الناجي يرصد التأثير المتزايد لنضال الحركات النسائية بمنطقة شمال إفريقيا
قال موحى الناجي، أستاذ في اللسانيات والدراسات الثقافية بجامعة فاس، إن “الحركات النسائية نجحت في الحفاظ على وتيرة التقدم، على الرغم من التحديات والعقبات المُستمرة”، مشيرا إلى أن “الحركة النسوية المغربية والجزائرية كانت قوية للغاية بين عامي 2000 و2010، وارتفعت وتيرة الحركة التونسية بعد الربيع العربي، وذلك بسبب التهديد الذي تشكله الأحزاب والحركات الإسلامية”.
وأضاف الناجي، في مقال له بعنوان “التأثير المتزايد للحركات النسوية في شمال إفريقيا”، أن “العديد من فعاليات الحركات النسائية الآن تركز على تغيير عقلية المواطنين وتعزيز وجود المرأة في الأماكن العامة والسياسة ومواقع صنع القرار”، موردا أن “الانتفاضات قبل عقد من الزمن منحت الأمل للنساء وأظهرت لهن ما يمكنهن تحقيقه من خلال منظمات المجتمع المدني والتنظيم السياسي وصياغة المطالب الجماعية”.
هذا نص المقال:
لقد ساهمت نضالات الحركات النسائية في شمال إفريقيا إسهاما كبيرا في تحسين آفاق التحول الديمقراطي في المنطقة في السنوات الأخيرة، لاسيما في المغرب. ومن خلال تعزيز تمكين المرأة عن طريق التعليم والتحرر من القيود الاجتماعية وإنتاج المعرفة، نجحت الحركات النسائية في الحفاظ على وتيرة التقدم، على الرغم من التحديات والعقبات المُستمرة.
على سبيل المثال، في حين استجابت ثلاث دول مغاربية لانتفاضات الربيع العربي في عام 2011 من خلال سن قوانين لزيادة التمثيل السياسي للمرأة، تراجعت تونس مؤخرا في ظل نظام قيس سعيد السلطوي. واعتبارا من عام 2022، أضحى تمثيل المرأة في برلمانات المنطقة متفاوتا إلى حد كبير.
في تونس، انخفضت نسبة تمثيل المرأة في المجلس الوطني إلى 16٪ سنة 2022 من 26٪ في عام 2014. وفي الجزائر، تراجع معدل تمثيل المرأة من 31٪ في عام 2017 إلى 8٪ في عام 2021. وفي المقابل، ارتفعت نسبة تمثيل المرأة في البرلمان المغربي من 21٪ في عام 2016 إلى 24.3٪ في عام 2021.
تختلف بيئة مشاركة المرأة في المنطقة بطرق أخرى أيضا. في الجزائر، تميل المنظمات النسائية التي تدافع عن الحقوق الاجتماعية والثقافية إلى التمتع بقدر أكبر نسبيا من الاستقلال والحرية مقارنة بالمنظمات التي تركز على الحقوق السياسية والمدنية، ولكن حتى المجموعة الأولى تعوقها القيود المفروضة على حرية التعبير وضعف التمويل.
وعلى نحو مماثل، ناضلت الحركة النسائية في المغرب لتحقيق الاستقلال السياسي والمالي عن الأحزاب السياسية والمؤسسات الأخرى. وتعمل المجموعات النسائية جنبا إلى جنب مع المنظمات الديمقراطية والوكالات الحكومية في مشاريع محددة مثل تعزيز محو الأمية والتعليم والصحة الإنجابية والقروض الصغيرة. علاوة على ذلك، تخصص الحكومة ميزانية سنوية للمنظمات غير الحكومية النسائية التي تعمل على تحقيق المساواة بين الجنسين والتنمية المستدامة.
وفي حين كانت الحركة النسوية المغربية والجزائرية قوية للغاية بين عامي 2000 و2010، ارتفعت وتيرة الحركة التونسية بعد الربيع العربي، وذلك بسبب التهديد الذي تشكله الأحزاب والحركات الإسلامية. نلاحظ ذلك في تصاعد المظاهرات واحتجاجات الشوارع والاعتصامات والعرائض الموقعة.
وفي البلدان الثلاثة، نجحت الحركات النسائية في استخدام وسائل الإعلام التقليدية وشبكات التواصل الاجتماعي على حد سواء للوصول إلى جمهور أوسع، ولضمان إسماع أصوات النساء في الشارع وفي أروقة السلطة.
