أخبار العالم

“ثرثرة دون أسس” تتعاطى مع تحضير وإعداد مشاريع قانون المالية‎‎



قال المنتصر السويني، باحث في المالية العامة والعلوم السياسية، إن الجزم بأن تحديد الخطوط العريضة لمشروع قانون المالية للسنة الموالية يبقى مشروطا بضرورة اجتماع المجلس الوزاري للحسم في التوجهات العامة للمشروع، “ثرثرة لا تعتمد على أي أساس قانوني”.

وأوضح الباحث السويني، في حوار مع جريدة هسبريس الإلكترونية، أن المشرع التنظيمي الحكومي، من خلال ما ورد في المادة الثالثة من المرسوم المتعلق بإعداد وتنفيذ قوانين المالية، عمل على شرعنة مرحلة قبلية تسبق إعداد مشاريع قوانين المالية، أطلق عليها مرحلة “التحضير وإعداد قانون المالية”.

ودعا الباحث في المالية العامة والعلوم السياسية إلى عدم الخلط بين السلطة التقديرية الممنوحة للحكومة في مرحلة التحضير، وخصوصا تحديد الخطوط العريضة لمشروع قانون المالية للسنة الموالية، والسلطة المقيدة التي تفرض على الحكومة ضرورة انتظار التداول في التوجهات العامة لمشروع قانون المالية من طرف المجلس الوزاري؛ قبل الشروع في مرحلة إعداد مشاريع قوانين المالية.

وخلص الباحث ذاته إلى أنه ليس هناك أي عائق دستوري يمنع عقد المجلس الحكومي الذي يقدم خلاله الوزير المكلف بالمالية عرضا يتضمن الخطوط العريضة لمشروع قانون المالية للسنة الموالية، والذي من المفروض انعقاده قبل 15 يوليوز من كل سنة.

وهذا نص الحوار:

يؤكد بعض الباحثين أن الحكومة ملزمة قبل 15 يوليوز من كل سنة بتقديم الخطوط العريضة لمشروع قانون المالية للسنة الموالية، وبالتالي يفرض الأمر انعقاد المجلس الوزاري قبل هذا الموعد، ما هو تعليقكم كباحث في الشأن المالي؟

في البداية، وجب التذكير بما ورد في المادة 46 من القانون التنظيمي رقم 130-13 لقانون المالية، التي تنص على أن “يتولى الوزير المكلف بالمالية تحت سلطة رئيس الحكومة إعداد مشاريع قوانين المالية طبقا للتوجهات العامة المتداول بشأنها في المجلس الوزاري وفقا للفصل 49 من الدستور”، وبالتالي يتضح أن المشرع التنظيمي (القوانين التنظيمية) واحتراما للدستور قد أقر أن إعداد مشاريع قوانين المالية لا يمكن أن يتم إلا وفق التوجهات العامة المتداول بشأنها في المجلس الوزاري.

ولكن وجب التأكيد أنه من أجل قراءة النصوص القانونية، من المفروض الوقوف عند المصطلحات والكلمات المستعملة من طرف المشرع حتى لا نخلط الحابل بالنابل. وفي هذا السياق، وجب التأكيد أن المشرع التنظيمي في المادة 46 (من الدستور المالي)، استعمل مصطلح “إعداد مشاريع قوانين المالية”، وبالتالي عندما يتعلق الأمر بمرحلة “إعداد مشاريع قوانين المالية”، فإنه لا يمكن الشروع في إعدادها إلا بعد تداول المجلس الوزاري في التوجهات العامة لمشروع قانون المالية.

