تتويج تشارلز الثالث يسائل مواقف المملكة المتحدة من الصحراء المغربية
بين جدران “بيوت البرلمان”، أو كما يسمى قصر “ويسمنستر” العريق، جرى تتويج العاهل البريطاني تشارلز الثالث في حفل مهيب، بحضور كبار شخصيات وقادة الدول، بينهم الأميرة لالة مريم، ممثلة الملك محمد السادس ضمن هذه المناسبة، في تجسيد للعلاقات التاريخية الراسخة بين أقدم الملكيات في التاريخ.
وتبقى بريطانيا من أبرز الشركاء الدوليين للمغرب في شتى المجالات، سواء السياسية أو الاقتصادية، فموقفها من قضية الصحراء المغربية يبقى إيجابيا، كما يحظى مقترح الحكم الذاتي بتأييد واسع من قبل لندن؛ أما اقتصاديا فإن المتغيرات الطاقية بالعالم دفعت بريطانيا إلى اللجوء إلى المغرب كبديل طاقي نظيف، عبر مشروع “الكابل البحري”.
المعطى تجسد بشكل واضح في خطابات الملك محمد السادس، وفي رسالة التهنئة التي وجهها إلى العاهل البريطاني تشارلز الثالث، ما يبين حرصه الكبير منذ توليه العرش على تطوير الشراكة التاريخية مع المملكة المتحدة.
في الوقت ذاته، وبحسب تقارير إعلامية، “بدأت تظهر العديد من المؤشرات على تبني لندن موقفا صريحا من مغربية الصحراء كما هو الحال مع واشنطن”، التي تعد تاريخيا “اللاعب الدولي المشترك” للندن.
الحاجة إلى وقت
عبد العزيز قراقي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، اعتبر أن “الشراكة بين لندن والرباط قديمة جدا، وتعود لقرون خلت، إذ يعتبر البلدان من أقدم الملكيات عبر العالم، الأمر الذي ترتبت عنه مجموعة من الروابط في شتى المجالات”.
وأورد قراقي، في تصريح لهسبريس، أن “التقارب بين النظاميين الملكيين انعكس على مستويات متعددة، خاصة المجال التجاري، إذ في الزمن القديم كان الشريك البريطاني الأول بالنسبة للرباط، وليس الدول الأوروبية الأخرى، على غرار فرنسا وإسبانيا، وهو ما يجعل العلاقات بين البلدين ممأسسة عبر التاريخ، وتتجدد باستمرار”.
وحول مستقبل الموقف البريطاني من قضية الصحراء، أشار أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط إلى أن “المسألة ترتبط بالسياق الزمني فقط، فقيم إنجلترا تحتم عليها احترام القانون الدولي، كما أنها تدرك أكثر من أي طرف آخر أن الصحراء للمغرب، وأنه لا سلطة ثانية لها الاحقية في تأسيس دولة جديدة بالمنطقة المغاربية”.
وفي السياق ذاته أضاف المتحدث أن “تغير الموقف البريطاني من قضية الصحراء ليصل إلى الاعتراف بمغربيتها يحتاج القليل من الوقت، حتى يأتي في سياق مناسب، فالنخب السياسية بلندن تعلم أن هذا الاعتراف سيكون المسمار الأخير في نعش أطروحة الانفصال، الأمر الذي يتطلب تريثا أكبر”.
“خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي جعلها تبحث عن تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع دول مختلفة، وأقرب هؤلاء الشركاء هو المغرب”، يورد قراقي، قبل أن يستدرك بأن “مشروع الكابل البحري خطة اقتصادية ذكية ستنقل العلاقات بين البلدين إلى مستويات متطورة وحديثة”.
بريطانيا وفشل فرنسا
يوضح محمد بنحمو، الخبير في العلاقات الدولية والشؤون الإستراتيجية، أن “مكانة بريطانيا لدى المغرب كانت دائما متميزة، ولو أنها تغيرت في مرحلة الحماية، الأمر الذي جعل الحضور الفرنسي يطغى على المشهد، ما أثر على تطور العلاقات بين البلدين”.
واعتبر بنحمو، في حديث لهسبريس، أن “المغرب حرص في عهد الملك محمد السادس على تنويع الشراكات مع عديد من الدول، وفي مقدمتها بريطانيا، والخروج من خانة الاعتماد على فرنسا”، وزاد: “العلاقات بين لندن والرباط استمرت في نهج متميز على عكس فرنسا التي خضعت العلاقات معها للمتغيرات الظرفية”.
“بريطانيا تعقد العلاقات مع الدول الأخرى بمنطق الشراكة والأخوة”، يورد الخبير في العلاقات الدولية والشؤون الإستراتيجية عينه، مشددا على أن “فرنسا مازال يطبعها التفكير الاستعماري تجاه المغرب، وهو الأمر الذي يتجسد في ملف الصحراء”، ومفسرا بذلك أن “تغير الموقف البريطاني في العهد الجديد لتشارلز الثالث أصبح قريبا، ولو أن للملك في بريطانيا دور ضعيف في السياسة الخارجية، لكن النخب في الدولة العميقة تأخذ برأيه تماما، الأمر الذي سينعكس مستقبلا على العلاقات مع المغرب، الذي يقدم نفسه لبريطانيا ومختلف دول العالم على أنه شريك موثوق”.
وخلص بنحمو إلى أن “المرحلة الحالية بين لندن والرباط تدخل عهدا جديدا بين دولتين عمرتا في التاريخ، ما يجعل مختلف التحديات الراهنة تدخل في صلب اهتمامهما المشترك، مع وجود تنسيق مكثف، كما يحدث في مجال الطاقة والتجارة”.