آخر خبر

فقدُ العلماء | صحيفة مكة


ساعة الموت لا يستطيع أحد – كائنا من كان – أن يؤخرها عن نفسه، سيمر بها كل منا، شاء أم أبى!. ساعة الموت والانتقال من الحياة الدنيا إلى الأخرى.

“كل ابن أنثى وإن طالت سلامته

يوما على آلة حدباء محمول”

وإن للموت وقع عظيم على النفوس، يعصر قلوب الأحباب، ويخطف الأنفس والألباب، وهذا الأثر على النفس يصبح أكثر جللا وأعظم خطبا، عندما يكون الفقيد رجلا عظيما، وعالما جليلا.

“وكانت في حياتك لي عظات

وأنت اليوم أوعظ منك حيا”

لقد فقد الوطن أحد رموزه، العالم الفقيه، الأصولي المتقن، المؤرخ الحجة والتقي الورع، معالي الأستاذ الدكتور عبدالوهاب إبراهيم أبو سليمان – عضو هيئة كبار العلماء – رحمه الله رحمة الأبرار، وأسكنه مع الأنبياء والمرسلين والصالحين والأخيار.

ماذا أقول عنه؟ وإلى من أنعاه؟ وبأي الكلام أرثيه؟، ومن أين يتأتى القول فيه وقد أوقفني رزء المصاب به في مفترق سبل، تتلاقى عنده حسان المآثر والخصال، وجلائل العطايا والأعمال.

أفأنعاه إلى العلم والمكتبة العلمية.. وقد عرف فقيها متمكنا، مؤصلا متقنا، ومؤرخا متفننا، أنتج العشرات من المؤلفات والأبحاث والمقالات والمحاضرات التي ناقش فيها أدق قضايا العصر العلمية، الاجتماعية، الاقتصادية، المصرفية المالية، التاريخية وفي القانون الإسلامي، جمع فيها بين الأصالة والتجديد في تأصيل اتسم بالرصانة والإيضاح على منهج السلف الصالح.

أم أنعاه إلى مكة المكرمة؟! وهو أبرز مؤرخيها ومرجع تاريخها، عرفته محبا للحرم، كثير الطواف بالكعبة، كنت ألتقيه بشكل يومي قبل أكثر من خمس وأربعين عاما يطوف قبل صلاة الفجر، فأنشرح بمرآه، وأغتبط بلقياه، وقد ألف في مكة المكرمة العديد من المؤلفات الهامة، كان من أبرزها: الأماكن المأثورة المتواترة في مكة المكرمة.

أم أنعاه إلى حدائق غناء من الفضائل والمكارم، انطوت عليها نفسه الزكية، وأزهرت في عمره المديد عالما عاملا، مخلصا متفانيا في خدمة دينه ووطنه وأمته، وخدمة العلوم تأليفا وتحقيقا وبحثا وتأصيلا، عاشه طيب المعشر، عزيز النفس، حريصا على الوفاق، بعيدا عن الشقاق، لينا في غير ضعف، متواضعا في غير تكلف، قدوة في الخلق والسلوك، ضرب أروع الأمثلة في الوفاء والبر لشيخه حسن المشاط، فكان كثير الذكر لمناقبه، عظيم الدعاء له، اهتم بمكتبة شيخه المشاط اهتماما كبيرا، ثم أهداها إلى مكتبة مكة المكرمة بعد وفاته.

لقد حُق لكل درب من دروب هذه المآثر طلب النعي والرثاء في فضيلته، غير أن دمعة حارة لفراقه تغص بها نفسي، تلح عليّ أن أنعاه أبا وصهرا، وأرثيه عالما ومرشدا. بعد أن جمعتني به – بداية – أروقة الحرم وكعبته وسجادته في علاقة ود واحترام، وكنت أتردد على مجلسه في الحرم، فكان عندما يراني مقبلا عليه يقف ويسبقني إلي بكل أدب رفيع، وتواضع بديع، ثم جاءني خاطبا إحدى بناتي فحظيت بمصاهرته، أسبغ الله عليه شئابيب الرحمات، وأسكنه في أعلى الجنات.

ومن الوفاء أن أستذكر صديقه وصفيه، وزميله في جامعة أم القرى، أستاذي فضيلة الشيخ الدكتور محمد إبراهيم أحمد علي، وقد جمعتهما علاقة صداقة وأخوة وثيقة، كانت نموذجا يحتذى به لأخلاق العلماء، ونبراسا يقتدى به لعلاقة الفضلاء، رجال حُق لنا أن نبكيهم ونرثيهم، كيف لا والحسن البصري – رحمه الله – يقول: “موت العالم ثُلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار”.

اللهم ارحم عبدك عبدالوهاب أبو سليمان، وتغمده بالرحمة والغفران، والروح والريحان، والرضا والرضوان، وأعلِ مقامه في الجنان، وتقبله في الصالحين، واحشره مع الشهداء والنبيين. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى