حسن الخلق.. تتمة العبادات | صحيفة الخليج
القاهرة: بسيوني الحلواني
حذر عدد من كبار علماء الإسلام من تحول العبادات إلى طقوس شكلية يؤديها الإنسان دون تهذيب لسلوكه، وتغيير في نمط سلوكه.. وأكدوا أن أداء العبادات مع استمرار السلوكيات الخاطئة المخالفة لتعاليم الدين برهان ساطع على عدم استفادة الإنسان من عباداته في حياته الشخصية والعامة وعلاقاته مع الآخرين.
كانت دراسة اجتماعية نوقشت، مؤخراً بجامعة الأزهر، قد أكدت شيوع السلوكيات المرفوضة شرعاً بين 62% من الشباب الذي يصلّي ويحرص على كثير من العبادات، ما يؤكد عدم تأثير العبادات في سلوكيات كثير من الذين يصلون ويصومون ويزكون ويتصدقون.
يؤكد د.أحمد الطيب شيخ الأزهر رئيس مجلس حكماء المسلمين أن الإسلام بكل ما اشتمل عليه من عقيدة وعبادة وأحكام فقهية ومعاملات تتسم بالمصداقية والأمانة، مرتبط بالأخلاق ارتباطاً وثيقاً، وعلينا أن نتأمل قليلاً بعض آيات القرآن الكريم، وبعض أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى في شأن الصلاة: «إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر»، وقوله عز وجل في شأن الصيام: «كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون».. فالصلاة التي لا تهذب سلوك من يؤديها تعد طقوساً شكلية تفتقد مقاصدها، والعيب هنا ليس في الصلاة كعبادة، لكن تظل المشكلة في عدم وعى من يؤديها بالمقاصد الشرعية للصلاة، فهي طاعة لله في المقام الأول.. لكنها أيضاً تحتوي على مكاسب ومنافع عديدة لخّصها الخالق سبحانه في عبادة (تنهى عن الفحشاء والمنكر) وهي عبارة قرآنية جامعة تحتوى على كل ما يمكن أن يصدر عن الإنسان من منكرات وموبقات وسلوكيات يرفضها الطبع السليم.. وأيضاً من يصومون ولا تظهر آداب الصوم وأخلاقياته في سلوكهم يظل صومهم مجرد «حرمان من الطعام والشراب وباقي المفطرات دون فائدة».
لذلك، يحذر شيخ الأزهر من التعامل مع عبادات الإسلام من صلاة وصوم وحج وغيرها على أنها (طقوس شكلية)، ويقول: إذا لم تستند العبادات إلى ظهير خلقي؛ فإنها لا تفيد صاحبها يوم القيامة، وتتركه على أبواب جهنم، مستشهداً بالمرأة التي كانت تصوم النهار وتقوم الليل، لكنها كانت تؤذي جيرانها بلسانها، فلم ينفعها كثرة صيامها وقيامها بشيء في الآخرة، بل ذهبت بكل ذلك إلى النار، وذلك في مقابل المرأة التي كانت تقتصر في عبادتها على صيام رمضان فقط، وعلى الصلوات الخمس المكتوبة، لكنها كانت تحفظ لسانها، وتتصدق ببقايا طعامها، كيف نفعها حسن الخلق وأدخلها الجنة.
أهداف تربوية
يوضح د. على جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر ومفتي مصر السابق أنه لا يجوز لمسلم الاستهانة بما عليه من فرائض، والتعامل معها بمنطق العادة التي يقوم بها الإنسان دون التطلع إلى فوائدها ومكاسبها، وما فيها من طاعة للخالق عز وجل، فالصلاة والصوم عبادتان تهذّبان من سلوك الإنسان والتخلق بالأخلاق الفاضلة في تعامله مع الآخرين.. ويكفي ما بشّرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بعض فوائد الصلاة والصوم في حديث صحيح حيث يقول: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفّرات لما بينهم، إذا اجتُنبت الكبائر».
