أخبار العالم

قراءة في أزمة المصارف.. من التالي في “سلسلة الانهيارات”؟



وتثير تلك الأزمة مخاطر واسعة تلف القطاع المصرفي الأميركي وقطاعات مختلفة تبعا لذلك، وسط حالة من “عدم اليقين” تسيطر على الأسواق في ظل تصاعد المخاوف جراء تبعات الأزمة، ومع تعرّض عدد من البنوك الإقليمية لعوامل وضغوط مماثلة للعوامل التي أدت لفشل البنوك الثلاثة أخيراً، تعصف بأسهمها عند أدنى مستوى منذ نهاية العام 2020.

من بين تلك البنوك، يأتي بنك “باك ويست” الذي أعلن، الأربعاء، عن كونه يدرس خيارات استراتيجية بعد تهاوي أسهمه، من بينها البيع أو زيادة رأس المال، الأمر الذي جعل أنظار المحللين تتجه إليه باعتباره ربما يشكل الحلقة الرابعة في هذه السلسلة التي يصعب التكهن إلى أي مدى يُمكن أن تتواصل، وما إن كانت “سحابة عابرة” أم زلزالاً مُدمراً تتفاقم تبعاته إلى ما هو أبعد من النظام المصرفي الأميركي لتُهدد بأزمة مالية واسعة النطاق تُعيد إلى الأذهان كارثة 2007-2008.

المتفائلون بوقف سلسلة الانهيارات يُعولون على قرارات الفيدرالي ووزارة الخزانة، والإجراءات المُتخذة بعد اندلاع الأزمة، ويقللون من إمكانية امتداد العدوى إلى البنوك الكبرى؛ على اعتبار أن الانهيارات الأخيرة ارتبطت بمشكلات داخلية عانت منها تلك البنوك الإقليمية أساساً متعلقة بإدارة المخاطر، والتي تكبدت خسائر واسعة في ظل سياسة رفع سعر الفائدة التي اتبعها الفيدرالي الأميركي منذ العام الماضي لكبح جماح التضخم.

على الجانب الآخر، لا يستبعد أنصار وجهة النظر الثانية “تأثير الدومينو” على نطاق واسع، ليبدأ بالبنوك الإقليمية التي تتكشف تدريجياً عوامل ضعفها الداخلية، وبما يصل إلى تشكيل تهديد حقيقي على القطاع بأكمله ربما لا يستثني بنوكا كبرى، دون أثر حقيقي لسياسة النمو والاندماج المعمول بها حالياً لجهة استحواذ البنوك الكبرى على البنوك المتعثرة.

إلى أي مدى يُمكن أن ينفرط العقد؟

وما بين وجهتي النظر، لا يُعرف تحديداً إلى أي مدى يُمكن أن تصل النيران التي اندلعت بدءًا من سيلكون فالي، رغم أن البنوك الكبرى قد أدارت ظهرها إلى تلك الأزمة، وقد أظهرت نتائج أعمال إيجابية في الربع الأول من العام الجاري 2023.

  • وكانت دراسة أجراها اقتصاديون ونُشرت في “شبكة أبحاث العلوم الاجتماعية”، قد تحدثت عن عدد البنوك الأميركية التي تُواجه الخطر.
  • ذكرت الدراسة أن 186 بنكاً أميركياً آخر (بعد سيلكون فالي) معرض لخطر الفشل، مع ارتفاع أسعار الفائدة، وبالتالي تهاوي قيمة الأصول واضطرار العملاء لسحب ودائعهم.

تبعاً لتلك المعطيات، فما هي البنوك التي تُواجه مخاطر مماثلة؟ وهل هي مرشحة للحاق بمصير البنوك الثلاثة؟ وهل تشمل قائمة البنوك المُهددة بنوكا كبرى أم أن “الفيروس” يضرب البنوك الإقليمية ذات المخاطر المرتفعة وحدها؟ وكيف يرى الفيدرالي الأميركي هذه الأزمة وما هي سياقات تعامله معها؟ وما حدود تأثير سياسة الاندماج والاستحواذ الأخيرة في ترتيب القطاع؟

موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، استطلع تحليلات وآراء عددٍ من المختصين والأكاديميين الاقتصاديين بشأن تقديراتهم لسيناريوهات الموقف الحالي، وما إن كانت ثمة مصارف أخرى على نفس نهج البنوك الثلاثة، على النحو التالي:

بنوك أخرى في الطريق

في البداية، قال الأستاذ الزائر بجامعة فلوريدا الأميركية، جاي ريتر، إن بنك “باك ويست” يُعد من البنوك التي من المُحتمل جداً أن تفشل في الفترة المقبلة أو أن يتم الاستحواذ عليه، وذلك بعد أن أعلن، الأربعاء، عن أنه يدرس خيارات استراتيجية من بينها البيع والتفكير في زيادة رأس المال،.

