الأمين العام للعدالة والتنمية يبحث عن تسخير الهوية والقيم في استعادة الزخم
بدا لافتا أن عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، لم يفوت فرصة مشاركته في تأطير المهرجان الخطابي للذراع النقابية لحزبه، أول أمس الإثنين بالدار البيضاء، بمناسبة العيد الأممي للطبقة العاملة “فاتح ماي”، ليصوب مدفعيته صوب خصمه السياسي والإيديولوجي عبد اللطيف وهبي، وزير العدل الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، بسبب موضوع العلاقات الرضائية والحريات الفردية.
تعجب كثير من المتابعين لإثارة بنكيران قضايا بعيدة كل البعد عن موضوع الاحتفالية الخاصة بالعمال والمشاكل والتحديات التي يواجهونها في ظل وضع اقتصادي صعب، يغلب عليه الغلاء والتضخم، ويزيد من حدته الجفاف وشح التساقطات.
غير أن العارفين بالرجل، ووهبي واحد منهم، يدركون أن بنكيران لا يطلق الكلام على عواهنه، وإثارته موضوع العلاقات الرضائية ومدونة الأسرة في تجمع نقابي كان مقصودا، وله جملة من الأهداف التي أراد تحقيقها من خلال كلامه ذاك الذي تضمن هجوما حادا على وهبي بلغ حد وصفه بـ”الداعي إلى الفساد”.
خارج النسق
في تعليقه على الموضوع، قال المحلل السياسي والأكاديمي عبد الرحيم العلام: “أستغرب كيف سمح عبد الإله بنكيران لنفسه أن يخاطب من خلال تجمع نقابي في يوم عمالي جمهورا عماليا ويستغل منبرا متعلقا بمناسبة عمالية لتوجيه رسائل لا علاقة لها بالمناسبة، وهو أدرى بأن المناسبة شرط كما يقال”.
وأضاف العلام في تصريح لهسبريس: “لو أن بنكيران تحدث عما تحدث عنه في مناسبة أخرى، أمام حركة التوحيد والإصلاح أو أثناء مناقشة مشروع القانون الجنائي، ممكن وعادي”، معتبرا أن بنكيران “لا يمكنه تجاوز خطاب الإسلاميين، خاصة وأنه بات مقتنعا بأنه كلما ابتعد عن الخطاب الإسلامي فقد عناصر قوته”.
وتابع العلام موضحا: “لا ننتظر من بنكيران كإسلامي أن يدافع عن الحرية الفردية والعلاقات الرضائية، هذا ليس متوقعا. الإشكال الحاصل هو المناسبة، التي كان عليه أن يناقش فيها قضايا الفقر والمشكلات التي يعاني منها الناس بدل لوم وهبي، لأن العمال ينتظرون خطابا يتعلق بقضايا اقتصادية ونقابية”.
ولاحظ العلام أن بنكيران من خلال عودته للحديث عن التماسيح والعفاريت من موقع المعارضة، مخالف لما كان يتحدث عنه بشكل عام خلال رئاسته الحكومة، قائلا: “لما كان رئيسا للحكومة، كان غالبا ما يوحي بحديثه عن العفاريت والتماسيح إلى أشخاص في محيط القصر، واليوم العفاريت والتماسيح التي يتحدث عنها هي عفاريت وتماسيح صغيرة تدور في فلك الأحزاب والحكومة وغيرها”، مؤكدا أن هذا الأمر يبين أن بنكيران “لم يعد يتبنى تلك المقاربة الحدية مع القصر الملكي ومحيطه، اليوم هي فقط متعلقة بالأحزاب السياسية والحكومة”.
خلط الأوراق
واعتبر المحلل السياسي نفسه أنه من خلال خطاب رئيس الحكومة الأسبق، يظهر أنه “بدأ يخلط الأوراق وبدأ يعود إلى سابق عهد الخطاب الإسلامي، فهل سينجح معه الأمر أم لا؟ وهل المغاربة يمكن أن يجربوا المجرب؟”، موردا أن بنكيران يضع عينه على الانتخابات المقبلة وقد شرع في استخدام الأوراق التي جربها سابقا.
وأشار المتحدث إلى أن خطاب بنكيران “موجه إلى الذات التنظيمية، وليس عموم المغاربة، إذ وجهه إلى حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح والنقابة والمحافظين المتعاطفين الذين نفروا من العدالة والتنمية بسبب ابتعاده عن الإيديولوجيا”، مبرزا أن “بنكيران في تجربته الأولى رغم أنه لم يحقق نتائج اقتصادية كبرى، إلا أنه حافظ على خطابه الديني، وغالبا أصحاب الأيديولوجيات عموما يتغاضون عن الإنجازات الاقتصادية”.