أما بخصوص العرض الذي يقدمه الوزير المكلف بالمالية في مجلس الحكومة، والذي من المفروض أن ينعقد قبل 15 يوليوز من كل سنة، فإنه وجب التوضيح أن هذا العرض يخص موضوع “الخطوط العريضة لمشروع قانون المالية للسنة الموالية”، وبالتالي الأمر لا يتعلق بالعبارة نفسها ولا بالموضوع ذاته الذي حدده المشرع المالي في المادة 46 من الدستور المالي، والتي تخص “إعداد مشاريع قوانين المالية”، مما يعني أن عرض وزير المالية في المجلس الحكومي المتعلق موضوعه بـ”الخطوط العريضة لمشروع قانون المالية للسنة الموالية”، لم يلزمه لا المشرع الدستوري ولا المشرع المالي (القانون التنظيمي للمالية) بضرورة انتظار التداول في التوجهات العامة بالمجلس الوزاري. لهذا، فإن الجزم بأن العرض المتعلق بالخطوط العريضة لمشروع قانون المالية للسنة الموالية يبقى مشروطا بانعقاد المجلس الوزاري، هو ثرثرة قانونية لا تستند إلى أي نص قانوني. وعليه، لا يمكن الأخذ بها.

من جهة أخرى، وجب التأكيد أن المرسوم 2-15-426 بتاريخ 15 يوليوز 2015 عمل على رفع اللبس من خلال التنصيص على عبارة “تحضير وإعداد قانون المالية”، وخصص لها الفصل الأول، وبالتالي عمل هذا الأخير على شرعنة مرحلة قبلية تسبق مرحلة إعداد مشاريع قوانين المالية، واستعمل لتمييزها عن مرحلة “الإعداد” مصطلح “التحضير” حتى يتأكد الكل أنها مرحلة قبلية تستهدف التهيئة لمرحلة “إعداد مشاريع قوانين المالية”، وبالتالي وجب عدم الخلط بين السلطة التقديرية الممنوحة للحكومة في مرحلة “التحضير”، وخصوصا تحديد الخطوط العريضة لمشروع قانون المالية للسنة الموالية (حسب المرسوم سالف الذكر)، والسلطة المقيدة التي تفرض على الحكومة ضرورة انتظار التداول في التوجهات العامة لقانون المالية من طرف المجلس الوزاري قبل الشروع في مرحلة “إعداد مشاريع قوانين المالية”(حسب منطوق الفصل 46 من الدستور المالي).

انطلاقا مما ذكرتم، هل يوجد خلط بين “الخطوط العريضة لمشروع قانون مالية السنة الموالية” و”الإطار العام لإعداد مشروع قانون المالية للسنة الموالية” ومرحلة “إعداد مشاريع قوانين المالية”؟

في البداية، وجب التوضيح أن المشرع التنظيمي المالي من خلال المادة 46 من القانون التنظيمي للمالية أراد شرعنة ما يطلق عليه “زمن إعداد القانون المالي للسنة الموالية” وشغّل عدّاد تهيئة قانون مالية السنة المقبلة بعد حسم المجلس الوزاري في التوجهات العامة طبقا للفصل 49 من الدستور، كما أن المشرع التنظيمي الحكومي من خلال ما ورد في المادة الثالثة من المرسوم المتعلق بإعداد وتنفيذ قوانين المالية عمل على شرعنة مرحلة قبلية تسبق مرحلة إعداد مشاريع قوانين المالية، أطلق عليها مرحلة “التحضير وإعداد قانون المالية”.

شرعنة مرحلة التحضير التي تسبق مرحلة الإعداد، استهدف من ورائها المشرع التنظيمي الحكومي العمل على شرعنة العمل الحكومي المتعلق بصياغة “الخطوط العريضة لمشروع قانون المالية للسنة المقبلة” قبل مرحلة “إعداد مشروع قانون المالية”.