ويلفت في تصريحات لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إلى أن البنك من بين البنوك الإقليمية التي نجت “حتى الآن” لكن لديه الأصول الأكثر إشكالية.

لكنّه في الوقت نفسه لا يعتقد بأن ثمة بنوكاً أخرى في الطريق -بخلاف باك ويست- لتلحق بكل من سيلكون فالي وسيغنيتشر وفيرست ريبابليك، أو “تتعرض للمتاعب”، على حد وصفه.

وينظر الأكاديمي الاقتصادي إلى أن الأزمة الحالية تتعلق بوضع البنوك نفسها، لكنه لا يرى أن هناك أزمة مصرفية واسعة، في وقت تقود فيه تلك الأزمة بشكل حتمي إلى دق ناقوس الخطر والإنذار بالنسبة للبنوك الأخرى، التي تواجه نفس العوامل، وكذلك المنظمين، أي مسؤولي السياسات النقدية والمالية.

وتواصل أسهم البنوك الإقليمية سلسلة خسائرها، من بينها باك ويست الذي تهاوى الخميس بنسبة أكثر من 60 بالمئة.

ووصل مؤشر البنوك الإقليمية إلى أدنى مستوى له منذ العام 2020 خلال تعاملات الثلاثاء الماضي، بعد استحواذ جي بي مورغان على فيرست ريبابليك بنك. سجل المؤشر تراجعاً نسبته 5.2 بالمئة.

 وبنهاية تعاملات الجلسة التالية لفشل فيرست ريبابليك،  هبط سهم باك ويست بحوالي 30 بالمئة، قبل أن يتهاوى بأكثر من 56 بالمئة في جلسة الأربعاء.

كما تراجع سهم Western Alliance Bank  بنسبة 21 بالمئة، وتراجع  KeyCorp بنحو 10 بالمئة.

نقاط ضعف البنوك الصغيرة والمتوسطة

أستاذ الاقتصاد في كلية ويليامز، جيرارد كابريو، يقول في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إنه “من المعروف أن هناك نقاط ضعف بين البنوك الصغيرة والمتوسطة في الولايات المتحدة”.

ويردف: ولقد جاءت أزمة البنوك الثلاثة معبرة عن ذلك؛ فبالنسبة لفيرست ريبابليك بنك، فإنه كان يحتل المرتبة الـ 14 بقائمة أكبر البنوك اعتباراً من ديسمبر الماضي، بأصول بلغت 212 مليار دولار ، فيما كان “سيلكون فالي” في المركز الـ 16 بـ 207 مليارات دولار، وسيغنيتشر الـ 29، إضافة إلى سيلفرغيت الذي كان يحتل المرتبة الـ 129، بحوالي 11 مليار دولار، وباك ويست في المرتبة الـ 43.

ويضيف: “بينما البنوك الكبرى، العشرة الأوائل منها تمتلك حوالي 10 تريليونات دولار من الأصول”.

ويوضح أن البنوك الصغيرة والمتوسطة تميل إلى الحصول على الكثير من القروض طويلة الأجل بأسعار فائدة منخفضة، لذلك كانت حالات الفشل مماثلة لإخفاقات بنوك الادخار والقروض في الثمانينيات؛ نتيجة لارتفاع أسعار الفائدة.

من ناحية أخرى، تميل البنوك الكبيرة إلى امتلاك المزيد من الأصول ذات السعر العائم، لذلك عندما ترتفع أسعار الفائدة تزداد دخولها.

وتبعاً لذلك، يقول أستاذ الاقتصاد في كلية ويليامز: “أتوقع المزيد من الإجراءات المصرفية في الولايات المتحدة والمزيد من التكاليف المحتملة لمؤسسة التأمين الفيدرالية (FDIC) لاستيعاب الوضع”، موضحاً أن “المخاطر الأخرى المتبقية للبنوك الأميركية تتمثل في العقارات التجارية، والتي تعاني حالياً لأن المساحات المكتبية لا تزال أقل استخداماً بعد جائحة كورونا، وتأثيرات التباطؤ الاقتصادي على النظام بأكمله”.