وشدد العلام على أن “بنكيران الآن يفهم الخطأ الذي وقع فيه حزبه في السنوات السبع الأخيرة، إذ إنه بدأ يراهن على عموم المغاربة، وهو يعلم أن قوته في الحاضنة، ويركز على فئة يمكن أن يبني بها الذات التنظيمية، ويخاطب الوجدان الإسلامي ولديه فرصة الآن بعد فتح النقاش الديني والناس في لحظة الحشد والاحتشاد المذهبي يمكن أن يغفروا مجموعة من الكبوات لطرف معين”.
من جهته، ذهب خالد يايموت، محلل سياسي أستاذ بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، إلى أن تجدد النقاش فيما يتعلق بالحريات الفردية وتزامنه مع تعديلات مدونة الأسرة، “فيه سياقان: داخلي وخارجي”.
سياق النقاش
أفاد يايموت، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، بأن السياق الدولي هو “سياق فيه تحولات مهمة على مستوى الانتصار لتيارات معينة لا تؤمن فقط بالحريات الفردية، وإنما تؤمن بما يطلق عليه بالحريات ما بعد فردانية التي تؤطرها فلسفة ما بعد الحداثة التي لا تؤمن بأي ثابت على الإطلاق”.
وأوضح أن “انتصار هذه التيارات في السنوات الأخيرة منذ 2018، تكرس على المستوى الدولي، ووصل بعض أنصار هذا التيار إلى مراتب صناعة القرار على المستوى الدولي وإلى رئاسة الدول بشكل كبير جدا”.
وبيّن يايموت أن “الواجهة الفلسفية لهؤلاء والمنظور التطبيقي لهم، هي ظاهرة الشذوذ الجنسي، ويؤمنون بالزواج المثلي، وهذه الموجة ظهرت في السنوات الخمس الأخيرة، وارتقت هي كذلك، ونتحدث هنا عن منظمات ووصول هذا الجناح إلى مراكز القرار”.
ونبه يايموت إلى أن السياق الذي يعيشه المغرب في مناقشة الحريات الفردية والزواج، “ليس معزولا عن السياق الدولي، وهو ابنه الشرعي”، مؤكدا أن السياق الداخلي هو الذي “كانت فيه المبادرة الملكية وأثمر فيما بعد خطة إدماج المرأة في خطة التنمية”.
وسجل المتحدث ذاته أن ما يثار حول الحريات الفردية ومدونة الأسرة، “ليس شأنا حزبيا بين حزب العدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة، ومن السذاجة والتسطيحية أن يقال إن هناك تجاذبا معرفيا حقيقيا بين الحزبين. الموجود الآن هو أن حزب الأصالة والمعاصرة متأثر بالرياح الدولية، وحزب العدالة والتنمية بدوره متأثر بالرياح الدولية، خصوصا وأن المغرب كدولة يعيش ويئن تحت ضغوط هذه المنظمات الدولية التي انتصرت فيها فلسفة ما بعد الفردانية”.
وزاد يايموت موضحا أن “التيارات تتحدث عن هذا انطلاقا من منظومتها الفلسفية ومنظورها الفلسفي للقانون، وهذا التجاذب أصل قضيته دولي”، لافتا إلى أن “المؤسسات الوطنية الرسمية لنظام الحكم في المغرب ظلت صامتة إلى حد الآن ولم تعلن أي رأي، ولم تدخل في النقاش السائد، لأنها تعلم أن الرياح خارجية، وليست داخلية”.
واعتبر المحلل السياسي ذاته أن ما يجري “قضية كبيرة تعالج في كثير من الدول العربية، وضمنها المغرب، بشكل كاريكاتوري، وذلك ناتج عن الأزمة التي تعيشها النخب، سواء الفكرية أو السياسية أو الإعلامية”.
وشدد يايموت على أن هناك “منظومة فلسفية وطنية عريقة في المغرب، وهناك اجتهادات قديمة من داخل هذه المنظومة تعود إلى أربعة أو ستة قرون ناقش فيها علماء المغرب مثل هذه القضايا التي ليست جديدة”، مؤكدا غياب “الخبرة لدى النخب المغربية واطلاعها على تاريخ المغرب والتداول الفكري والفلسفي لمثل هذه القضايا، وبالتالي يسهل عليها اجترار ما تمليه المنظمات الدولية”، وفق تعبيره.