كما أن شرعنة مرحلة التحضير استهدف من ورائها المشرع التنظيمي الحكومي التغلب على التحدي الداخلي المرتبط بالثنائي المكون من “الحكومة-الإدارة”، وهو ما يتضح للمتتبع من خلال موضوع الفصل الأول من المرسوم السابق ذكره، حيث تمت الإشارة إلى الحكومة وكذلك المصالح الوزارية أو المؤسسات المعنية، كما أن الفصل نفسه يوضح كذلك موضوع العرض الذي يقدمه وزير المالية أمام المجلس الحكومي، والذي يتضمن “الخطوط العريضة لمشروع قانون المالية للسنة المقبلة”، وخصوصا ما يتعلق بـ”التحيين السنوي للبرمجة الميزانياتية ومؤشرات نجاعة الأداء”، “دعوة الآمرين بالصرف لإعداد مقترحاتهم المتعلقة بالمداخيل والنفقات عن السنة المالية الموالية”، “إعداد مشاريع الأحكام المراد إدراجها في مشروع قانون المالية”، “تهيئة مشاريع ميزانيات القطاعات الوزارية أو المؤسسات”، مما يوضح أن الأمر يتعلق بمرحلة التحضير لإعداد مشروع القانون المالي، وليس إعداد مشروع القانون المالي، وهناك فرق بين “التحضير للإعداد” و”الإعداد”.

كما أن اجتماع المجلس الحكومي قبل 15 يوليوز من السنة من أجل تحديد الخطوط العريضة لمشروع قانون المالية للسنة المقبلة، يستهدف كذلك الاستعداد الحكومي لمواجهة أجندة حكومية مرتبطة هذه المرة بما ورد في المادة 47 من القانون التنظيمي للمالية، التي تنص على أن “يعرض الوزير المكلف بالمالية على اللجنتين المكلفتين بالمالية بالبرلمان، قبل 31 يوليوز، الإطار العام لإعداد مشروع القانون المالي”.

وتجدر الاشارة هنا إلى أن الإطار العام لإعداد مشروع قانون المالية يتضمن “تطور الوضعية الاقتصادية”، “تقدم تنفيذ قانون المالية الجارية إلى حدود 30 يونيو من السنة نفسها”، “المعطيات المتعلقة بالسياسة الاقتصادية والمالية”، “البرمجة الميزانياتية الإجمالية لثلاث سنوات”.

ومن خلال موضوع الإطار العام، يتضح أن مرحلة عرض الخطوط العريضة في المجلس الحكومي تسبق وتهيئ الأرضية لعرض وزير المالية أمام اللجنتين المكلفتين بالمالية بالبرلمان المتعلق بالإطار العام لإعداد قانون المالية، خصوصا إذا ما تمعنا جيدا في طبيعة موضوع العرض، حيث سيلاحظ المتتبع أنه يعتمد كثيرا على ما سبق تهيئته في مرحلة “التحضير”، وأساسا ما يتعلق بالتحضير المرتبط بتحديد الخطوط العريضة لمشروع قانون المالية للسنة الموالية المهيأ من طرف الثنائي المكون من “الحكومة-الإدارة”.

إن شرعنة زمن الخطوط العريضة (قبل 15 يوليوز من السنة) لمشروع قانون مالية للسنة الموالية وكذلك موضوع الخطوط العريضة، يوضح أن هناك أجندة تخص مواجهة التحدي الداخلي المرتبط بالثنائي “الحكومة-الإدارة”، وأن هذه الأجندة المرتبطة بإنجاز التحدي الداخلي هي التي تمهد الطريق لمواجهة التحدي الخارجي المرتبط بتهيئة الإطار العام لإعداد مشروع قانون المالية للسنة المقبلة، الذي يخص هذه المرة الثنائي المكون من “الحكومة-البرلمان” وفعليا الثنائي المكون من “الوزير المكلف بالمالية-اللجنتين المكلفتين بالمالية”، الذي من المفروض أن يتم بعد العرض الذي يقدمه وزير المالية أمام المجلس الحكومي والمتعلق بالخطوط العريضة لمشروع قانون المالية للسنة الموالية، أي قبل 31 يوليوز من السنة، وبالتالي وجب عدم إغفال التسلسل الزمني ونوعية المؤسسات المعنية في كل مرحلة زمنية.

