الحجاب ومحمد بن حمودة: لماذا أثار تصريح الداعية التونسي غضب البعض ثم اعتذر عنه لاحقا؟
أثار الداعية التونسي محمد بن حمودة جدلا واسعا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعد تصريحات تطرق فيها إلى فرضية الحجاب.
وقال بن حمودة في حوار على قناة التاسعة، قبل يومين، إنه أقنع زوجته بترك الحجاب لأنه “عرف وعادة وليس فرضا دينيا”.
وأضاف: “كنت مقتنعا تماما الاقتناع بأن الحجاب فرض لكن حين اطلعت على كل التفسيرات وبحثت في الآيات وتاريخ الحجاب، لم أجد أي آية تثبت فريضة الحجاب”.
غضب واسع
عرف التونسيون الشيخ محمد بن حمود بعد ثورة 2011، إذ برز كمقدم برامج بإذاعة الزيتونة للقرآن الحكومية. وله العديد من البرامج التلفزيونية منها: “إسلامنا”.
على مدى أيام، استحوذت تصريحاته حول الحجاب على اهتمام قطاع واسع من رواد موقع فيسبوك في تونس. كما يقول الشيخ إنه بصدد إصدار كتاب جديد بعنوان “الحجاب ليس في الكتاب”.
وتباينت الآراء حول تصريحاته، بين مستغرب يدعوه للتراجع وآخر يسانده مستدلا بآراء لشيوخ من خارج تونس.
وعبر فريق من المعلقين عن رفضهم لحديث الشيخ، ووجهوا له انتقادات لاذعة، وسط دعوات لمقاطعته.
وحذر آخرون من الترويج لهذه الآراء التي قالوا إن “من شأنها تمييع الثوابت الدينية بحجة حماية حرية الآخر في فهم النص”.
واتهم البعض بن حمود بـ”التضليل وتحريف الدين”، وقالوا إن “فرضية الحجاب ثابتة بنص القرآن الكريم”.
كما انبرى العديد من الدعاة للرد على الشيخ قائلين إنه “تعمد لي عنق النصوص للخروج بمثل هذه الفتاوى الغريبة”.
“نظرية المؤامرة”
وتعد التفسيرات الخاضعة لـ “نظرية المؤامرة” هي الأكثر انتشارا في النقاش الدائر حول تصريحات بن حمودة.
فثمة من يرى أن الحديث عن الحجاب وإنكار فرضيته “هي مؤامرة لإلهاء التونسيين عن القضايا الاقتصادية وتراجع الحريات السياسية في البلاد”.
ومنهم من ينظر إلى الاهتمام الإعلامي بمسألة الحجاب باعتباره “بالون اختبار لجس نبض الرأي العام لتمرير تشريعات جديدة”.
ويخشى بعض التونسيين من عودة التضييق على الحريات الدينية وإعادة إحياء المنشور 108، الذي سنه الرئيس الراحل بورقيبة لحظر الحجاب.
وهذا ما يستبعده آخرون ممن دافعوا عن حق الشيخ في التعبير عن آرائه وأطروحاته.
مساندة ودعوة “لإعمال العقل”
ومن جهة أخرى، تضامن آخرون مع حمودة، وأشاروا إلى أنه “يتعرض إلى حملة غير مسبوقة وصلت حد التكفير”.
كما وصف بعضهم الشيخ بأنه “مثال للشيوخ المعتدلين والعقلانيين”.
ويرى أصحاب هذا الرأي أن أفكار حمودة “تقوم على أسس دينية علمية خلافا لتفاسير منتقديه الذين يعتمدون قاعدة النقل قبل العقل”.
تفسير الآيات
وللتأكيد على فرضية الحجاب يستدل بعض الشيوخ بالآية 31 من سورة النور والآية 59 من سورة الأحزاب.
وهي نفس الآيات التي ينطلق منها معارضو فرضية “الحجاب” في الإسلام في تفسير موقفهم.
إذ ثمة من يقول إن تفسير الآيات بمعزل عن إطارها الزمني والتاريخي وأسباب نزولها تسبب في تكوين تفسير مغلوط حول حجاب المرأة في الإسلام.
ودعا البعض إلى التخلص من القوالب النمطية وتجديد الخطاب الديني.
التحولات السياسية والثقافية
وربط آخرون بين تصريحات الشيخ والتحولات السياسية والثقافية في تونس والمنطقة العربية عموما.
فعلق أحمد لزعر قائلا: “هذه مسألة مهمة وخطيرة لأنها تتعلق بعمق أي مجتمع وإمكانياته للتطور .. في تونس كان لدينا نوع من الوقاية الثقافية التربوية السياسية الإعلامية لكنها ضعفت بعد 2011 .. لو كان الحجاب في أصل الدين فلماذا نجد اختلافات كبيرة بين الحجاب السعودي .. الإيراني.. الأفغاني.. الماليزي.. المصري.. اختلافات كبيرة .. الأمر متعلق بثقافة كل شعب”.
في حين ردت عليه لبنى مقروري: “أولا السيد هذا ليس بباحث، هو شيخ تجمعي في العهد البنفسجي (عهد الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي) ثم أصبح من داعمي سعيد. ثانيا صفة باحث لا تنطبق على كل من هب ودب، الباحث صاحب رتبة علمية عالية وله أبحاث منشورة في مواقع معلومة وله من الزاد العلمي في الفقه وأصول الدين واللغة وأدواتها والتاريخ والتراث”.
وأيدها في ذلك المدون جمال طاهر.
تغييب المرأة
ورغم دفا ع البعض وإيمانهم بأفكار الشيخ، إلا أنهم انتقدوا فكرة تدخله في اختيارات زوجته.
وفي هذا السياق، دونت الباحثة والناشطة النسوية هاجر خنفير “رغم أني ضد أي تدخل من الزوج في خيارات زوجته المتصلة بلباسها وشكلها فإن هذه الشهادة أوجعت أولئك المتعصبين باعتبار وظيفة صاحبها”.
اعتذار الشيخ
وبحسب وسائل إعلام محلية، فقد اعتذر الشيخ في وقت لاحقا عن تصريحاته، إلا أن ذلك لم يوقف موجة الانتقادات التي طالته.
كما نشرت صفحة على “فيسبوك” تحمل اسم “الشيخ محمد بن حمودة”، تدوينة ينفي فيها دعوته للنساء لخلع الحجاب”.
وأضاف :”لم يكن ذاك قصدي يوما، ما أردته فقط هو مناقشة الآيات والأحاديث الواردة في فرضية الحجاب من عدمه، ومن اجتهد وأصاب فله أجران ومن اجتهد ولم يصب فله أجر واحد”.
بين الفينة والأخرى، تشهد تونس جدلا وسجالات محتدمة يطلق عليها البعض معركة الحجاب، وتشير تلك النقاشات إلى أن ارتداء الحجاب لا يزال قضية عامة لم تتمكن الثورة ولا الإعلام التونسي من التعامل معها باعتبارها مسألة شخصية تهم الفرد لا المجموعة.
وفيما ترحب فئة من المجتمع التونسي بحصول المرأة على حرية ارتداء الحجاب، ترى مجموعة أخرى في الحجاب تهديدا لمكاسب المرأة التونسية.