ويضيف أنه يجب على كل مسلم إخلاص النية في العبادات حيث لا يفيد فيها الرياء، فالعبادات جميعها- وليس الصوم وحده سر بين العبد وربه – وما بين الخالق والمخلوق لابد أن يكون صادقاً وشفافاً، ولذلك قال العلماء: العبادة الحقة هي الخالية من الرياء.
كلها.. لمصلحة الإنسان
يقول د. نصر فريد واصل عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر: «لكل عبادة مقاصد تهدف إليها، فالهدف من فريضة الصلاة في الإسلام إحياء عقيدة التوحيد، فهي ركن الإيمان الأساسي بالله ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره والبعث والحساب والعقاب، وقد صرح الله بالهدف الشرعي من إيجابه الصلاة على عباده المؤمنين الوارد في قوله تعالى: «إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً»، وقوله تعالى:«وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ» صرح بهذا الهدف وتلك الحكمة بعد ذكر الصلاة مباشرة في قوله تعالى: «إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ».
فالصلاة تنهى بذاتها وبنفسها عن الفحشاء والمنكر مع أمر الله صراحة في النهي الصريح عنهما في قوله تعالى: «إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ»، ولهذا كان ترك الصلاة جريمة يعاقب عليها الإسلام وقد تصل هذه العقوبة إلى درجة الإعدام.
ويضيف: وإذا انتقلنا إلى هدف عبادة الزكاة والحكمة من مشروعيتها ووجوبها في الإسلام لوجدنا ذلك مصرحا به في قوله تعالى: «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بها»، والمراد بالصدقة في الآية الكريمة للصدقة الواجبة وهي الزكاة التي أوجبها الله وأمر بها في قوله تعالى: «وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ» كما اجمع على ذلك الفقهاء والعلماء.
ويوضح د. واصل الهدف والحكمة من مشروعية الصيام وجعله من العبادات الواجبة في الإسلام، تربية الضمير الإنساني وخلق جهاز لمراقبة الإنسان في كل أعماله وتصرفاته الداخلية والخارجية سواء كانت تصرفات شخصية أم تصرفات أسرية أم تصرفات اجتماعية، وذلك من داخل الإنسان نفسه حتى يشعر بمدى قوة الرقابة التي لا يقدر على الإفلات منها وهذا ما يؤدي إلى تعوّده على أداء كل التصرفات والأعمال على وجهها الصحيح دون رقابة خارجية.. ولهذا كان الصيام وسيلة عملية تدريبية لتقوى الإنسان وإخلاصه في سبيل الله والأهل والوطن، ولهذا كان الصوم من الأمور الأساسية التي أقرتها كل الديانات السماوية التي سبقت الإسلام.
أما الهدف من مشروعية الحج، وجعله عبادة واجبة على الفرد مرة واحدة في العمر لمن استطاع إليه سبيلاً، فنجده في قوله سبحانه وتعالى: «وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً».. مع قوله تعالى: «ليَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ».
فالحج فيه من الفوائد الدينية والدنيوية الكثير التي لا يستغني عنها الإنسان بأي حال، فمن الجانب الديني هو إحياء لركن الدين في الإسلام وهو العقيدة أساس الإيمان وأساس هذه الحياة.
ومن الجانب الدنيوي فزيادة على أنه سوق تجاري عالمي يلتقي فيه جميع الناس من كل أنحاء العالم مع اختلاف ألوانهم وأجناسهم وألسنتهم، يعرض كل منهم ما عنده وما هو في غير حاجة إليه ليحصل على ما هو في حاجة إليه بيسر وسهولة، في الوقت الذي يصعب عليه ذلك قبل هذا اللقاء، وقد لا يمكن الحصول عليه بأي حال لسبب من الأسباب، وبهذا تتحقق المنفعة المادية والمالية لكل الناس على حد سواء، فهي سوق دولية حرة للجميع، كل يأخذ منها حسب رغبته ويترك فيها ما زاد على حاجته وما لا رغبة له فيه.