات التي تحتاجها”.
وفي نهاية حواره مع الجريدة الفرنسية، صرح العميل المخابراتي السابق بأن “التقاعد من وظيفة الجاسوسية جعله يشعر بالملل والاكتئاب”، غير أنه أردف قائلا: “لحسن الحظ لدي حفيدان أعتني بهما رفقة زوجتي”.
وليد موحن، الباحث في التاريخ، أكد أن تاريخ الجاسوسية الفرنسية في إفريقيا بدأ منذ القرنين الـ18 و17، “لما أرسلت فرنسا مجموعة من الخبراء لاستكشاف القارة الإفريقية وإعداد تقارير استخباراتية وعلمية عن عادات وتقاليد الشعوب المحلية”.
وأضاف الباحث ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس، أن “بعض عملاء المخابرات الفرنسيين نجحوا في اختراق دواليب السلطة في عدد من الدول، خاصة في القرن الإفريقي”، وزاد: “استغلت فرنسا أزمات عدد من البلدان لاستنزاف خيراتها بداعي نشر الحضارة الفرنسية في القارة”.
وتابع موحن بأن “الاستعمار الفرنسي لما خرج من بعض الدول في القارة ترك معطيات اقتصادية ومجموعة من النخب التي تدين له بالولاء، وهو ما سماه السياسي الفرنسي السابق إدغار فور الاستقلال داخل التبعية”.
وخلص المتحدث ذاته إلى أن “الوجود الفرنسي في إفريقيا لم يعد مرحبا به خلال السنوات الأخيرة، وهو ما جعل بعض الدول تنوع من شراكاتها الإستراتيجية مع قوى دولية كبرى، على غرار الصين”، مستشهدا في هذا الإطار بالتجربتين المغربية والرواندية، ومردفا بأن “حضور باريس في القارة السمراء أصبح يقتصر فقط على الجانب العسكري، وفي بعض الدول القليلة التي تشهد أزمات وانفلاتات أمنية”.