إقرار الملك عطلة السنة الأمازيغية .. قرار شجاع يرفع شأن الهوية الوطنية
ما زال عموم المغاربة يعيشون نشوة الفرحة التي خلفها قرار الملك محمد السادس جعل رأس السنة الأمازيغية يوم احتفال وطني وعطلة مؤدى عنها، بعد سنوات من رفع فعاليات أمازيغية من مختلف المشارب والتوجهات لهذا المطلب.
القرار الملكي حظي بتأييد واسع من قبل المواطنين المغاربة الذين عبروا عن شكرهم له في منشورات متنوعة بوسائل التواصل الاجتماعي، وفتح الباب أمام تطور جديد في مسار تفعيل ورش تنزيل وفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية.
وشكل القرار الملكي تجاوبا مع مطالب فئات وهيئات مدنية واسعة، لطالما نادت بهذا المطلب ورفعت رسائل بخصوصه إلى الديوان الملكي والسلطات الحكومية؛ وهو الأمر الذي يفسر الاحتفالات الكبيرة المنتشرة عبر ربوع الوطن، وامتدت الاحتفالات لتصل مغاربة العالم الذين عبروا عن احتفائهم بالقرار الملكي بطريقتهم الخاصة.
قرار سياسي شجاع
علي منيف، الأستاذ الباحث في الشأن الأمازيغي، سجل أن القرار السيادي الذي اتخذه الملك محمد السادس بخصوص إقرار رأس السنة الأمازيغية عيدا رسميا ويوم عطلة مؤدى عنها “قرار شجاع وتاريخي”؛ لأنه ينطوي على دلالات سياسية ورمزية جد عميقة.
وأضاف منيف، في حديث مع جريدة هسبريس الإلكترونية: “نقدر القرار الملكي ونعتبره مكسبا إضافيا لصالح الأمازيغية ولصالح البلد والدولة المغربية برمتها، على اعتبار الأمازيغية هوية وثقافة وحضارة ورمز من رموز السيادة للدولة”.
ومضى مبينا أن القرار السياسي المهم سيكون له “وقع إيجابي في الحياة السياسية والمؤسساتية والتشريعية وفي الحياة الاجتماعية برمتها”، مؤكدا أنه سيعيد الاعتبار للأمازيغية بشكل عميق، لا سيما في هذه الظرفية.
من جهته، قال يحيى شوطى، الباحث في اللسانيات والثقافة الأمازيغية، “لا يمكن لأي مناضل أو مهتم بالقضية الأمازيغية إلا أن يستبشر بهذا القرار الملكي المهم، والذي يؤكد مرة أخرى مكانة الأمازيغية في الاهتمامات الملكية؛ وهو الأمر الذي بدأ منذ تولي الملك محمد السادس للعرش”.
سياق طبيعي
أكد شوطى، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن قراءة وفهم سياق القرار الملكي “لن يتأتى إلا بالرجوع قليلا إلى التاريخ؛ ذلك أن الملك في أول خطاب للعرش.. نحن نعلم رمزية هذا الخطاب باعتباره يضع معالم وفلسفة حكم الملك، لم يفوت الفرصة للحديث عن الأمازيغية وضرورة العناية بها باعتبارها إرثا مشتركا لكل المغاربة”.
وتابع الباحث ذاته مبينا أن ربط توقيت القرار في بعض التحليلات بالظرفية الصعبة التي تعيشها البلاد “غير دقيقة”، مبرزا أن الملك في سياق أحداث 2001 المضطربة عالميا، و”رغم ذلك ألقى خطاب أجدير 17 أكتوبر، وأسس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. لذلك، يمكن القول إن الأجندة الملكية في كثير من القضايا الاستراتيجية لا تتأثر كثيرا بإكراهات التدبير اليومي وتداعياته”.
وأشار شوطى إلى أن ملف الأمازيغية يقع تدبيره بين “منطقة العمل الحكومي المفروض فيه وضع سياسة عمومية وتنفيذها وبين التوازن وتجنيب الملف الذي يتولاه الملك للحسابات السياسية الصغيرة”، مبرزا أن القرار الملكي جاء في سياق “طبيعي، أي قبل أشهر من الاحتفال برأس السنة.. ولا شك، فالأمر يتطلب مراجعة المرسوم رقم 169-77-2 بتاريخ 9 ربيع الأول 1397 (28 فبراير 1977) بتحديد لائحة أيام الأعياد المسموح فيها بالعطلة في الإدارات العمومية والمؤسسات العمومية والمصالح ذات الامتياز، وغيره من الإجراءات الإدارية التي قد تتطلب بعض الوقت”.
وبخصوص علاقة الخطوة بالتدبير الحكومي للملف، قال الباحث ذاته إن القرار “تنبيه للحكومة إلى ضرورة جدولة ملف الأمازيغية على رأس أولوياتها، وهو لفت انتباه إلى ضرورة تسريع تفعيل مقتضيات القانون التنظيمي 26.16″، حيث “انتقلنا من الحديث من مخطط حكومي بتدابير كبيرة ومخططات قطاعية إلى خارطة طريق بتدبير قطاعي محدود؛ الأمر الذي أعطى الانطباع لدى كافة المهتمين بعدم الجدية اللازمة في تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية لدى الحكومة”، وفق تعبيره.
في حاجة إلى المزيد
في مقابل القرار التاريخي والعناية الملكية الموصولة بالأمازيغية، سجل مونيف أن الأمازيغية بقدر ما هي في حاجة إلى مثل هذه القرارات، هي في حاجة إلى “التنفيذ والأجرأة لمجموعة من القرارات التي سبق اتخاذها؛ مثل ترسيم الأمازيغية، وإصدار القوانين التنظيمية المتعلقة بتفعيل الطابع الرسمي والمجلس الوطني للغة والثقافة المغربية”.
وزاد الخبير عينه موضحا “نرى عمليا وميدانيا أن وضعية الأمازيغية في المدرسة وفي الإعلام وفي الإدارة وفي العديد من المجالات ذات الأولوية ما زالت محتشمة، ولم تصل بعد إلى المستوى الذي نطمح إليه كباحثين وفاعلين في حقل الثقافة الأمازيغية”.
وأضاف مونيف أن القرار، الذي وصفه بـ”السيادي الكبير”، يتجاوب من جهة أخرى مع “التزامات الدولة المغربية تجاه مختلف ميكانيزمات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ولا سيما الحقوق اللغوية والثقافية والهوياتية”، مذكرا بأن المغرب له التزامات دولية في هذا المجال، و”القرار الملكي يجيب في هذا المستوى ويتجاوب مع هذه الالتزامات التي لطالما تم إصدارها في مختلف ميكانيزمات حقوق الإنسان”.
وختم الأستاذ المتخصص في الشأن الأمازيغي قائلا: “هذا مكسب إيجابي للأمازيغية ومكسب حقوقي ورمزي وثقافي مهم لصالح الدولة والوطن بشكل عام، سيعلي من شأن مكون لطالما اعتبر جوهر وقلب الهوية الوطنية”.