هي مراحل زمنية مترابطة قبل الوصول إلى مرحلة “إعداد مشروع قانون المالية”؟

أكيد، وهذا ما يتضح من خلال الدستور والدستور المالي والنصوص التطبيقية، حيث إن هاته الأخيرة عملت على شرعنه ثلاث مراحل؛ الأولى مرحلة عرض الوزير المكلف بالمالية بالمجلس الحكومي للخطوط العريضة لمشروع قانون المالية للسنة الموالية (قبل 15 يوليوز من السنة)، وتهم هذه المرحلة الزمنية أساسا الثنائي المكون من “الحكومة-الإدارة”، وبعد ذلك تأتي مرحلة عرض الوزير المكلف بالمالية المتعلق موضوعه بـ”الإطار العام لإعداد مشروع قانون المالية للسنة الموالية” (قبل 31 يوليوز من السنة)، ووجب التأكيد أن هذه المرحلة تهم بالأساس المؤسستين “الحكومة في شخص الوزير المكلف بالمالية، والبرلمان من خلال اللجنتين المكلفتين بالمالية)، وبعد ذلك تأتي مرحلة “التوجهات العامة لمشروع قانون المالية” المنصوص عليها في الفصل 49 من الدستور، وهنا وجب التأكيد أن مرحلة التوجهات العامة لمشروع قانون المالية تخص بالأساس المجلس الوزاري، وبعد مرحلة تحديد التوجهات العامة من طرف المجلس الوزاري تأتي مرحلة “إعداد مشاريع قوانين المالية” التي تخص الحكومة، وخصوصا الوزير المكلف بالمالية تحت سلطة رئيس الحكومة، تطبيقا لما ورد في الفصل 92 من الدستور، وكذلك المادة 46 من الدستور المالي الذي نص على أن “يتداول مجلس الحكومة،… مشاريع القوانين، ومن بينها مشروع قانون المالية، قبل إيداعها بمكتب مجلس النواب”، وهنا تنتهي مرحلة تحضير وإعداد قوانين المالية.

في الخلاصة، فإن تحضير وإعداد قوانين المالية في مرحلة الخطوط العريضة (الحكومة-الإدارة)، التي حدد لها زمن قبل 15 يوليوز من السنة، حسب المادة الثالثة من المرسوم، ومرحلة عرض الإطار العام (الوزير المكلف بالمالية-اللجنتين المكلفتين بالمالية بالبرلمان)، التي من المفروض أن تتم قبل 31 يوليوز من السنة، هما مرحلتان تسبقان مرحلة تداول المجلس الوزاري في التوجهات العامة لمشروع قانون المالية المنصوص عليها في الفصل 49 من الدستور. وبالتالي، فإن زمن اجتماع المجلس الوزاري من المفروض أن يتم بعد زمن عرض الوزير المكلف بالمالية أمام اللجنتين المكلفتين بالمالية بالبرلمان، أي في زمن ما بعد 31 يوليوز من كل سنة، على ألا يتجاوز زمن الأجل النهائي لعرض قانون المالية على مجلس النواب (المحدد في المادة 48 من القانون التنظيمي للمالية)، أي قبل 20 أكتوبر من كل سنة على أبعد تقدير.

ووجب التأكيد كذلك أن مرحلة إعداد مشروع قانون المالية طبقا للتوجهات العامة المتداول بشأنها في المجلس الوزاري، من المفروض أن تحدث مباشرة بعد حسم المجلس الوزاري في التوجهات العامة للقانون المالية، حتى تتمكن الحكومة من احترام أجل إيداع مشروع قانون المالية بالأسبقية في مكتب مجلس النواب (الذي حدد على أبعد تقدير في 20 أكتوبر من السنة) بعد عرضه في أقرب اجتماع للمجلس الحكومي، احتراما لما ورد في الفصل 92 من الدستور.

يتضح مما سبق أنه ليس هناك أي عائق دستوري يمنع عقد المجلس الحكومي الذي يقدم خلاله الوزير المكلف بالمالية عرضا يتضمن الخطوط العريضة لمشروع قانون المالية للسنة الموالية (والذي من المفروض أن ينعقد قبل 15 يوليوز من كل سنة).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى