مكتبة وناد رياضي ومقهى (Mini-Library)
المكتبات العامة وطريقة تصميمها وبنائها وانتشارها في المدن هي من الأمور التي يجب النظر إليها بمنظور مختلف في عصرنا الحاضر.
فالمكتبة ليست من الكماليات أو الرفاهية، ولكن هي عامل من عوامل تحسين ورفع مستوى المعرفة والثقافة لدى الشعوب، حيث يعتبر وجودها والاهتمام بها من علامات تحضر وتطور أي أمة.
وإدراكا لأهمية المكتبات ودورها في المجتمع أولت حكومة المملكة اهتماما بذلك منذ عدة عقود وذلك بإنشاء مكتبات عامة موزعة في مختلف مدن المملكة وذلك لخدمة أفراد المجتمع، وقامت بتزويد تلك المكتبات ليس فقط بالكتب والمراجع القيمة والمفيدة ولكن أيضا بالأشخاص المختصين في علم المكتبات والفهرسة.
ولكن الملاحظ حاليا بأن تلك المكتبات توجد في أماكن محددة وبفروع قليلة جدا في المدينة الواحدة قد تصل إلى مكتبة واحدة فقط، وهذا قد يكون مناسبا في ذلك الوقت الذي تم إنشاء تلك المكتبات فيه نظرا لصغر حجم المدن في ذلك الوقت وقلة عدد السكان كذلك.
ولكن مع التقدم والتطور والازدهار الذي يعيشه وطننا الغالي وزيادة عدد السكان واتساع نطاق العمران وتباعد أطراف المدن أصبح الوصول لتلك المكتبات ليس بالأمر الهين.
لك أن تتخيل كم من الوقت سيحتاجه شخص يسكن في أطراف مدينة الرياض أو جدة للوصول للمكتبة العامة في مدينته؟! لذلك أصبح من الضروري إعادة التفكير في النظرة للمكتبات العامة وطريقة توزيعها في المدن من حيث المساحة والحجم وطبيعة الخدمات التي تقدمها.
لماذا لا تقوم المكتبات العامة بفتح فروع لها داخل الأحياء السكنية في مدننا المختلفة أو ما يمكن تسميته بالمكتبة العامة المصغرة (Mini-Library)، بدلا من التوجه لمقر المكتبة الرئيس.
اليوم وفي ظل تسارع وتيرة الحياة يصعب على أغلب الناس التوجه لمقر المكتبة الرئيس إما بسبب الزحام المروري وإما بسبب ازدحام جدول أعمال الناس ومحدودية أوقات عمل تلك المكتبات. وجود فروع صغيرة للمكتبات العامة في الأحياء السكنية سيشجع حتما على زيارة الأشخاص لها وبالتالي سيؤثر إيجابا في رفع معدلات القراءة والاطلاع، وبالتالي رفع مستوى الثقافة لدى عموم المجتمع. وبشكل عام يمكن أن تكون هنالك مكتبة مصغرة (Mini-Library) لعدة أحياء سويا وليس لكل حي على حدة.
كذلك العوامل التي كانت تجذب الأجيال السابقة لزيارة المكتبة للقراءة والاطلاع طالها التحديث بإضافة عوامل أخرى جديدة كجودة المكان ومدى توفر بعض الخدمات الإضافية عليه من مقاه (كوفي شوب) وأندية رياضية تجعل من المكتبة مركزا محوريا وجاذبا لأفراد المجتمع، فالنظرة للمكتبة لم تعد تلك النظرة البسيطة التي تصف ذلك المكان بأنه مكان بارد ومليء بأرفف الكتب والمجلات والصحف.
ولكن لجذب الناس لهذه المكتبات في هذا الزمن لابد من احتواء تلك المكتبات على ناد رياضي منظم ومرتب و(مقهى) (كوفي شوب) يوفر أجواء ملائمة لمرتادي تلك المكتبات، بحيث يستطيع الأب أو الأم اصطحاب أبنائهما للمكتبة، ولكل منهم الحرية في الاستفادة من مرافق المكتبة سواء المرفق الرياضي أو المقهى المصاحب. فقد يرافق أحد الوالدين أبناءه للنادي الرياضي في المكتبة على الرغم من انشغاله، حيث ستوفر له المكتبة مكانا مناسبا وهادئا للعمل والتركيز والإنتاج حتى ينتهي أبناؤه من تدريبهم الرياضي، وقد تحتوي المكتبة على مرفق لحضانة الأطفال يسهل على الأمهات تحديدا الاستفادة من وقتهن في المكتبة أو مرافقها المختلفة، وبذلك تكون المكتبة المكان المركزي الذي يجمع الكل بمختلف اهتماماتهم.
وجود النادي الرياضي والمقهى (الكوفي شوب) كمرافق مصاحبة للمكتبة سيزيد من مرتادي تلك المكتبات ويعطي رونقا مختلفا وميزة للأحياء السكنية في مدن وطننا، ولكن يجب ألا تعطى فرصة الاستثمار في تلك المكتبات إلا للأندية الرياضية التي أثبتت نجاحها والتي تقدم أفضل وأرقى الخدمات، كذلك الحال مع المقاهي، والتي ينبغي ألا تعطى إلا للمقاهي المشهورة والمميزة والتي يجذب اسمها وهويتها الآلاف من الأشخاص يوميا.
يمكن كذلك لتلك المكتبات من إقامة مختلف الأنشطة والفعاليات التعليمية والترفيهية على مدار العام وذلك لخلق بيئة جميلة ومحفزة للسكان تؤثر عليهم وعلى أبنائهم بشكل إيجابي ينمي من مهاراتهم ويزيد من ثقافتهم ومعرفتهم، فالمكتبة هي مركز تعليمي مصغر يساعد أفراد المجتمع على تطوير أنفسهم للأفضل.
إن أردنا لهذا النوع من المكتبات النجاح، لابد أن يؤخذ في عين الاعتبار تصميمها وجماليتها، حيث إن التصميم وانسيابية الحركة داخل مبنى المكتبة بين مختلف خدماتها من (نادي رياضي ومقهى) سيلعب دورا مهما إما في نجاح هذا النوع من المكتبات أو فشل الفكرة ككل.
المجتمع اليوم لديه ذوق رفيع في النظرة للأماكن والخدمات، بناء عليه لابد من مواكبة تلك النظرة في تصميم وبناء المكتبات المصغرة داخل الأحياء السكنية إن أردنا لها النجاح.
يقول هنري فريدريك أميل «كل ما تحتاجه لمستقبل ونجاحات أفضل قد تم كتابته بالفعل». وتخيل ماذا؟ كل ما عليك فعله هو الذهاب للمكتبة.
[email protected]