وأعلنت وكالة موديز للتصنيف الائتماني، أخيراً، عن خفض تقييمها للقطاع المصرفي الأميركي من مستقر إلى سلبي، على خلفية انهيار البنوك الثلاثة.

وفي مارس الماضي، حذّرَ المساعد السابق لوزير الخزانة الأميركي، بول كريغ روبيرتس، في تصريحات نقلتها تقارير إعلامية من تعرض خمسة بنوك “كبرى” للإفلاس، مشدداً على أهمية اتجاه الفيدرالي الأميركي لوقف وتيرة رفع سعر الفائدة، والاتجاه لخفض الفائدة حتى لا يقوض أرصدة وأصول البنوك.

إجراءات الفيدرالي.. هل تحمي النظام المصرفي؟

كما شارك المفكر الاقتصادي، أستاذ الاقتصاد بجامعة ويسترن، مايكل باركين، في استطلاع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” بشأن مستقبل البنوك الصغيرة والمتوسطة بالولايات المتحدة، منحازاً إلى التصورات التي تذهب إلى استبعاد حدوث تأثير “الدومينو” بالنسبة لتلك البنوك بعد أزمة البنوك الثلاثة.

يُعول باركين على الإجراءات التي يتخذها بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في هذا السياق، باعتبار أن تلك القرارات من شأنها حماية القطاع المصرفي بالبلاد، ويقول: “لا أعتقد بأن هناك أو سيكون هناك تأثير الدومينو (..) فلن يسمح بنك الاحتياطي الفيدرالي ومؤسسة التأمين الفيدرالية بحدوث ذلك”.

  • أقر الفيدرالي الأميركي في تقرير حديث له أخيراً، بالمخاطر التي تلف البنوك الإقليمية، داعياً إلى مزيد من الرقابة المصرفية، كما اعترف بإخفاقاته فيما يتعلق بانهيار سيلكون فالي.
  • قال نائب رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي لشؤون الإشراف مايكل بار، في بيان سابق له، “علينا تعزيز مهام الاحتياطي الفيدرالي في الإشراف والتنظيم بناء على ما تعلمناه”.
  • وبينما اعترف المسؤول بفشل سيلكون فالي في إدارة المخاطر، فقد تحدث عن فشل مشرفي الفيدرالي في اتخاذ إجراءات قوية بما يكفي بعد أن رصد مشكلات في البنك المذكور.

عدوى البنوك لم يتم قمعها بعد!

وعلى النقيض من رأي باركين، فإن الأستاذ بقسم المالية في جامعة بوسطن، مارك ويليامز، يعتقد بأن “حقيقة ما تشهده البنوك الإقليمية مثل PacWest تعني أن عدوى البنوك لم يتم قمعها بعد”.

ويشير في تصريحات خاصة لموقع “سكاي نيوز عربية”، إلى أنه “لا تزال البنوك التي تتعرض لمخاطر مفرطة هدفاً لسحب المودعين السريع والضغوط المالية.. وفي حين أن هذه البنوك الإقليمية الأصغر تحت الضغط، فإن أكبر البنوك تكسب مليارات الدولارات من الودائع”.

  • انخفض إجمالي الودائع المصرفية في الولايات المتحدة بنسبة 3.3 بالمئة منذ أن بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة العام الماضي، إذ سعى المدخرون إلى إيجاد بدائل ذات عائد أعلى للفائدة التي تقدمها العديد من البنوك الأميركية.
  • تسارع ذلك الاتجاه في وقت قريب من أزمة سيلكون فالي وسيغنتشر، لتنخفض الودائع في البنوك الأميركية بأكبر قدر في عام تقريباً بعد الأزمة وحتى 15 مارس.

وقرر الفيدرالي الأميركي، خلال اجتماعه الأخير رفع سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، وهي الزيادة العاشرة منذ مارس الماضي.

بينما يتجه الفيدرالي إلى التوقف عن رفع الفائدة، إذ حملت اللغة التي استخدمها في بيانه الأخير تغيرات واضحة، لناحية القول إنه “سيراقب البيانات المقبلة”، لتحديد ما إن كان المزيد من الرفع للفائدة ملائماً، بدلاً من القول إنه “يتوقع” أن تكون هناك حاجة لمزيد من الرفع للفائدة، وبما اعتُبِرَ بمثابة إشارة واضحة، بأنه سوف يتحول على الأرجح نحو وقف رفع أسعار الفائدة.