وبفضل هذه الجهود، أدخل المغرب إصلاحات قانونية وسياسية تتمثل في تعديل الدستور، وإصلاح مدونة الأسرة، وزيادة تمثيل المرأة، ومحاربة العنف ضد النساء، وما إلى ذلك، وتعرف مشاركة المرأة في المجتمع المدني زيادة ملحوظة. وقد تم تأنيث الأماكن العامة، وبدأت الأدوار التقليدية للجنسين تتغير تدريجيا.
وفي تونس، حتى في ظل وصول حزب النهضة الإسلامي إلى السلطة، تمكنت ناشطات الحركات النسائية من إقناع أول حكومة انتقالية بالالتزام باتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. ومنذ السادس عشر من أغسطس/آب عام 2011، أقر القانون التونسي بالمساواة في الزواج والطلاق. وفي الآونة الأخيرة، نجحت الحركة النسوية التونسية في تمرير قانون جديد ينص على قدر أكبر من المساواة بين الجنسين في الميراث.
وكما تُظهر هذه الأمثلة، فقد قطعت الحركة النسائية في شمال إفريقيا شوطا طويلا نحو زيادة الوعي بأهمية المرأة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وفي عملية النهوض بحقوق المرأة، قدمت الحركات النسوية أيضا مساهمات حيوية في عملية التحول الديمقراطي والتحديث.
وفي حين تضامن أنصار الحركة النسوية العلمانية مع القوى التقدمية والديمقراطية، عملت النساء أيضا داخل الحركة الإسلامية لتأمين مكاسب اجتماعية وسياسية مهمة-مثل زيادة المقاعد في البرلمان ومناصب صنع القرار في الحكومة-وذلك منذ الربيع العربي.
من المؤكد أنه على الرغم من إشراك المرأة في الميدان السياسي عبر “الكوطا”، ورغم قوانين الأسرة الجديدة، والإصلاحات الأخرى التي عززت مشاركة المرأة وتمثيلها السياسي، إلا أنه من الصعب تحديد الآثار الإيجابية الأخرى. تلعب العديد من العوامل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية دورا مهما، وسيعتمد نجاح أي إصلاح دائما على الوضع الاجتماعي والسياسي لكل بلد وعلى حجم ونطاق أوجه التفاوت بين الجنسين. ووفقا لتقرير الفجوة العالمية بين الجنسين لعام 2022، الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي (World Economic Forum’s-Global Gender Gap Report 2022)، تمكنت بلدان شمال إفريقيا من سد الفوارق بين الذكور والإناث في التعليم والصحة والتوظيف بنسبة 50٪. وقد انخفضت نسبة الأمية بين الإناث في المغرب من 78٪ في عام 1962 إلى 2.4٪ في عام 2022 بالنسبة للفتيات في سن التمدرس.
وبشكل عام، نجحت جهود الحركات النسوية في تغيير الأدوار بين الجنسين في الجزائر والمغرب وتونس، وتأمين المكاسب الحقيقية للنساء والفتيات. ومع ذلك، على الرغم من استفادة المرأة من تحسن نسبي في مشاركتها وتمثيلها السياسيين، إلا أنها لا تزال تُشكل أقلية في المناصب القيادية. وعلى الرغم من الإصلاحات الأخيرة، تظل التفاوتات القانونية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية بين الرجل والمرأة قائمة.
وعلى هذا النحو، تركز العديد من فعاليات الحركات النسائية الآن على تغيير عقلية المواطنين وتعزيز وجود المرأة في الأماكن العامة والسياسة ومواقع صنع القرار. كما تسعى إلى تنفيذ إصلاحات مؤسسية واجتماعية جديدة ليس فقط لتوسيع نطاق التمثيل السياسي، ولكن أيضا للتعويض عن عقود من التمييز والإقصاء. وعلى الرغم من ردود الفعل العنيفة غير المتوقعة في أعقاب الربيع العربي من قبل الحركة الإسلاموية المتشددة، تعمل النساء معا على بناء تحالفات لمعالجة مخاوفهن الأساسية. فقد منحت الانتفاضات قبل عقد من الزمن الأمل للنساء وأظهرت لهن ما يمكنهن تحقيقه من خلال منظمات المجتمع المدني والتنظيم السياسي وصياغة المطالب الجماعية.
لا يزال مستقبل حقوق المرأة في المغرب الكبير غير مؤكد، لكن المكاسب المهمة التي تحققت خلال العقد الماضي توفر الأمل في إحراز مزيد من التقدم نحو تحقيق المساواة. وفي حين لا يزال هناك المزيد من العمل الذي يتعين القيام به لمكافحة التمييز ضد النساء وحماية المجموعات المُهمشة تقليديا، تسعى المزيد من النساء إلى إيجاد سبل للاستفادة من إرث الربيع العربي. وهذه الصحوة المدنية لن تتلاشى.