سياسة تركيا الاقتصادية تواجه تحديا كبيرا “من زلزال إلى آخر”
بعد أكثر من عقدين، يجد الرئي التركي نفسه أمام ظروف أكثر شدة لكن أمام تحدٍّ مشابه: دفع ثمن زلزال 6 فبراير الذي أوقع أكثر من خمسين ألف قتيل في الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقررة في 14 مايو.
ورأى مليح يشيلباغ أستاذ علم الاجتماع في جامعة أنقرة أن إردوغان وحزبه المحافظ “وصلا إلى السلطة بزلزال، وقد يطيح بهما زلزال آخر”.
وذكّر بأنّه حين تسلّم حزب العدالة والتنمية السلطة في 2002 “كان تحديث البنى التحتية من وعوده الرئيسية. وبعد عشرين عاما، بإمكانكم رؤية ما يجري”.
وأودى زلزال 1999 بأكثر من 17 ألف قتيل في شمال غرب البلاد وفضح هشاشة المباني.
ومع وصول إردوغان إلى السلطة في 2003، اعتمد نموذجا اقتصاديا جديدا يرتكز على القطاع العقاري والورش الكبرى، محدثا تحولا عميقا في تركيا.
وشُيّد أكثر من عشرة ملايين مسكن خلال عشرين عاما في تركيا، وعلق يشيلباغ “إنه رقم مذهل، أكبر من نصف ما تم تشييده في جميع بلدان الاتحاد الأوروبي مجتمعة خلال الفترة ذاتها”.
براعة في القطاع العقاري
وأوضح أتيلا يشيلادا من مكتب “غلوبال سورس بارتنرز” للاستشارات أن “قاعدة حزب العدالة والتنمية الأصليّة مؤلفة من مقاولين صغار ورجال أعمال من الأناضول برعوا في القطاع العقاري وصفقاته”.
وتسارعت الفورة العقارية مع الأزمة المالية في 2007-2008 التي حملت الولايات المتحدة وأوروبا على خفض نسب الفائدة إلى الصفر، ما شكل مصدر ثروة لتركيا.
ومع توارد قروض بمليارات الدولارات بدون فوائد، تمكنت حكومة إردوغان من إعطاء وجه جديد لمعظم المدن وربط المحافظات بواسطة شبكة من الطرقات العامة والمطارات.
كذلك سمحت فورة البناء بربط الأتراك الأقل تدريبا بسوق العمل، ما عزز قاعدة حزب العدالة والتنمية الانتخابية.
وشدد أتيلا يشيلادا على أن “هذا جاء بنتائج جيدة فعلا بالنسبة لتركيا، ولّد طبقة جديدة مزدهرة من أنصار حزب العدالة والتنمية الذين أصبحوا من سكان المدن وانضموا الى الطبقتين المتوسطة والغنية”.
علاقة محرمة
شهد الاقتصاد التركي ازدهارا كبيرا في العقد الأول من حكم إردوغان، وشكل قطاع البناء والصناعات التي أدى إلى تطويرها حوالي ثلث هذا الازدهار في ذروة النمو عام 2013.
وقال عثمان بالابان أستاذ تخطيط المدن في جامعة الشرق الأوسط التقنية في أنقرة إن “قطاع البناء يتطلب يدا عاملة كبرى، ويولد بالتالي كمية كبيرة من الوظائف القصيرة الأمد”.
غير أن ذلك لم يدم طويلا.
فمع اندلاع أزمة دبلوماسية حادة مع واشنطن وإدارة الرئيس السابق دونالد ترامب عام 2018 والشروع في زيادة تدريجية لمعدلات الفائدة في الغرب، انهارت الليرة التركية، ما أدى إلى ارتفاع كلفة تسديد القروض بالدولار.
وقال مليح يشيلباغ إن “كلفة البناء أصبحت مرتفعة جدا”.
وواصل المقاولون دعم حكومة إردوغان لقاء حصولهم على مشاريع جديدة.
وأضاف “تحول ذلك إلى ما يشبه علاقة محرمة، إذ شعر المقاولون أنّهم مرغمون على دعم حملة إعادة انتخاب إردوغان.
لكن العائدات أصبحت سلبية على مر السنين”.
انقطاع العقد الاجتماعي
وأوجه الشبه بين الزلزال والأزمة الاقتصادية هذه السنة وظروف العام 1999 مذهلة.
فتخطى التضخم 85 بالمئة في الخريف، مسجلا أعلى مستوى منذ 1998، بعدما خفض إردوغان معدلات الفائدة سعيا لتحفيز الانتاج.
ومع انهيار الليرة التركية، بات إردوغان يعول على دعم دول الخليج.
ويرى المحللون أن العقد الاجتماعي الذي يربطه بناخبيه انقطع.
غير أنهم يحذرون من أن الاستقطاب الشديد في تركيا قد يمنع مرشح المعارضة كمال كيليتشدار أوغلو من الفوز في الانتخابات.
واعتبر عثمان بالابان أن “الأضرار الجسيمة الناتجة عن الزلزال أطاحت بصورة الازدهار التي كان يفرضها إردوغان وحزبه”.
وأكثر ما أساء إلى هذه الصورة انهيار العديد من المباني المشيدة في عهد إردوغان خلال ثوان عند وقوع الزلزال، ما كشف عن عدم احترام معايير البناء المقاومة للزلازل.
وقال بالابان أن هذا “قد يؤثر على الانتخابات، لكنني لا أدري إن كان كافيا للتسبب بسقوط إردوغان”.