البنوك الكبرى.. هل هي آمنة من تبعات الأزمة؟

المحلل الأميركي مستشار وزارة الخارجية سابقاً، حازم الغبرا، يقول في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية” إنه “عندما تسقط بضعة قطع من الدومينو فرادى وبشكل متباعد فإن هذا لا يعني بالضرورة أن يحدث تأثير الدومينو على كل المنظومة”، موضحاً أن “وجود أزمة أو مشكلة محدودة في مصارف بعينها لا يعني أن تنتقل عدواها بشكل طبيعي لبنوك أخرى”.

ذلك على اعتبار أن أزمات البنوك الثلاث مرتبطة بمشكلات داخلية بالأساس. ويقول الغبرا: “حتى الآن هذا ما نراه.. وهو ما تُطمئن به الحكومة الأميركية الأسواق بشكل مستمر، وتؤكده أرقام البنوك (نتائج الأعمال الصادرة أخيراً) وتصريحات مسؤولي البنوك الكبرى في الولايات المتحدة”.

  • سجلت إيرادات جي بي مورغان تشيس، مستوى قياسياً في الربع الأول، كما ارتفع صافي دخل الفوائد بنسبة 50 بالمئة تقريباً على أساس سنوي في ظل أسعار الفائدة المرتفعة.
  • ارتفعت إيرادات البنك بنسبة 25 بالمئة لتصل إلى نحو 39.3 مليار دولار. كما قفز صافي دخل البنك من الفوائد بنسبة 49 بالمئة في الربع الأول لتصل إلى 20.8 مليار دولار (مستفيداً من سلسلة رفع الفائدة). وقفزت الأرباح الصافية بنسبة 52 بالمئة إلى حوالي 12.6 مليار دولار.
  • حقق ويلز فارغو، ارتفاعاً في الإيرادات بنسبة 17 بالمئة، وصولاً إلى 20.73 مليار دولار في الربع الأول.
  • كما سجّل بنك سيتي غروب إيرادات خلال الربع الأول بقيمة 21.45 مليار دولار مقابل توقعات 19.99 مليار دولار.

ويتابع: “إذا اعتبرنا القطاع المصرفي بناية مُتكاملة مُتعددة الطوابق والوحدات، فهناك دعامات أساسية لتلك البناية، وهي البنوك الكبرى مثل جي بي مورغان وبنك أوف أميركا وويلز فارغو وغيرها.. وهناك وحدات صغيرة ومتوسطة الحجم تتمثل في البنوك الإقليمية الأخرى.. عندما تصير هنالك مشكلة في أي من تلك الوحدات حتى لو لم تعد صالحة للاستخدام، فإنها لن تؤثر بالضرورة على الدعامات الأساسية وهذه البناية عملياً.. المشكلة تحدث فقط عندما تتفاقم الأزمة وتطال دعامات البناء الأساسية”.

ويردف: “هذا لم يحدث.. البنوك الكبرى وضعها أفضل في مثل هذه الظروف.. ودائماً ما تكون هنالك عين على تلك البنوك منذ الأزمة المالية العالمية في 2007-2008 ولا أعتقد بأن تنتقل العدوى إليها.. وفي الوقت نفسه ربما تخرج هذه البنوك التي هي دعامات أساسية للقطاع المصرفي رابحة، لا سيما مع شراء البنوك الصغرة بأبخس ثمن”.

وكان الخبير الاقتصادي محمد العريان، كان قد تناول “أزمة الثقة” التي تضرب القطاع المصرفي بالولايات المتحدة، وأثر “العدوى” التي يُمكن أن تنتقل بشكل أسرع، وذلك في مقال له عبر شبكة “بلومبيرغ” في وقت لاحق بعد أزمة البنوك العالمية، مما جاء فيه:

  • يعتمد العمل المصرفي بشكل أساسي على الثقة، وبالتالي فإن أي تراجع في تلك الثقة يمكن أن يؤدي بدوره إلى نتائج غير متوقّعة أو غير محتملة”.
  • الانقسامات في النظام المصرفي قد تكون ذات أثر ملحوظ على الأميركيين، بسبب التهديد المستمر المتمثل في “العدوى الاقتصادية” وليس هناك الكثير مما يمكن لصانعي السياسة فعله لوقف ذلك.

هذه العدوى الاقتصادية التي ستنتشر بمرور الوقت تهدد بزيادة التحديات التي تواجه النظام الاقتصادي الذي يعاني أساساً من التضخم والمسيرة المضطربة من رفع أسعار الفائدة وانخفاض المدخرات الشخصية ونوبات من عدم الاستقرار المالي وتباطؤ الاقتصاد العالمي.



مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى