تجفيف مصادر التهريب والترويج | صحيفة مكة
وتحولت المخدرات إلى صناعة وتجارة ضخمة ومتنوعة ومتجددة، تمارسها المجموعات المنظمة والمارقة والحكومات الفاشلة، والشبكات الدولية لتهريب المخدرات لاستغلال الدول واستنزاف مواردها وتدمير شعوبها.
وبلادنا من أكثر الدول استهدافا لتجار المخدرات وصانعي الموت، بهدف تعطيل الإصلاحات والتحولات والتطورات النوعية التي نعيشها في بلادنا، وانفتاحنا على العالم وتغير نمط حياتنا الاجتماعي والاقتصادي، واستغلال مستوى الرخاء الذي نعيشه والرفاه الاجتماعي، وتوفر السيولة المالية، وتدمير أكبر مقوماتنا الوطنية ممثلا في فئة الشباب التي تمثل الشريحة الأكبر من عدد السكان، والتأثير على قواتنا المسلحة بقطاعاتها كافة على المنافذ البرية والبحرية والجوية، وقوى الأمن الداخلي التي تقف عائقا أمام مهربي ومروجي المخدرات ومنع سمومهم، والتأثير على سمعة الدولة ومكانتها والاستثمار فيها، ومستوى السياحة الذي فاق كل التوقعات خلال مدة قصير مقارنة بكثير من الدول المصنفة سياحيا.
وما تقوم به المملكة هذه الأيام من حملات على مهربي ومروجي ومستخدمي المخدرات بإشراف مباشر من ولي العهد، وبجميع الأدوات الأمنية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية، يعكس خطورة انتشار المخدرات والتعامل معها ضمن الأولويات الوطنية لحماية وطننا وأجيالنا، وللمحافظة على المقدرات والمكتسبات الوطنية.
الحرب على المخدرات هي من أنزه أنواع الحروب بالنظر إلى نطاق انتشارها وخطورتها التي تمس مكونات النسيج الاجتماعي، وآثارها المدمرة للإنسان.
ومن المهم جدا الوقوف على الأسباب التي تدفع الشباب، ذكورا وإناثا، إلى المخدرات للحد من انتشارها بين الشباب وتوفير بيئة عائلية واجتماعية صحية وآمنة ومستقرة، إذ يأتي في مقدمة أسباب انحراف الشباب وبحثهم عن المخدرات أو قبول عروضها العنف الأسري بكل صوره، من الضرب والتوبيخ والتسلط والإهمال والقسوة والجفاء، وعدم الاستقرار الأسري الناتج عن الخلافات الزوجية المتكررة والمزمنة، أو حتى حالات الطلاق والخلع والتفكك الأسري، وقضاء الزوجين معظم أوقاتهما خارج المنزل، والأنانية والتمييز بين الأبناء، وعدم المشاركة في الحياة الأسرية والانعزال في الغرف الخاصة، والانكفاء على وسائل التقنية الحديثة وإدمانها، وتقييد الحريات، و الفضول وحب الاستطلاع والتجربة لدى بعض أنماط شخصيات الشباب، وعدم إدراك مخاطر التجربة الأولى وآثارها، والفراغ وعدم الالتحاق بأي فرصة وظيفية ملائمة أو حتى غير ملائمة، وترويج وسائل التواصل الحديثة والقنوات الفضائية المحلية والعالمية للمخدرات بشكل مباشر أو غير مباشر، والفشل الدراسي أو الوظيفي، وأصدقاء السوء، وضعف الوازع الديني، والبعد عن أداء التكاليف اليومية من شعائر الدين الإسلامي، خاصة الصلاة، وعدم الوعي بالضروريات الحياتية ومنها حفظ الدين والنفس والمال، والضغوط الحياتية المزمنة والمرهقة وآثارها النفسية والاجتماعية، وضعف برامج التوعية بأضرار المخدرات على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع.
نجاح حربنا الوطنية على المخدرات كسعوديين لا يمكن أن يخالطها أي شك، لثقتنا المطلقة في عزيمة قيادتنا وفي كفاءة ومهارة قواتنا الأمنية وأجهزتنا الحكومية الوطنية الأخرى ذات العلاقة بمكافحة المخدرات، وارتفاع معدل الوعي المجتمعي بمخاطر هذه الآفة، ومع ذلك من الضروري ديمومة التعاون بين المؤسسات الرسمية وغير الرسمية.
فالأسرة يقع عليها العبء الأكبر في حماية أبنائها من الانحراف، وذلك بتحمل الزوجين المسؤولية الكاملة في بناء أسرة آمنة صحيا ونفسيا واجتماعيا، وتقديم التضحيات الكفيلة باستقرار الأسرة تحت كل الظروف، والمؤسسات الإعلامية والتربوية على وجه الخصوص لها دور حيوي وأساسي، بحكم وظائفها ومهامها الرسمية وأدواتها ومستوى تأثيرها الكبير تجاه كل شرائح المجتمع.
ويبقى وبصراحة التحديان الكبيران لضمان نجاح حربنا على المخدرات، هما: تجفيف مصادر تهريب المخدرات بشكل جذري ونهائي بالتنسيق والتعاون مع الدول الصديقة والمجاورة، خاصة تلك التي نرتبط معها بحدود برية.
وبديمومة الحملات الأمنية داخل حدود الوطن للمروجين والمتعاطين، ومتابعتهم وملاحقتهم في الفضاء الافتراضي، ورفع مستوى الوعي بمخاطر المخدرات وآثارها المدمرة بأساليب حديثة تتناسب وأجيال اليوم، لتحقيق الفاعلية التي ننشدها في المحافظة على أجيالنا من آفة المخدرات.
[email protected]